متوسطية عبر العصور.. ملامح علاقة بمصر بأشقاءها
جانب من جلسات منتدى شباب العالم
تحدث عنها طه حسين ووصفها بـ"المتوسطية" في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر - متوسطية"، وذكر توفيق الحكيم أن الشرق والغرب التقيا في مصر، بحسب روايته "عصفور من الشرق"، فتحرص مصر دائما على توطيد علاقاتها مع أشقائها من دول البحر المتوسط، انطلاقاً من حرصها على مفهوم التعايش السلمي، وسعيها الحثيث لذلك، ففي الحضارة المصرية القديمة رحبت مصر بالمستثمرين اليونانيين، وأنشأت لهم مدينة كاملة، وبتلك الطريقة استمر ود مصر لباقي دول المتوسط، حتى وقتنا الحالي.
وكشف متخصصون لـ"الوطن" عن طبيعة علاقة مصر بدول المتوسط منذ العصور القديمة، حتى العصر الحديث، وفق ما جاء في جلسة "دول المتوسط حضارات إنسانية عريقة وتاريخ مشترك"، أمس، بمنتدى شباب العالم، المنعقد في شرم الشيخ تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي.
"فهيم": علاقة مصر بدول المتوسط تجارية تعاونية
في البر الغربي من طيبة يوجد حوالي 39 مقبرة لأفراد، أتوا لمصر لتقديم فروض الطاعة والولاء للحكام في الماضي، ما يدل على ترحيب مصر بمختلف الدول، وحرصها على توثيق علاقات قوية مع مختلف الدول، بحسب الدكتور هشام فهيم، أستاذ الآثار المصرية، موضحاً أن حدود مصر اتسعت في عصر ملوك الدولة الحديثة وشملت جزر البحر وقبرص وكريت، الذين عاشوا في ظل الحماية والسيادة المصرية.
استعان الملك بسماتيك الأول في الأسرة العرشين بجنود من المرتزقة لمساعدة الجيش المصري في حروبه ضد الأعداء، ويؤكد "فهيم" أن ملك اليونان آنذاك بادر بتقديم المساعدة للجيش المصري، تقديراً وعرفاناً بجهود مصر في المنطقة، مشيراً إلى أنه مع استمرار الوقت بدأ الصناع وأصحاب الأموال اليونانية اللجوء إلى مصر، فأنشأ حكام الأسرة الـ16 لهم مدينة كاملة، فاتسمت طبيعة العلاقات المصرية بأشقائها بسمة تجارية تعاونية.
"جمال": الإسكندر الأكبر كان يهدف لدمج الشرق بالغرب لتكوين الحضارة الهيلينستية
"تكونت كسبيكة نادرة صهرت عبر 7000 عام، وينعقد الإجماع على ارتباطها وانتمائها للقارة الأفريقية والآسيوية"، هكذا وصف الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس، علاقة مصر بدول البحر المتوسط، لافتاً إلى أن كثير من المفكرين إنحازوا إلى الاتفاق على كون مصر دولة بحر متوسطية خاصة في المرحلة التي عرفت بـ "شبه الليبرالية" الممتدة من بين عامي 1923 و1952 أي بعد إعلان مصر دولة دستورية.
مصر فتحت أبوابها على تاريخ جميع الحضارات، وعندما ظهرت الحضارة اليونانية والرومانية ارتبطتا بمصر، ونقلتا من الحضارة المصرية القديمة، يقول "شقرة" لـ"الوطن"، إن اللافت للنظر أن الإسكندر الأكبر الذي أسس الامبراطورية اليونانية وبناء العديد من المدن باسمه، كان مغرماً بمصر وحضارتها ومقدراً لموقعها الاستراتيجي، ما رسخ في فكره أمنية دمج الشرق بالغرب فيما يعرف بـ"الحضارة الهيلينستية"، لافتاً إلى أنه عندما جاء البطالمة قسموا امبراطورية الإسكندر الأكبر، إلا أن مصر ظلت جسراً بين الشرق والغرب.
