أستاذ الاقتصاد: العالم مقبل على تباطؤ اقتصادي.. ورغبة الدول في حماية منتجاتها تزيد الأوضاع سوءا
أستاذ التجارة الدولية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد غنيم
قال أستاذ التجارة الدولية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد غنيم إن منظمة التجارة الدولية باتت مشلولة بعد أن عرقل الأمريكان تعيين قضاة جدد فى هيئة الاستئناف، مضيفاً فى حواره لـ«الوطن» أن هذه الخطوة كانت بمثابة ضربة كبيرة للمنظمة، التى فقدت دول العالم المتقدمة والنامية على السواء الثقة فيها وباتت الآن شبه ميتة فى غرفة الإنعاش، ولذلك توسعت مختلف الدول فى توقيع اتفاقات إقليمية.. وإلى نص الحوار:
ما أسباب الحرب التجارية الدائرة بين أكبر اقتصادين فى العالم: الولايات المتحدة والصين؟
- هذه الحرب لها جذور قديمة، وتتلخص فى تحفظات الولايات المتحدة ودول كبيرة أخرى على ممارسات الصين غير العادلة، وكانت البداية انتقادات أمريكية لبكين لتعمدها خفض قيمة عملتها بهدف زيادة جاذبية صادراتها، لكن الصين لم تستجب، ثم شكت الولايات المتحدة أيضاً من انتهاكات الصين لحقوق الملكية الفكرية للشركات الغربية وإجبارها للمستثمرين الأجانب على نقل التكنولوجيا كشرط لدخول أسواقها وهو ما يخالف أحد بنود اتفاقيات منظمة التجارة العالمية.
إذا كانت الأزمة قديمة، فلماذا أثارها فقط الرئيس «ترامب»؟
- لاعتبارات متعددة، منها أن الاقتصاد الأمريكى تراجع نسبياً فى السنوات الأخيرة فى مقابل صعود اقتصادات أخرى على رأسها الصين، الأمر الثانى هو شخصية «ترامب» التى تفتقر للدبلوماسية، وتعتمد سياسات صادمة حتى مع حلفائه، الأمر الذى جعله يقوم بتعديل اتفاقات كثيرة منها «النافتا» مع المكسيك، لإدخال شروط تضمن مراعاة المكسيك لضوابط البيئة وحقوق العمال، رغم أن هذه الاتفاقية مبرمة منذ عام 1991 ولم يفكر أى رئيس قبلها فى تعديلها، بل الأكثر من ذلك أن الاعتقاد السائد هو أن المكسيك كانت الطرف المتضرر من الاتفاقية. أضف إلى ذلك، أن العالم مقبل على تباطؤ اقتصادى، ومعه يتزايد الخلل فى موازين الحساب الجارى، «الصادرات مقارنة بالواردات من السلع والخدمات»، وحين يحدث ذلك تزيد رغبة الدول فى حماية منتجاتها برفع الجمارك على الواردات، وكلما ساءت الأوضاع تزيد إجراءات الحماية.
د. أحمد غنيم: دفاع الدول المتقدمة عن البيئة وحقوق العمال لا علاقة له بأى اعتبارات إنسانية
وما الذى يشغل «ترامب» بضوابط البيئة وحقوق العمال فى المكسيك؟
- المسألة اقتصادية بحتة ولا علاقة لها بأى اعتبارات إنسانية، فالولايات المتحدة مثل باقى الدول الغربية المتقدمة تتهم الدول النامية خصوصاً فى شرق آسيا بـ«Eco-Dumping» و«Social dumping» أى عدم مراعاة الاعتبارات البيئية وعدم احترام الحقوق الثمانية الأساسية للعمالة التى حددتها منظمة العمل الدولية (ومنها الأجر اللائق وظروف العمل الآمنة وحق التظاهر وتكوين النقابات، إلخ» وتجاهل الدول النامية لهذين الأمرين يخفض تكاليف الإنتاج لديها مقارنة بالسلع الغربية المماثلة، ما يخلق منافسة غير عادلة من وجهة نظر الغرب.
وما سبب الكساد الذى ينتظره العالم؟
- هناك مشكلات فى قطاعات الاقتصاد الحقيقى، مثل صناعة السيارة، وهى صناعة محركة لأنشطة اقتصادية كثيرة فى هذه الدول والحرب التجارية بين أكبر اقتصادين فى العالم تزيد الوضع سوءاً.
"ترامب" مقتنع بأن دورها "ملهوش لازمة" ويريد أن يأخذ حقه بإيده من "بكين"
ولماذا لم يلجأ «ترامب» لمنظمة التجارة العالمية فى خلافه مع الصين؟
- أمريكا شكت كثيراً للمنظمة، لكن إجراءات التقاضى فى المنظمة بطيئة، ثم إن «ترامب» لا يؤمن بها، شأنها فى ذلك شأن كثير من المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة التى يرى «ترامب» أنها «ملهاش لازمة». ولذلك فهو يفضل «أن يأخذ حقه بإيده».. ولذلك سعت أمريكا لشل عمل المنظمة من خلال رفضها تسمية قضاة جدد فى محكمة الاستئناف التابعة للمنظمة خلفاً لمن انتهت ولايتهم.
