المراكز البحثية.. بيت الخبرة لـ"المستثمرين" ومعزولة عن مشكلات الاقتصاد
أحد المعامل من الداخل
«تلجأ إليها جهات مختلفة لإنشاء مشروعات استثمارية، تنهل من خبراتها البحثية، وتجرى داخلها تجارب متنوعة فى كافة المجالات، فهنا جهاز إلكترونى، وهناك أفران حرارية، كلها مجمعة فى عدد من المعامل والمراكز البحثية بكلية العلوم فى جامعة القاهرة، وهو نموذج لمختلف المعامل بالجامعات والمراكز البحثية، بمجرد أن تطأ قدمك مركز خدمة البيئة وتنمية المجتمع تجد العديد من الأجهزة التى تخدم البحث العلمى داخلياً وخارجياً، فتجد جهاز الفصل الكروماتوجرافى السائل عالى الدقة للفصل الكيميائى بين المواد، وهو أكثر الأجهزة شيوعاً فى مختلف الصناعات ومجالات البحث العلمى، والمركز يعتبر مركزاً ذا طابع خاص، ضمن 3 مراكز ومعه مركز التحاليل الدقيقة ومركز صيانة الأجهزة، وهى مراكز خدمية، تخدم المجتمع الداخلى والخارجى، والباحثين والتحاليل الكيميائية»، هكذا تحدثت الدكتورة غادة البسيونى، مدير المركز، موضحة أن المركز يهتم بالتدريب والاستشارات البحثية.
"البسيونى": تُخرج جيلاً قادراً على تولى مسئولية المستشار البحثى
وأوضحت «البسيونى»، لـ«الوطن»، أن المراكز البحثية تعمل على تخريج جيل قادر على تقلد مسئولية المستشار البحثى لدى الجهات المختلفة، ويستطيع إجراء بحوث عن مدى صلاحية منطقة معينة لإنشاء مصنع أو مزرعة، مضيفة: «يتعمق الباحث فى منطقة بحثية معينة، ويتم اعتماده من قبَل المؤسسة إلى أن يتم عمل ملف كبير يثبت قدرته على مهنة المستشار البحثى، وهذا هدف أساسى يسعى إليه المركز، من خلال تدريب الباحثين على التقنيات الحديثة فى التكنولوجيا، وعقد دورات متخصصة فى الاستشعار عن بعد، ودورات عن المكافحة الآمنة، مشيرة إلى أنه سيتم إنشاء مركز لتعليم الباحثين تقنيات الميكانيكا والكهرباء.
على بعد أمتار من معمل الكيمياء، يوجد معمل الرسوبيات، الذى يشمل أجهزة تخدم عملية البحث العلمى فى عمليات التنقيب ويحتوى المعمل على أجهزة لفصل المعادن الثقيلة ووضعها على شرائح زجاجية لدراستها تحت الميكروسكوب، وجهاز آخر لدراسة حجم الحبيبات فى الرمال فى الكثبان الرملية، وأجهزة للتنقيب المغناطيسى للرواسب لسهولة غسل العينات، والمعمل يتكون من شقين: الأول تعليمى من محاضرات وسكاشن، وشق خاص بالأبحاث، وهو مختص بالصخور الرسوبية، والمحاجر والخرائط الجغرافية والكثبان الرملية، واستصلاح الأراضى، حسب تأكيدات الدكتور أسامة عطية، أستاذ الصخور الرسوبية بالكلية.
وأوضح «عطية»، لـ«الوطن»، أنه يمكن تحويل البحث العلمى إلى الاقتصاد المعرفى، بتعريف الناس والمستثمرين من خلال محاضرات توضح ضرورة وجود دراسة جيولوجية عند الشروع فى أى عمل ما سواء فتح مزارع أو مشاريع، مبرراً وجود فجوة بين البحث العلمى داخل الجامعة والخارج، بكون كليات العلوم هى بيت خبرة للمستثمرين، وتابع: «المفروض المستثمر ييجى بيت الخبرة الأول».
