جدل قبطي بعد قرار إيبارشية لوس أنجلوس تنظيم قداسين لعيد الميلاد.. والمقر البابوي يلتزم الصمت
الأنبا سيرابيون مطران لوس أنجلوس
حالة من الجدل أثارها قرار إيبارشية لوس أنجلوس للأقباط الأرثوذكس بالولايات المتحدة، بتنظيم قداسين لعيد الميلاد 2020، الأول فى 24 ديسمبر الجارى، والثانى فى 6 يناير المقبل، بالتزامن مع التقويمين الغربى والشرقى، تطبيقاً لتوصية المجمع المقدس للكنيسة فى يونيو الماضى، بالسماح «باستثناءات لقوانين الكنيسة والتقليد المقدس نتيجة احتياجات رعوية بكنائس بلاد المهجر».
الرافضون: خطوة نحو الانفصال
وفيما اعتبرته حركات قبطية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى، خطوة نحو الانفصال، رافضين هذا الأمر، أيّد بعض الأقباط، وخاصة فى المهجر، الخطوة التى وصفوها بأنها تأتى تلبية لدعواتهم، فيما التزم المقر البابوى بمصر الصمت، ورفض عدد من المسئولين الكنسيين الرسميين التعليق على القرار.
وفيما أرجع الأنبا سيرابيون، مطران لوس أنجلوس، فى خطاب لكهنة الإيبارشية، الأمر إلى أن عدداً من أطفال وشباب الكنيسة قد وُلدوا وترعرعوا فى مناخ يربط ميلاد السيد المسيح باحتفالات الكريسماس، فقد رأى أنه يُعتبر من الاحتياجات الرعوية الملحة أن يتم السماح لكنائس الإيبارشية بإقامة قداس إضافى فى ليلة عيد الميلاد، يوم 24 ديسمبر، بجانب قداس عيد الميلاد فى منتصف ليلة 6 يناير، مع العلم أنه لن يتم قطع فترة صوم الميلاد حتى انتهائه بقداس ليلة العيد، يوم 6 يناير المقبل.
الأنبا سيرابيون: القرار تلبية لطلبات أعضاء الكنيسة المخلصين واحتفال إضافى دون كسر الصوم
وقال المطران فى خطابه إنه تلقى طلبات من العديد من العائلات التى لا تتمكن لأسباب رعوية مختلفة من المشاركة الكاملة فى أفراح احتفال الكنيسة بعيد الميلاد فى 7 يناير طبقاً للتقويم الشرقى، ويشعرون بقلق عميق من أن أطفالهم وشبابهم يكبرون فى مناخ يشاركون فيه باحتفالات الكريسماس يوم 25 ديسمبر طبقاً للتقويم الغربى، لذلك واستجابة للاحتياجات والاهتمامات الرعوية لهؤلاء الأعضاء المخلصين للكنيسة، فإنه يجوز لكنائس الإيبارشية فى حالة وجود أسباب رعوية عمل احتفال إضافى يبدأ من عشية ونصف الليل 24 ديسمبر وباكر وقداس على طقس عيد الميلاد بالنغمة الفرايحى فى صباح 25 ديسمبر، بدون كسر صوم الميلاد حتى يوم 6 يناير.
ورفضت صفحة «عضمة زرقا» القبطية على موقع «فيس بوك»، إحدى أشهر الصفحات القبطية على مواقع التواصل الاجتماعى، القرار، مشيرين إلى أن هناك حالة رفض شعبى فى الداخل والخارج له، ورآه البعض مقدمة للانفصال عن الكنيسة الأم، وسمح بتجرؤ البعض على ما تسلمته الكنيسة وتسبب فى بلبلة للكنيسة، حيث إنه مر أكثر من خمسين عاماً على كنيسة المهجر ولم تحدث مشكلة، متسائلة: «كيف يصلى البعض العيد ١٤ كيهك ويصومون بعد ذلك إلى ٢٩ كيهك؟ ومتى يتم الاحتفال بعيدى البشارة والغطاس؟».
ووصف نادر صبحى، مؤسس حركة «شباب كريستيان»، قرار لوس أنجلوس بأنه محاولة لتهييج الشعب القبطى على الكنيسة.
واستند المعارضون لفكرة توحيد الأعياد إلى قرارات وآراء البابا كيرلس السادس، والبابا شنودة الثالث، فالأول صدر فى عهده بيان من البطريركية حمل توقيع القمص ميخائيل عبدالمسيح وكيل عام البطريركية فى ذلك الوقت، يؤكد خلاله تمسك الكنيسة بقرار المجمع المقدس الصادر بتاريخ 5 مارس 1960 باحتفاظ الكنيسة بتراثها الخالد القويم وأنها «أمينة على ما تسلّمته من الآباء القديسين السابقين ومحافظة على ما قرّرته المجامع المقدسة»، وأن تواريخ الأعياد وتقويمها هى كما هى بترتيبها الزمنى كما وضعه آباء الكنيسة الأولون بدون تغيير أو تبديل أو مساس به.
