وقفت الطفلة الصغيرة جودي ومعها 5 أطفال آخرين ينشدون أغنية "قادرين نعملها" و"أنا ابن مصر" أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، في حفل مبهر أقيم في قاعة المنارة للمؤتمرات، لفتت الصغيرة الأنظار إليها بصغر سنها وإجادتها للغناء وطاقة الحب التي تتحلى بها أثناء وقوفها على المسرح. تلك الطاقة وذلك الحب تختبئ وراءهما قصة ملهمة لأسرة من 5 أفراد.. "جودي" واحدة منهم، ومعها والدها ووالدتها وشقيقها أحمد، وشقيقتها مريم من ذوي الاحتياجات الخاصة أيضا.
"الوطن " كانت قد نشرت قصة توأمي التحدي "جودي ومريم" من قبل، في ملف بعنوان "أطفال خارقون"، ونعيد نشر تلك القصة من جديد.
"ألم شديد أيقظها من نومها، يبدو أن صغيرتها قررت أن تغادر أحشائها وتطل على الحياة، في المستشفى كان الجميع في انتظارها، الأب والشقيق الأصغر وبقية العائلة، هز صراخها قلوبهم، إنها تعلن عن وصولها، احتضنت الأم رضيعتها «مريم»، شقيقها أحمد يكبرها بعام فقط، أخذ يتفحصها بعينيه كما يفعل الجميع، لم يكن هناك شيء غير معتاد، طفلة جميلة هادئة كالنسيم، مرت ساعات ملئت الأجواء فيها السعادة والمباركة من الأهل والأصدقاء، ثم جاء الطبيب ليتفحص الصغيرة قبل أن يأذن لها بالانصراف مع عائلتها.
لكن الفحص طالت مدته، وملامح الطبيب تبدلت وسكن وجهه القلق، فتسلل الصمت شيئا فشيئا إلى الغرفة، غادر الطبيب برفقة الأب، تحدث إليه قليلا على انفراد ثم عاد وحدهاعتدلت الأم في نومتها، ثم أخذت تصوب نحو زوجها الأسئلة، ماذا هنالك؟، هل ابنتنا بخير؟ هل أصابها مكروه؟ ماذا قال لك الطبيب؟ لماذا لم يتحدث أمامنا؟، استجمع الأب قواه ثم أجاب عن كل أسئلتها بجملة واحدة .. مريم بنتنا كفيفة.
سنوات مرت على الأسرة، الأب والأم ومريم وشقيقها أحمد، حتى انضمت إليهم الصغيرة «جودي»، تكرر مشهد تفاصيل ولادة «مريم»، وتكرر معه قلق الانتظار وفرح الوصول وفحص الطبيب، وانتهى المشهد بتكرار الأب الجملة نفسها ..جودي بنتنا كفيفة.
ربما يشعر من يقرأ تلك الكلمات الآن، أن حياة الأم والأب بسبب حرمان ابنتيهما من نعمة البصر صارت كمغارة مظلمة، يقبع كل أفراد الأسرة داخلها، ولكن الحقيقة تعكس مشهدا آخر أكثر بهجة وسعادة، لكن تحول المنزل إلى مسرح صغير بطلتيه، هما «مريم» التي تبلغ الآن 15 عاما، و«جودي» التي لم تتجاوز بعد الست سنوات، تتحسس «مريم» بأصابعها الرقيقة علي البيانو وتطلق موسيقاها لتملأ الأجواء مرحا وسعادة، فيما تقف شقيقتها الصغرى وأمامها ميكروفون صغير، لتؤدي بصوتها الملائكي بعض الأغاني و«المونولوجات»، ويشكلا معا فريقا، لا يسعك حين تراه، إلا أن تنحني أمامهما إعجابا وفخرا.
كأي أم في مثل موقفها، شعرت هويدا أحمد عبدالهادي، بصدمة كبيرة فور إخبارها بأن ابنتها جاءت إلى الدنيا ولن تراها، «ماكنتش عارفة هتصرف إزاي أو هعلمها إزاي لأني أول مرةأتحط في موقف زي ده، ومكانش في أسرتنا قبل كده حد أتعرض للموقف ده عشان أسأله».
صدمة الأم وحيرتها أخذا في التلاشي شيئا فشيئا، والفضل يعود لتلك الطفلة الصغيرة التي أشعرت الأم بأنها ترى الدنيا وهي مغمضة العينين، «حسيت أن هي اللي بتعلمني مش أنا»، صحيح أنها لم تتوقع أن تتكرر التجربة مع ابنتها الثانية، إلا أن «الرضا» كان حالها في استقبال جودي.
«كل واحد في الدنيا عنده شيء مفقود في حياته، ده إحساسي واللي بيخليني متأكدة أني مختلفش عن أي حد تاني في الدنيا» ، هكذا ترى مريم نفسها، ليست من ذوي الإعاقة أو حتى كما يطلقون عليها احتياجات خاصة، بل إنها وبكل بساطة فتاة من ذوي الاحتياجات المختلفة.
منهم جودي.. ملف "أطفال خارقون" يقدم قصص أبطال صغار من ذوي الاحتياجات الخاصة، يمكنك قراءته من هنا
تتحدث عن الموسيقى فتتغير نبرة صوتها، «إحساس جميل جدا بتاخدني لدنيا تاني خالص، وأول مرة كنت أحس بكده وأنا في أولى إعدادي، ما أعتقدش أني ممكن في يوم أعيش منمسابقات واحتفالات عدة شارك فيها الفتاتان وجوائز كثيرة كانت من نصيبهما رغم صغر سنهما، منها تكريم للشقيقتين في الملتقى الدولي لفنون ذوي الاحتياجات الخاصة بمشاركة 31 دولة حول العالم، كما حصلا على لقبي «ملكة جمال الإرادة» و«ملكة جمال التحدي»، وفازت «مريم» بالمركز الثاني في مسابقة إبداع للجامعات برغم صغر سنها، وشهادة تميز عن الشعر والعزف من مسابقة الحلم المصري، ولا زالت تحلم بالمزيد وتطمح بأن تصبح إعلامية شهيرة، بينما تريد «جودي» أن تصل بفنها إلى أكبر عدد من الناس.
تعليقات الفيسبوك