«بعد التخرج فى الجامعة يسلك الخريجون طريقين، نهايتهما واحدة رغم اختلاف الأسلوب، وهما البحث العلمى، والسلك الأكاديمى، فالبعض يتم تعيينه معيداً فيُكلف بإعداد رسالة ماجستير ودكتوراه فى تخصصه فى وقت معين طبقاً للقانون، والبعض الآخر يعد رسائل علمية دون انتمائه لجامعة بعينها على أمل الالتحاق بها عقب حصوله على درجة الماجستير، وهنا يجتهدون فى البحث عن فكرة جديدة، ويجمعون حولها معلومات وفيرة، لأن تجربة البحث العلمى تلزمها بيئة مشجعة توفر كافة المستلزمات العلمية البحثية من معامل، ومراجع علمية، وعدم اتخاذ قرارات صعبة تعيق تردد الباحث على المكتبة»، كان هذا ملخصاً لما رواه الباحثون لـ«الوطن»، مؤكدين أن هدف البحث العلمى الصحيح هو إيجاد حلول لمشكلات تعوق تقدم المجتمع وهو ما تفتقده غالبية الأبحاث التى تم إجراؤها وتنطبق عليها مقولة «مركونة على الرف وخلاص».
"قشطة": يحتاج لربطه بمشكلات المجتمع
وقال حسام قشطة، مدرس مساعد بكلية الهندسة فى جامعة بنها، إن الهدف من إعداد رسالة ماجستير أو دكتوراه هو قياس قدرة الباحث على كيفية البحث عن معلومة جديدة وتحليلها بشكل جيد، بجانب قدرته على كتابة بحث علمى بشكل سليم، لنشره فى إحدى المجلات العالمية، مضيفاً أن الباحث فى هذه المرحلة يتمكن من امتلاك مهارات البحث العلمى ويؤهل لإعداد رسالة الدكتوراه التى تحتاج لمهارات أكبر فى تحليل المادة العلمية، موضحاً أنها لا بد أن تضيف جديداً للعلم، وتترك خطوة فى مسيرة البحث العلمى، وأشار إلى أن الاختلاف بين رسالتى الدكتوراه والماجستير يكمن فى كون الأولى تتطلب من الباحث نشر أبحاث أكثر فى مجلات عالمية ذات تأثير قوى وهى أهم متطلبات الترقية.
وتابع أن مشكلات البحث العلمى فى مصر تتمثل فى عدم ربطه بمشكلات وتنمية المجتمع، لأنه توجد العديد من الرسائل العلمية والأبحاث التى لا تمس الواقع، رغم أن هدف البحث هو إيجاد حلول اقتصادية لمشكلات موجودة فى الواقع وتنمية المجتمع، موضحاً أنه فى الدول المتقدمة تدعم الجهات الصناعية البحث العلمى بشكل كبير لأنه يسهم فى زيادة الإنتاج.
ويرى «حسام» أن العمل فى مجموعات كفريق بحثى وسيلة أساسية للقدرة على مواجهة التحديات، حيث يعتبر البحث العلمى مجرد هواية يقوم بها المحترفون عكس الدول الأخرى التى تهتم بالعمل فى المشاريع البحثية كمجموعات وتدار من خلال أساتذة متخصصين، منتقداً الإجراءات الروتينية المعقدة سواء فى الجامعات أو المؤسسات التابعة لوزارة التعليم العالى.
«ينحصر البحث العلمى فى الماجستير والدكتوراه، إذ يشترط تجهيز رسائل قائمة على البحث من خلال المرضى فى وقت محدد وبشروط معينة، لأن هذه الرسائل شرط أساسى فى الحصول على الدرجة العلمية ويزيد بشدة من وتيرة البحث العلمى وإن كان يحمل الغث والسمين»، حسب تأكيد الدكتور أنس مجدى، الأخصائى بوزارة الصحة.
