"الوطن" فى منزل شابين مصابين بإعاقة كاملة.. والأسرة تستغيث
الأم: محتاجين سكن دور أرضى يشوفوا منه الناس
أسرة الشابين المصابين بالإعاقة
بيت صغير داخل «حارة البحيرى» بقرية «دنديط» التابعة لمركز ميت غمر فى محافظة الدقهلية، لا تتجاوز أركانه عدة أمتار يصعب الحركة فيه، ولكنه يجمع أسرة مكونة من ٦ أفراد يعمل عائلها بأحد المساجد بالمنطقة، وبمجرد فتح الباب تجد توأمين يفترشان صالة المنزل، وجههما تملأه ابتسامة كبيرة تستقبلك فور دخولك، رغم أن الفرح لم يدق بابهما باستثناء لحظات قليلة، لعدم قدرتهما على الحركة، بسبب إعاقة تلازمهما منذ الولادة.
«مبروك المدام حامل».. بهذه الكلمات التى رنت فى آذان «علاء» وزوجته «عزة»، بدأت المعاناة قبل 20 عاماً، لم تتمالك الأم نفسها فسقطت مغشياً عليها من الفرحة، وظلت حالة السعادة تلازمها وتضاعفت عندما علمت قبل موعد ولادتها بأسبوع أنها تحمل توأماً بين أحشائها، وهما «محمد» و«أحمد»، اسمان اختارهما الأبوان لتوأمهما فور ولادتهما، وأصبحا منذ ذلك الوقت هما الشاغل الوحيد لهما، والسعادة التى لم يشعرا بها من قبل.
لم تكتمل الفرحة وحدث ما لم يكن فى الحسبان بعد 6 أشهر من الولادة، حيث لاحظ الزوجان اللذان ينتظران مراحل نمو توأمهما أن الطفلين بلا حركة، وكانت الإجابة عند الأطباء بأن لديهما إعاقة حركية تشل الأيدى والقدمين تماماً، ومن هنا بدأت المعاناة.
طرق الأب والأم، كل الأبواب بحثاً عن أمل شفاء طفليهما، ومرت الشهور والسنوات، لكن شيئاً لم يتغير، وزاد العبء على الوالدين اللذين يحملان «أحمد ومحمد» يومياً من مكان لآخر ويقومان بإطعامهما ويهتمان بنظافتهما الشخصية كل يوم: «ماعودناش بنقدر وطبعاً كل يوم بيكبروا وبيتقلوا والوزن والشيلة بتزيد» وفقاً لقول الأم.
تنظر «عزة» إليهما وكأنها تسترجع أعواماً مضت وتقول «طول السنين اللى فاتت وأنا بحاول أعالجهم وجريت بيهم فى أماكن كتير ماتأخرتش وقعدنا فى طنطا 4 سنين للعلاج حتى إمكانياتنا ماكانتش تسمح والعملية للواحد منهم بـ10 آلاف جنيه، بعت كل حاجة ولمينا من القرايب بس ماكانش فيه فايدة، قلنا كفاية كده ورجعنا لأن حتى باقى العمليات ماكناش قادرين عليها ومش مضمونة».
السيدة الأربعينية تستيقظ يومياً من النوم تذهب للصلاة ثم تتجه لغرفة التوأمين: «ألاقى اللى عامل حمام واللى مرجَّع على هدومه، أروح أحمِّيهم أو أنضفهم بجردل مية وفوطة»، ثم تعمل على إخراجهما إلى الصالة من خلال حملهما بين ذراعيها واحتضانهما كالأطفال وتضعهما على الأرض وحولهما أثاث بسيط من قعدة عربى وكراسى بلاستيك وطاولة تشبه الطبلية وأريكة صغيرة: «طول الوقت نايمين على بطنهم أريح وضع ليهم».
«وبعدين أفطرهم وأشغل لهم التليفزيون، وطول ما أنا فى المطبخ أبص عليهم أعدل لهم جسمهم، يومنا بيبقى صعب أوى غير أى حد» هكذا وصفت «عزة» يومياتها مع «محمد وأحمد»، ثم تنظر إلى طفلتين داخل المنزل وتقول: «الحمد لله ربنا رزقنا ببنتين كمان؛ سندس فى إعدادى وكريمة فى ابتدائى، لما كبرت سندس وبقت تمشى مابقتش مصدقة وبعدين اتفاجئت بمساعدتها ليا وكأنها أمهم الثانية، هى إيدى ورجلى».
حَمل التوأمين، البالغين من العمر حالياً 20 عاماً، كل يوم، تسبب فى إصابة الأم بالنخاع الشوكى، كما أجرى الأب عمليتى فتاق ويحتاج إلى إجراء ثالثة حالياً، فالمنزل يقع فى الطابق الثالث ونزول الابنين يحتاج إلى قوة بدنية كبيرة، حتى إن الأبوين يستعينان أحياناً بجيرانهما لمساعدتهما فى حملهما.
إحدى السيدات تبرعت لهما بكرسى متحرك يساعد التوأمين على التنقل ليستطيعا رؤية الشارع والناس بعد 15 عاماً من الحبس، بحسب وصف «عزة»، إلا أنه أصبح متهالكاً الآن: «العجلة صغرت عليهم وبقت تتكسر كل شوية»، بحسب «عزة»، التى تنظر إلى «محمد وأحمد» وتنهار بالبكاء قائلة بصوت يملأه الحزن: «أنا مش عايزة أى حاجة غير سكن فى دور أرضى يشوفوا الناس وتشوفهم قدام الباب لما أكون مش قادرة أدفع العجلة دى أبسط حقوقهم».
"محمد وأحمد": نفسنا فى شقة ونزور بيت الله الحرام
ينظر «محمد وأحمد» إلى والدتهما وترتسم على وجهيهما ابتسامة وهما يتحدثان عنها بكلمات تخرج منهما بصعوبة: «نقول لبابا وماما ربنا يخليكم لينا وإن شاء الله مش هندخل الجنة إلا بيكم» ثم يتحدث التوأمان عن أمنيتهما التى تنحصر فى السكن بشقة دور أرضى وزيارة بيت الله الحرام، ويردد «محمد» آيات قرآنية.
وداخل المنزل أيضاً كان يجلس زوجان هما مهندس الميكانيكا «مصطفى» وزوجته مدرسة إنجليزى وفاء محمود، والاثنان على المعاش تعرفا على الأم بالصدفة، يأتيان خصيصاً من قرية دقادوس، لتقديم المساعدة لـ«محمد وأحمد» وأمهما، أثناء مرضها وتلبية بعض طلبات الأسرة على حسب قدرتهما.