وما تحفظات أمريكا على المنظمة؟
- كثيرة، فهى تتهمها بتجاوز صلاحياتها عبر إطلاق أحكام تقول واشنطن إنها تخرق السيادة الوطنية، وتتحفظ على ما تصفه بالرواتب المرتفعة جداً للقضاة، وتضغط الولايات المتحدة أيضاً لإعادة دراسة موقع الصين فيها، والتى بحسب الأمريكيين، تملك زوراً وضع بلد نامٍ لهدف ما يجعلها تستفيد من مميزات تجارية ليست من حقها.
منظمة التجارة الدولية فى غرفة الإنعاش بسبب تجاوزها لصلاحياتها ووضع الصين كدولة نامية
لكن الواضح أن أمريكا ليست وحدها مَن فقد الثقة فى منظمة التجارة، فلماذا؟
- هذا صحيح والمنظمة كانت تعيش فى الإنعاش على جهاز تنفس صناعى بعد أن فقدت كل من الدول المتقدمة والنامية الثقة فى قدرة المنظمة على ضمان حقوقها. والآن باتت شبه ميتة فعلاً بعد أن شل الأمريكان أهم آليات التقاضى فيها «محكمة الاستئناف» مؤخراً، إذ لم يعد فيها سوى قاضٍ واحد، والحد الأدنى لأداء عمل هذه الهيئة هو 3 قضاة.
ولماذا فقدت الدولة الكبيرة ثقتها فى المنظمة؟
- الدول المتقدمة تشعر بأنها عاجزة عن أخذ حقها، منذ أن نجحت الهند والبرازيل فى قيادة الدول النامية داخل المنظمة للتصدى لضغوط الدول الغربية عليها، وهو ما ظهر جلياً فى «جولة الدوحة» التى بدأت فى نوفمبر 2001 وانتهت بالفشل. قبل هذه الجولة كانت الدول الغربية تمرر ما تريد من قرارات على الدول الفقيرة بـ«العصا والجزرة» أى تقديم المعونات لها وتهديدها بأى مكروه. لكن عندما نجحت الهند فى جمع هذه الدول حولها، لم يعد الغرب قادراً على مواصلة هذا النهج.
ولماذا فقدت الدول النامية الثقة فى المنظمة؟
- هذه الدول تجد أيضاً نفسها عاجزة عن حفظ حقوقها عن طريق المنظمة ولكن لأسباب أخرى: نظرياً آلية فض المنازعات عادلة جداً، لكن على أرض الواقع مكلفة جداً لأنها تتطلب الاستعانة بمكاتب محاماة وإجراءات تسجيل.. إلخ وكل هذا مكلف. باختصار ضعف موارد هذه الدول لا يمكنها من الحفاظ على حقوقها.
هل يمكن أن تعطينا مثالاً ضاع فيه حق لدولة بسبب ارتفاع تكاليف الإجراءات؟
- الأمثلة كثيرة. وزير المالية الأسبق الدكتور يوسف بطرس غالى مثلاً أراد أن يحمى القطن المصرى فى الخارج من خلال علامة تجارية. لكن تسجيل هذه العلامة كان يقتضى إجراءات تسجيل فى كل دولة، وفى الدول الفيدرالية يجب أن تسجل فى كل ولاية، وهذا أمر مكلف جداً. تخيل ماذا يمكن أن يحدث حين يذهب وزير للبرلمان طلباً لاعتماد 50 مليون دولار مثلاً لتسجيل هذه العلامة، والناس تعانى الأمرين من إجراءات خفض دعم السلع الغذائية الأساسية.
الدول المتقدمة التى فقدت مزاياها فى الزراعة والصناعة عرضت فتح أسواقها فى هذه القطاعات مقابل احترام الدول النامية لحقوق الملكية الفكرية وتجارة الخدمات
نسمع كثيراً عن خلافات بين الدول المتقدمة والنامية فى ملف تجارة الخدمات؟ ما طبيعة هذه الخلافات؟
- منذ تأسيس منظمة التجارة، أدركت الدول المتقدمة أنها فقدت مزاياها التقليدية فى الزراعة والصناعة، فعرضت على الدول النامية أن تفتح أسواقها لها فى هذه القطاعات مقابل احترام الدول النامية لشروطهم فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية والخدمات. كان الفكر الشائع قبل ذلك هو أن الخدمات سلع غير قابلة للتجارة، لكن الدول المتقدمة أدركت لاحقاً أنه يمكن تصدير الخدمات، مثل الخدمات المصرفية وشركات المحمول والنقل.. إلخ. لكن تجارة الخدمات بهذا الشكل تحتاج ضوابط مختلفة بعيداً عن قوانين الجمارك، هى تحتاج لتشريعات ولوائح تسمح بتدفقها، بحيث يسمح البنك المركزى فى مصر مثلاً بدخول البنوك الأجنبية لسوقه وأن تسمح الهيئة المسئولة عن الاتصالات بدخول شركات المحمول وفق شروط تضمن لها العمل والربح، وهذا يقتضى وضع قواعد ميسرة للاستثمار الأجنبى وقواعد تسهل تحويل الأرباح والسماح بفتح حسابات فى الخارج وتسهيل انتقال الخبرات.