وأضاف «أنس» أن المراجع العلمية غير متوافرة دون مقابل مادى إلا فى مكتبات الجامعة لكن غالبية الأوراق البحثية التى يحتاجها الباحث تكون منشورة على مواقع بمقابل مادى، ما يضطر الباحث إلى شرائها، فتمثل عبئاً ثقيلاً على الباحث المعين فى وزارة الصحة، أما بالنسبة للباحث الأكاديمى، فغالباً ما توفر له الجامعة الأبحاث عبر إيميلات خاصة به، مشيراً إلى أن المشكلة التى ما زال البحث العلمى يعانى منها هى اختيار موضوعات تم بحثها فى دول أخرى متقدمة.
"هالة": "المواد البحثية المطلوبة فى رسائل الماجستير والدكتوراه غير متوافرة فى المعامل ونستوردها غالية"
عامان من البحث والدراسة قضتهما هالة عبدالعظيم، الباحثة المتخصصة فى قياس بعض الإنزيمات فى فيروس سى، وقياس مدى تأثير التلوث على الحوامل، خاصة مع اتجاه غالبية الأبحاث حول استخدام النانو كعلاج لذلك، وقالت: «فكرت فى الآثار الضارة للنانو وبدأت أنفذ الفكرة فى مراكز مختلفة كمركز نادى الصيد، ومركز النانو فى أكتوبر، وتوصلت إلى نتائج عديدة مفادها أن الحوامل يجب عليهن الابتعاد عن المناطق المزدحمة فى فترة الحمل الأولى لمنع الإصابة بالعديد من الأمراض التى تؤثر على تنفس الطفل».
وأضافت أن تكلفة رسالة الماجستير الخاصة بها حوالى 30 ألف جنيه، ورسالة الدكتوراه 40 ألف جنيه، وارتفاع التكلفة نتيجة لعدم وجود مواد بحثية متوافرة فى المعامل، وتابعت: «بنستوردها غالية من بره».
«سلامة الأراضى فى الامتداد العمرانى للعاصمة الإدارية الجديدة»، كانت رسالة ماجستير خاصة بأحمد عبدالمعطى، المعيد بقسم الجيولوجيا فى جامعة القاهرة، الذى قال إن المعامل البحثية تتفاوت فى امتلاك بعض الأجهزة، وكانت نتيجة رسالته أن الأراضى الواقعة شرق العاصمة الإدارية لا توجد بها أى تراكيب صخرية معقدة يمكن أن تؤثر مستقبلاً على سلامة البناء، لأن تربة الأرض هناك رملية وهى من أحسن وأجود الأراضى التى يمكن البناء عليها.
ويرى «عبدالمعطى» أن المجتمع المصرى ما زال لا يدرك حتى الآن معنى البحث العلمى جيداً، لأن البحث يفتقر للموارد، وهى أهم نقطة فى العملية البحثية، مشيراً إلى أنه فى حالة ربط المشروعات القومية للدولة بالبحث العلمى ستتوافر الموارد اللازمة للبحث.
«المركز يحتوى على أجهزة حديثة للاستخدام البحثى كجهاز F T I R، وهو جهاز يعمل على تعريف المركبات المجهولة، وهناك جهاز آخر لقياس المركبات من خلال الإذابة وجهاز التحليل الحرارى، ويعمل على تكسير المركبات للتعرف عليها»، بهذه الكلمات، وصفت الدكتورة صفاء على، المدرس المساعد بقسم الكيمياء فى كلية العلوم بجامعة القاهرة، والمشرف على المركز البحثى للكيمياء، المعمل الذى يحتوى على أكثر من جهاز يتم استخدامه لإجراء الأبحاث العلمية بمختلف أنواعها، مشيرة إلى أن المركز متاح لجميع التخصصات العلمية فى الجامعة وغيرها للباحثين فقط، وأن هناك معامل مخصصة للباحثين وأخرى للطلاب.
وأضافت «صفاء» أن فترة الدراسة بعد تكليف الباحث بعمله كمعيد بالجامعة وبدء إجراءات التسجيل والتحضير للتمهيدى والتسجيل للماجستير والدكتوراه مكلفة جداً فى الوقت الحالى، وتتجاوز الـ40 ألف جنيه، مشيرة إلى أن التكلفة مرتبطة بالبحث وموضوعاته والقضايا التى يناقشها، وفكرة الباحث نفسها.