فيما أكد البابا شنودة، حينما كان يشغل منصب أسقف المعاهد الدينية والتربية الكنسية بالكنيسة، أن توحيد الأعياد هو خطر عظيم إن لم يسبقه توحيد العقيدة، قائلاً: «إن الوحدة المسيحية لا يصح أن تكون وحدة مظهرية أو شكلية، وإنما يجب أن تكون وحدة فى الإيمان والعقيدة، والكاثوليك اهتموا بالشكل الخارجى فقط، واهتموا بأن يكونوا مثل الأرثوذكس فى الألحان واللغة القبطية والقربان.. حتى يتوهم الناس أنه لا فرق بيننا وبينهم.. وهكذا يضمون إليهم البسطاء الذين يتوهمون أن الوحدة قد تمت».
وأضاف البابا شنودة: «بقيت الأعياد، لذلك هم يجاهدون أن يتحدوا معنا فى موعد العيد حتى يقولوا للناس: وماذا بقى بعد؟ لقد صرنا واحداً، وهذا خطر عظيم ننبه إليه، ويجب فى مسائل الوحدة البدء بالخلافات الإيمانية وبحث الفروق اللاهوتية والعقيدية أولاً، أما مسألة الأعياد فتأتى أخيراً جداً، إنها حالياً مسألة مظهرية لا علاقة لها بخلاص النفس».
المؤيدون: الكريسماس قداس إضافى وليس بديلاً لقداس العيد
فيما دافع بعض أقباط المهجر عن القرار على مواقع التواصل الاجتماعى، وقال احد الاقباط يدعي هاني إن نص رسالة المطران هو الاحتفال بالعيد فى موعده الرسمى ٧ يناير بينما يحق للأسقف فى ظل «اللاهوت الرعوى» أن يسمح بقداس إضافى فى وقت إجازات الكريسماس وأن يحضر الأطفال قداساً فى كنيستهم الأرثوذكسية، فهو قداس إضافى وليس بديلاً لقداس العيد، مع الحفاظ على الصوم من أجل تسديد الاحتياجات الروحية لأبناء الجيلين الثانى والثالث فى المهجر.
وقال ممدوح نخلة: «قرار صائب ١٠٠% لأن التاريخ القبطى به أخطاء ولابد من تغييره للتوافق مع التاريخ الميلادى».
وكان البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، طرح فى 2014 قضية السماح لأقباط المهجر بالاحتفال بعيد الميلاد فى 25 ديسمبر، إلا أن حالة من الرفض القبطى صاحبت الأمر، حتى أعلن فى مايو الماضى خلال إجابته عن أسئلة أقباط كنيسة القديس أثناسيوس الرسولى بمدينة بتبرج جنوبى ألمانيا، مناقشة المجمع المقدس فى دورة يونيو 2019، فكرة أن يتم السماح لأقباط المهجر للاحتفال بعيد الميلاد طبقاً للتقويم الغربى، بجانب الاحتفال يوم 7 يناير طبقاً للتقويم الشرقى، وأنه ناقش هذا الأمر خلال زيارته وقتها مع الأنبا سيرابيون مطران لوس أنجلوس، وقوبل ذلك بعاصفة بين الأقباط طفت على مواقع التواصل الاجتماعى، وأشار البابا إلى أن مسألة الأعياد هى مسألة مرتبطة بالتقويم وليست مسألة مرتبطة بالعقيدة أو اللاهوت، قائلاً: «هى مرتبطة بتحديد التاريخ، فهناك التقويم القبطى غير التقويم الغربى، وفى مصر نحتفل يوم 7 يناير وهو إجازة رسمية من الدولة لكن عندما هاجر أولادنا، وهذه عملية لم تكن فى الحسبان، أصبحوا أقلية فى المجتمعات وهذا سبّب قلقاً للجيلين الثانى والثالث، وهذا أمر نريد دراسته فى المجمع المقدس لنرى ما يمكن فعله لنساعد أولادنا على التأقلم فى حياتهم، فالأعياد مرتبطة أولاً وأخيراً بالتقويم الذى نستخدمه، مثال قياس درجات الحرارة يكون بنظامين فهرنهيت وسيلسيوس، فالحرارة الـ37 يمكن أن تقابل 99 فهرنهيت، كالكيلومتر والميل.. والاتنين صح».
