فى كلمته أمام منتدى الاستثمار فى أفريقيا يوم السبت الماضى، تحدث الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى عن أهمية الاستثمار للدول الناشئة الباحثة عن مكانة لها بين اقتصاديات العالم وبخاصة فى عالم التصنيع، ثم قال عبارة استوقفتنى حين تحدث عن تباطؤ الاستثمار الأجنبى فى مصر، رغم محاولات بذلتها الدولة لإقناع المستثمر الأجنبى للقدوم ولكننا «فشلنا» على حد قوله، نعم لدينا استثمارات أجنبية ولكنها ليست بالقدر الكافى لما نحتاج له.
فى معرض الحديث عن الاستثمار فى بلادنا نلاحظ عدداً من الأمور منها ارتباط الاقتصاد بتفاصيل السياسة، فكلاهما لا ينفصل عن الآخر بل هما وجهان لعملة واحدة، وقد واجهنا كافة الضغوط السياسية التى مارستها قوى عالمية رفضت التغيير فى مصر عقب إزالة العدوان الإخوانى علينا فى 30 يونيو 2013، تذكروا معى المؤتمر الاقتصادى الذى نظمته مصر فى مارس 2015 الذى تمت دعوة الكثير من الدول لحضوره، وعلى الرغم من قبول الكثير منهم الحضور ونجاحنا فى توقيع اتفاقية إنشاء محطات ثلاث للكهرباء مع شركة سيمنز بقيمة 6 مليارات دولار، وعملنا بدأب فى تلك الفترة للانتهاء من حفر قناة السويس الموازية بطول 73 كم فى عام واحد، وافتتاح مصنع بتروكيماويات برج العرب باستثمار يزيد على مليار دولار، وافتتاح ترسانة الإسكندرية فى مايو 2015 وغيرها من الاستثمارات الحكومية، إلا أن هذا لم يثبت حسن وجدية النية المصرية فى الاستثمار الحقيقى لدى شركات العالم التى وقفت تتابع الموقف من بعيد.
يأخذنا هذا للشق الثانى فى القضية وهو إصرار الدولة على دخول عالم التصنيع والاستثمار بقوة لتعويض غياب الاستثمار فى القطاع الخاص والنهوض بالدولة وتحقيق التنمية المستدامة والحد من البطالة وعجز الموازنة، وهو ما جعل القاهرة تتصدر تقارير العالم وتحتل المرتبة الأولى فى حجم الاستثمارات فى أفريقيا، متفوقة على الرباط وجنوب أفريقيا فى العام 2018، بما يتجاوز 13 مليار دولار، أى إن الدولة لم تتدخل فقط لإحداث التطوير ولكنها تدخلت لغياب المستثمر الأجنبى والمصرى والعربى، نتذكر جميعنا فى المؤتمر الاقتصادى فى مارس 2015 حينما تم التوقيع بالأحرف الأولى مع شركة العبار الإماراتية على مشروع إنشاء العاصمة الإدارية، ثم انسحبت الشركة من المشروع لأنها كانت تريد العمل برأس المال المصرى والاقتراض من البنوك المصرية، بينما جزء مما نحتاج له هو ضخ استثمارات أجنبية فى مصر، وإلا فشركات القطاع الخاص المصرى أولى بقروض البنوك المصرية، وهو ما قد كان، لينفذ المشروع عدد ضخم من تلك الشركات ومن كافة المستويات.
هنا إذاً مربط الفرس فى الشق الثالث للقضية، المستثمرون ورجال الأعمال المصريون الذين نحتاجهم بشدة لتنمية مناحى الاستثمار، فهم اعتادوا على مكاسب ضخمة قبل 2011 وتكوين ثروات دون التزامات تجاه الدولة، والحصول على تسهيلات النفوذ التى يمنحها الثراء باقترابهم من السلطة، لقد أرادوا الحفاظ على ذلك بعد 30 يونيو 2013، ولكن كانت الإجابة وقتها من الرئيس السيسى بأنه ليس لديه فواتير وجب عليه تسديدها لأحد، وأنه يرحب بعمل الجميع ولكن دون تهاون فى مصالح أو حقوق الدولة، فكانت لجان استعادة الأراضى، وتقييم الضرائب على سبيل المثال، وهذا لم يرض غالبية رجال الأعمال الذين تشككوا فى نيات النظام السياسى تجاههم وخشوا من الاستثمار بقوة، من هنا نحتاج إلى مكاشفة بين كافة الأطراف ليعود المستثمر المصرى لتشغيل المصانع والأيدى العاملة، له أن يكسب وعليه أن يسدد حق الدولة، وعلى الدولة أن تمنحه مناخ الاستثمار بشفافية المعلومة والتخطيط والمتابعة لحل كافة المشكلات. فهل نجتمع على كلمة سواء لإعادة الاعتبار للصناعة المصرية والنهوض بالاستثمار فى بلادنا؟