"صفاء": الأبحاث العلمية مكلفة والجامعات تقدم دعماً مادياً لمساعدة الباحثين
وتابعت أن الجامعات تقدم دعماً مادياً كمساعدة لجميع الباحثين من أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة لها، فضلاً عن تسخيرها له كافة الإمكانيات التى تؤهله لإنجاز مشروعه، مؤكدة أن الأبحاث والرسائل مكلفة جميعاً للباحثين خارج نطاق الجامعات.
وأكدت أن مسيرة البحث العلمى فى مصر تسير بخطى ثابتة ومتقدمة عما كان سابقاً فى السنوات الماضية، مستشهدة بتقدم الجامعات المصرية كجامعة القاهرة فى التصنيفات العالمية، مشيرة إلى أنه يجب أن تكون هناك خطة لتطوير المناهج العلمية للطلاب الدارسين للعلوم بالتعليم ما قبل الجامعى، لافتة إلى أن هناك تدريبات مكثفة يتم إعطاؤها للطلاب الجدد قبل دخولهم المعامل الكيميائية.
من جانها، قالت الدكتورة مروة حماد، الباحثة فى كلية العلوم بجامعة القاهرة، إن الجامعة تقدم كافة أوجه الدعم للباحثين من خلال تطوير المعامل وتلبية جميع احتياجاتها، مؤكدة أن رسالتها تسعى لتعيين مقادير الأدوية والكميات المطلوبة لصناعتها.
وأضافت «حماد»، لـ«الوطن»، أن المعامل البحثية متاحة لجميع الباحثين فى مختلف الأوقات وفقا لأبحاثهم وطبيعة عملها، مشيرة إلى إن هناك تعاون مثمر بين أعضاء هيئة التدريس والباحثين لم يكن موجودا من قبل.
وأكد أحمد حفنى، المعيد بقسم الحفريات فى كلية العلوم بالقاهرة، إن المراكز البحثية والمعامل للباحثين وأعضاء هيئة التدريس تختلف تماما عن المعامل الخاصة بطلاب البكالوريوس، لأن كليات العلوم تتصف دون غيرها من الكليات بوجود عدد لا بأس به من المعامل، مضيفا: «كليات العلوم ومعاملها هى المغذى الرئيسى لجميع الكليات فى أى جامعة».
وعن وجوده الدائم بمعمل «الرسوبيات»، قال «حفنى» إنه يعكف حالياً على إجراء عدد من التجارب العلمية ضمن خطة بحثه، بجانب إشرافه على المعمل، موضحاً أنه تم تجديد المعمل منذ العام الماضى، وتزويده بعدد من الأجهزة الحديثة المتطورة التى تستخدم فى شتى القضايا الجيولوجية.
"حفنى": 50 ألف جنيه تكلفة الخطة البحثية للطالب
وحول مسيرة وخطة البحث العلمى للباحث فى أى جامعة، قال «حفنى» إنه بعد التكليف بالتعيين كمعيد، يتم أخذ سنة تمهيدى فى الماجستير وبعدها يتم تحديد الخطة والمشرف وفقاً لموضوع البحث، ثم يتم إجراء التحاليل والأبحاث بشأن موضوعها والأجهزة، مضيفاً أن تكلفة البحث والدراسات والخطط البحثية لأى طالب تتجاوز الـ30 ألف جنيه، والباحث من الخارج يتحمل تكاليف تتجاوز 50 ألفاً جنيه، بخلاف المعيدين الذين تتجاوز خطط أبحاثهم 40 ألف جنيه نظراً لدعم الجامعة. وأكد أن البحث العلمى فى مصر فى تقدم، موضحاً أن هناك زيادة فى الأموال المخصصة للأبحاث العلمية بخلاف الأعوام الماضية، مشيداً بالخطوات التى يسير فيها البحث العلمى عن الأعوام الماضية.