عبر التاريخ لم يكن البحر المتوسط حاجزاً بين مصر وعالم البحر المتوسط، بل كانت همزة وصل واتصال وجسراً تعاملت مصر من خلاله مع الحضارات البحر متوسطية، وفق ما رواه أستاذ التاريخ الحديث لـ"الوطن"، لافتاً إلى أن الرومان كانوا ينظروا إليها على أنها سلة غذاء للعالم كله.
ورغم سقوط مصر في قبضة الاحتلال العثماني، إلا أنها ما احتفظت بعلاقة وطيدة بأوربا خاصة أن نابيلون بونابرت، حينذاك، قرر جعل مصر مركزاً لتحقيق حلمه في تكوين إمبراطورية فرنسية، فمصر كانت لديه "بلد الحكم الأفضل" الذي لم يخلق مثله في الوجود.
ويؤكد "جمال" أنه انصياعا لحكم الجغرافيا والتاريخ ستظل العلاقات بين مصر وأوروبا عبر البحر المتوسط قائمة، لأن مصر دولة بحر متوسطية، حتى وقتنا هذا تشهد مصر علاقات متميزة مع الدول الأخرى في ظل رئاسة السيسي.
"الريس": العلاقة المصرية بدول البحر المتوسط إيجابية طيبة
في الوقت الحالي، يرى الدكتور نجاح الريس، أستاذ العلاقات الدولية بكلية السياسة والاقتصاد بجامعة بني سويف، أن مصر حاضرة بقوة في علاقات تعاونية مع دول البحر المتوسط، استكمالاً لما بدأته منذ القدم، لافتاً إلى أن مصر عرفت في عصر الإمبراطورية الرومانية بـ"غذاء الإمبراطورية".
عام 2004 وقعت مصر اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، كنموذج للتعاون الوثيق بين الدول الأوربية، وهو ما أسهم في تشعب العلاقات الدولية لمصر، بحسب "الريس"، واصفاً طبيعة العلاقة المصرية بالدول الأخرى بأنها علاقات إيجابية وتعاونية مع الدول البحر المتوسط.
اعتبارات عديدة راعتها مصر في الوقت الحالي، كانت نتجيتها تقوية علاقتها مع قبرص واليونان، أهمها إقامة تحالف دولي موازي للنفوذ التركي وهي اعتبارات سياسية بحتة، واعتبارات اقتصادية تتعلق بالاكتشافات الجديدة للغاز في البحر المتوسط، فضلاً عن الاعتبارت الجغرافية، بحسب ما كشفه الدكتور محمد سلمان، وكيل كلية السياسة والاقتصاد بجامعة القاهرة، واصفاً علاقات مصر بقبرص واليونان بـ"الطيبة".
ولفت "سالمان"، إلى أنه العلاقات المصرية المتوسطية علاقات متميزة، لا سيما أن الدائرة المتوسطية هي واحدة من الدوائر الثلاثة التي تحدث عنها كبار المسئولين، مؤكدا أن مصر لها 3 دوائر، أولها الدائرة المتوسطية والدائرة العربية، والدائرة الشرق أوسطية، موضحاً أن مصر في إطار الدائرة المتوسطية تحرص على إقامة علاقات مع دول شمال وشرق وجنوب المتوسط مثل دور الشمال الأفريقي، ودول الشام واليونان وقبرص، والقارة الأوروبية.
نوفمبر 2014، التقى الرئيس السيسي نظيره القبرصي ورئيس وزراء اليونان، لعقد قمة ثلاثية لبحث آلية التعاون بين مصر وقبرص واليونان، في إطار دعم وتعميق العلاقات المتميزة بين الدول الثلاث إلى جانب تعزيز التشاور السياسي بينهم، بشأن سبل التصدي للتحديات التي تواجه منطقتي الشرق الأوسط والبحر المتوسط، وآخرها القمة الثلاثية الـ7 بين مصر وقبرص واليونان، برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي، والتي تناولت متابعة مجالات التعاون الثلاثي بين الدول الثلاث في مجال الطاقة، إضافة إلى مناقشة الأوضاع الإقليمية في منطقة شرق المتوسط، ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.