د. سامر مخيمر: «الكهرباء» طفّشت العلماء للخارج ولا تصلح لإدارة مشروع قومى مثل «الضبعة»
قال الدكتور سامر مخيمر، رئيس مفاعلات أنشاص النووية السابق، إن وزارة الكهرباء التى «طفِّشت» الكوادر والعلماء المصريين العاملين فى المجال النووى إلى الخارج لا تصلح لإدارة مشروع قومى مثل «الضبعة»، مشيراً إلى أن المشروع يحتاج إلى هيئة سيادية عليا لإنجازه مثلما حدث فى بناء السد العالى.
وأوضح «مخيمر»، فى حوار لـ«الوطن»، أن ما أُشيع عن عدم صلاحية التربة للمشروع كلام غير علمى صدر عن أستاذ جيولوجيا معروف بانتمائه لـ«الإخوان»، مؤكداً أن الأرض صالحة تماماً لإقامة المشروع.. وإلى نص الحوار:
■ ما المعايير الواجب توافرها أو أخذها فى الاعتبار عند اختيار موقع لتدشين مشروع نووى؟
- هناك عدة معايير لا بد من التأكد من توافرها، مثل: مدى قرب المكان من المياه، وتركيبة التربة، واتجاه الرياح، والمياه الجوفية، ووقوع المنطقة فى محيط زلازل من عدمه.
■ وهل تنطبق هذه المعايير على أراضى الضبعة، خاصة بعدما أشاع بعض الجيولوجيين عدم صلاحية التربة للمشروع؟
- أرض الضبعة من أكثر الأراضى المناسبة لتنفيذ المشروع النووى، وما أشيع حول عدم صلاحية التربة صدر عن أستاذ جيولوجيا يدعى جهاد عودة معروف بانتمائه إلى جماعة الإخوان. ولو كانت التربة غير صالحة للمشروع لكان تم استبعادها من أول دقيقة، فدراسات التربة من أول الدراسات التى يتم تحديدها قبل البدء فى تنفيذ أى مشروع.
■ وماذا عن وجود قرى سياحية ومناطق سكنية على مسافة قريبة من أراضى الضبعة؟
- حينما اختاروا هذه الأرض بعد صدور قرار الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981 باختيار الضبعة لتنفيذ المشروع النووى - كانت هذه الأراضى خالية من السكان لدرجة أن الواحد كان يستطيع السير مسافة 100 كيلومتر دون وجود أى تكتل سكانى، ولكن نظراً لتعطل المشروع وعدم وجود إرادة سياسية حقيقية لتنفيذه، بدأ المستثمرون يستغلون الأراضى المجاورة للضبعة، ولكن وجود الأهالى لا يمثل مشكلة فى حال وجود محيط آمن للمشروع ووجود إدارة قوية ومتخصصة تعلم كيف تدير المشروع بشكل آمن.
■ وهل المحيط الآمن والإدارة القوية متوافران لإتمام المشروع؟
- المحيط الآمن متاح بشكل كبير، أما الإدارة المتخصصة فهى للأسف الشديد غير متوافرة لقيادة مشروع ضخم مثل الضبعة.
■ وماذا عن الكوادر الموجودة فى قسم المفاعلات النووية بالهيئة؟
- أغلب الكوادر للأسف الشديد موجودة حالياً خارج مصر، بسبب السياسة التى تتبعها وزارة الكهرباء فى التعامل مع علمائها، والتى ينطبق عليها مثل «العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة»، فقد كان عندنا نحو 35 عالماً من أمهر العلماء فى المجال النووى، الذين حصلوا على تدريب على أعلى مستوى فى الأرجنتين، لم يتبق منهم سوى 5 أشخاص فقط هم أقلهم فى الكفاءة والعلم، لدرجة أن واحداً من العلماء المصريين الذين تركوا مصر بسبب سياسات الوزارة يعمل حالياً فى تصميم مفاعلات فى اليابان واسمه الدكتور محمد رمضان، بالإضافة إلى أن اثنين آخرين من العلماء عندما رفضا تسلم المفاعل الأرجنتينى نظراً لوجود مشاكل فيه تم تحويلهما إلى القسم عندى، واحد منهم أصبح رئيس قسم المفاعلات حالياً وهو الدكتور صلاح المرشدى، والثانى الدكتور عادل عليان الذى بهر الجميع فى رسالة الدكتوراه الخاصة به لدرجة أن لجنة التحكيم أجمعت على أن رسالته هى «براءة اختراع».