وفى الشهر التالى صدرت توصية «المجمع المقدس» بالسماح باستثناءات لقوانين الكنيسة والتقليد المقدس نتيجة احتياجات رعوية بكنائس بلاد المهجر، وهو ما فسره بعض الأقباط على أنه موافقة من الكنيسة على احتفال المهجر بعيد الميلاد فى 25 ديسمبر، إلا أن القس بولس حليم، المتحدث الرسمى باسم الكنيسة، نفى هذا الأمر وقتها، وقال إن قرار الاحتفال بالعيد يوم 25 ديسمبر يحتاج قراراً مجمعياً، وهو ما لم يحدث.
وسبق أن قدم القمص يوحنا نصيف، كاهن كنيسة السيدة العذراء للأقباط الأرثوذكس فى شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، بحثاً إلى المجمع المقدس حول ضبط التقويم القبطى وتعديل موعد الاحتفال بعيد الميلاد، باقتطاع 13 يوماً من السنة القبطية فى أحد الشهور التى لا توجد بها أعياد سيدية مثل شهر بابه، وهو الأمر الذى سيوحد بشكل تلقائى موعد الاحتفال بعيد الميلاد، ويعود 29 كيهك ليوافق 25 ديسمبر كما كان حادثاً قبل عام 1582م، والذى تغير عندما تمّ ضبط التقويم الغربى.
وقال القمص لـ«الوطن» إن اقتراحه لن يغير من شكل الكنيسة أو يمس العقيدة وثوابتها، كاشفاً أن التقويم الغربى هو الأدق وأن التقويم القبطى به خطأ بسيط فى الحساب الزمنى، وأن تعديله سينهى أزمة توحيد عيد الميلاد بين الكنائس الغربية والشرقية، وعلى المدى البعيد مع وجود بعض الكنائس القبطية التى تتجه إلى الاحتفال بعيد الميلاد يوم 25 ديسمبر، لأن شعبها كله من الجيل الثانى والثالث للمهاجرين وأغلبهم متزوّج من أجانب، سيُحدث بقاء الوضع الحالى شروخاً فى الوحدة الوجدانية للكنيسة، مضيفاً: «بل وأتوقع فى غضون سنوات قليلة أن يبدأ البعض فى المناداة بالانفصال رعوياً وإدارياً عن الكنيسة الأم فى مصر».
ولم يكن اقتراح القمص يوحنا نصيف الأول فى الكنيسة خلال السنوات الماضية، إذ سبق أن اقترح الأمر الراهب القمص فيلبس الأنبا بيشوى عام 2002، والباحث القبطى نجيب بولس فى أربعينات القرن الماضى.
وكان أساقفة داخل الكنيسة أعلنوا رفضهم صراحة لفكرة توحيد عيد الميلاد مع الغرب يوم 25 ديسمبر، منهم الأنبا رافائيل، أسقف عام كنائس وسط القاهرة وسكرتير المجمع المقدس السابق، والذى أشار إلى رفضه فكرة توحيد عيدَى الميلاد والقيامة بين الكنائس، قائلاً: «ما تسلمناه يجب تسليمه، وتوقيتاتنا دقيقة، ففى عيد القيامة حسب توقيتنا يخرج نور من القبر المقدس بكنيسة القيامة، وعيد الميلاد فى الغرب لا يوجد فيه المسيح وإنما يعتبرونه احتفالاً بالكريسماس»، مضيفاً: «الناس بتطلع وتهجص وتاخد إجازة طويلة لكن المعنى فى كنيستنا، خلى الأولاد يهيصوا فى 25 ديسمبر ويحتفلوا فى 7 يناير، وكيف سيكون رد الأرياف فى مصر على تلك الخطوة هيقولوا غيّرنا ولا بِعنا الكنيسة للغرب والكاثوليك، كما سيستغل أعداء الكنيسة ذلك بالقول إن الأرثوذكس على خطأ»، وأشار الأسقف إلى أنه يجب ألا يتم الذوبان فى الغرب، ويمكن حل ذلك بالمطالبة بأن يكون يوم 7 يناير إجازة رسمية للأقباط فى أمريكا وكندا على سبيل المثال.
كما أعد الأنبا أغاثون، أسقف مغاغة، بحثاً للرد على مقترح توحيد الأعياد، قائلاً إن التوحيد يجب أن يكون من خلال الإيمان الواحد أولاً، قائلاً: «الأعياد جانب من التقليد المقدس المسلَّم للكنيسة منذ آبائنا القديسين ولا يجوز المساس بالأعياد، سواء بالتعديل أو بالتغيير لأنه تقليد مقدس ثابت، وهذا التوحيد قد يؤدى إلى انقسام داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ويمثل خطورة بالغة على وحدة الكنيسة وسلامتها».