استعادة مفهوم الوطن: أصبح جزءا من العقيدة بعد أن كان "تراب عفن" عند الإسلاميين
ممدوح ومهجة
«وما الوطن إلا حفنة تراب عفن»، مقولة لمنظر الإرهاب والتطرف سيد قطب، وضعتها الجماعات المتأسلمة شعاراً لها لتواجه فقه دعم الوطن وحمايته والدفاع عنه، مؤكدين أن وطنهم هو الإسلام، وكأن الإسلام يرفض فكرة الأوطان. د. محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، اعتبر حماية الأوطان من المقاصد الكلية للدين لتصبح 6 كليات، وهى «الوطن - الدين - النفس - العقل - المال - العرض»، حيث أكد الوزير، فى تصريحات خاصة، أن حب الوطن من الدين، والحفاظ على الأوطان من مقاصد الشرع، فضياع الأوطان ضياع للكليات كلها، التى دعا الدين لحمايتها، ومصالح الأوطان جزء من صميم العقيدة، ومصر حصن لدينها، وأمتها وأهلها فى رباط إلى يوم القيامة، والوطن تاج على رؤوس العقلاء والشرفاء لا يعرف قيمته إلا من اكتوى بفقده، مما يتطلب منا أن نحافظ بكل قوة على وطننا وأن نفديه بأنفسنا ودمائنا وأموالنا. ودعا الوزير لضرورة دعم القوات المسلحة باعتبار ذلك جزءاً من الدين، فالنبى قال «ستفتح عليكم بعدى مصر فاستوصوا بقبطها خيراً فإن لكم منهم ذمة ورحماً»، وقال «إذا فتح الله عز وجل عليكم مصر فاتخذوا بها جنداً كثيفاً فذلك الجند خير أجناد الأرض»، وسيظل جندها فى رباط إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
د. أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أكد لـ«الوطن» أن مصالح الوطن والدين ليست فى تعارض، فلم يكن الوطن أبداً حفنة من تراب، بل هو شعب له تاريخ وحضارة، ولم يكن حب الوطن والحنين إليه يوماً نقصاً فى المروءة بل كان دليل الكمال الإنسانى، حيث روى الدينورى عن الأصمعى قال «إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف تحننه إلى أوطانه»، وحينما هاجر النبى الكريم من وطنه مكة قال «والله، إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت»، وما رواه الترمذى عن عبدالله بن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمكة: «ما أطيبك من بلد، وأحبك إلى، ولولا أن قومى أخرجونى منك ما سكنت غيرك».
"أبوعاصى": الله جعل لمصر مكانة عليا
د. محمد سالم أبوعاصى، عميد كلية الدراسات الإسلامية الأسبق، قال لـ«الوطن» إن الله خلق بالإنسان غريزة حب الوطن، والنبى يوصينا بحب الوطن، فى حنينه لمكة، فقال أحب بلاد الله إلى قلبه، وجماعات الظلام هى من وضعت تصورات خاطئة حول وجود خلاف بين الوطن والدين، والله عز وجل جعل لمصر مكانة عليا ومنزلة غالية فى نفوس المسلمين والعرب، فهى عمود الخيمة وعقل وقلب الأمتين العربية والإسلامية وحامية الإسلام، وكرمها الله فذكرها صريحة بالكتاب الكريم وقال «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين»، كذلك كرم الله جيشها، فالحديث النبوى عن الجيش بأنه خير أجناد الأرض.
"غالب": الإنسان الحر يفتدى وطنه بنفسه وماله
بدورها أكدت د. مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية الأسبق، لـ«الوطن» أن حب الأوطان من الإيمان، ومن خلال الوطن وعلى أرضه تأتى مقاصد الدين، فالإنسان الحر الأبى يفتدى وطنه بنفسه وماله، وإذا ضاع الوطن ضاعت بضياعه الكليات الأخرى فى هذا الوطن على أقل تقدير، وأوضحت أن حب الوطن من الإسلام، وحسبنا دموع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم التى سبقت كلماته عند مفارقته لوطنه الأول مكة، وهو ينظر إليها فيقول «ما أطيبك من بلد، وما أحبك إلىّ، ولولا أن قومك أخرجونى منك ما سكنت غيرك».
"الأزهرى": مراتب الشهادة تشمل الدفاع عن البلاد
فيما قال الدكتور على محمد الأزهرى، عضو هيئة تدريس الأزهر، لـ«الوطن» إن كل ما يقوى ويدعم بناء الدولة الوطنية القوية إنما هو من صميم الدين، وكل عمل ينال من كيان الدولة أو يعمل على إضعافها يتناقض غاية التناقض مع كل المبادئ والقيم الدينية والوطنية، ويعد خيانة عظمى. وأوضح أن مراتب الشهادة تشمل الدفاع عن الوطن والتضحية لأجله، ففى الحديث الشريف أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون نفسه فهو شهيد»، وفى سورة النساء بين الله تعالى لنا أن مفارقة الوطن هى فى ذاتها عبارة عن قتل الإنسان لنفسه قال تعالى «ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم».
"الأوقاف": ضياع الأوطان ضياع للكليات التى دعا الدين لحمايتها
وقال الدكتور إسماعيل محمود عيسى، أحد علماء الأوقاف، لـ«الوطن» إن وطن الإنسان هو ذلك المكان الذى يعيش فيه وارتبط به جسداً وروحاً، وهو ليس حفنة من تراب كما يدعى البعض، وأن المواطنة فى معناها هى المساواة بين الناس جميعاً بغض النظر عن اللون أو الجنس، فالجميع متساوون فى الحقوق والواجبات، لذلك نحتاج أن نربى أبناءنا على حب الأوطان والتفانى فى الدفاع عن كل ذرة من ترابها، فالانتماء هو المعنى الأصيل للمواطنة. وأشار إلى أن مصر أرض طيبها الله وشرفها بآل بيت رسول الله، الذين قال الله تعالى فيهم «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً». وأكد أن حب الوطن لا يتعارض مع فكرة الدولة الحديثة؛ لأن مصر لها من الحدود ما يجب الحفاظ عليه.