■ ما دامت المشاريع النووية تتم متابعتها من جهات سيادية فى الدولة، فلماذا جرى إسنادها لوزارة الكهرباء؟
- هذا الأمر ناتج عن غياب إدارة حقيقية لتنفيذ المشروع، فمثلاً ما الذى فعلته وزارة الكهرباء منذ تسلمها الموقع؟ الإجابة: لا شىء، وبالتالى فإن مشروع مثل الضبعة لن يقدر على تنفيذه أحد سوى القوات المسلحة.
■ من وجهة نظرك من المتسبب فى تعطيل مشروع قومى مثل الضبعة حتى هذه اللحظة؟
- المتسبب الرئيسى فى وقف مشروع الضبعة هو الرئيس المتنحى حسنى مبارك، الذى تجب محاكمته على وقف مشروع مثل الضبعة، ففى عام 1986 كانت الوزارة جاهزة لطرح مناقصة المشروع، ولكن عندما وقع حادث «تشرنوبل» الشهير فى نفس العام تم إيقاف المشروع، ولو كنا بدأنا التنفيذ منذ هذا العام لكان لدينا على الأقل 8 محطات نووية.
■ هل ترى أننا فى مصر لدينا البنية التحتية المناسبة لتدشين مشروع مثل الضبعة، خاصة أن المكان يفتقد الخدمات الأساسية كالصرف الصحى والمياه؟
- حتى هذه اللحظة نحن لا نمتلك البنية الأساسية المناسبة للمشروع، سواء طرق تستطيع تحمل ثقل المعدات التى يصل وزن بعضها إلى 300 طن أو شبكات كهرباء مناسبة، فمثلاً كان يجب بناء ميناء فى الضبعة حتى يسهل عملية نقل المعدات فطرق الإسكندرية غير مجهزة لنقل مثل هذه المعدات، كما يجب الأخذ فى الاعتبار ارتفاع شبكات الكهرباء حتى لا تكون عائقاً فى عمليات النقل.
■ كم من الوقت سيحتاج تنفيذ البنية الأساسية للمشروع؟
- فى حال لو كانت وزارة الكهرباء هى المسئولة فالموضوع سيستغرق من عامين إلى 3 أعوام.
■ وماذا لو تدخل الجيش وأوكلت له الدولة تجهيزات المشروع؟
- لو تدخل الجيش سيتم الانتهاء منها فى بضعة شهور.
■ يلجأ أغلب دول العالم حالياً إلى الطاقات المتجددة بدلاً من النووية، فلماذا ما زال الحلم النووى يداعب مصر؟
- مبدئياً، ليس هناك شىء اسمه طاقة نووية وحدها أو طاقة متجددة وحدها، يجب أن يكون هناك مزيج وخليط بين الطاقتين، خاصة أن «الطاقة النووية» لها استخدامات كثيرة تساعد على دعم كل مجالات التنمية، فاستخدامها لا يقتصر فقط على إنتاج الكهرباء، بل يمكن الاستفادة من الطاقة النووية فى إنشاء نظائر مشعة واستخدامها فى المجال العلاجى، بالإضافة إلى إنتاج المياه النظيفة والمحلاة، فضلاً عن مجالات أخرى كتحسين خواص النباتات والتربة.
■ ولماذا لم تحصل الدولة على كل هذه الفوائد من مفاعلات «أنشاص» أو المفاعل الأرجنتينى؟
- لأن المفاعلات الموجودة فى مصر لا تعمل نتيجة وجود مشاكل تقنية بها، خاصة المفاعل الأرجنتينى الذى تسلمناه وكانت به مشاكل كثيرة.
■ أخيراً، لماذا تم حل مشكلة الضبعة عندما تدخل الجيش فى الوقت الذى فشل فيه نظام «مبارك»؟
- موظفو هيئة الطاقة النووية لديهم مشاكل فى التعامل مع أهالى الضبعة، وكانوا يعتمدون على سياسة «لماذا نوعِّى الناس ونرفع من درجة ثقافتهم بشأن أهمية المشروع طالما إن جهاز أمن الدولة ممكن يتعامل مع الأهالى؟»، أما الجيش فقد تعامل مع الأهالى كـ«بنى آدمين» وليس أغناماً، لذا استطاعت القوات المسلحة أن تقنع الناس بأن المشروع لن ينتج عنه أى أضرار، وأنه فى حال وقوع أى ضرر -لا قدر الله- فإن القاهرة ستتضرر مثلما سيتضرر أهالى الضبعة سواء بسواء.