• الفرق بين التصوف الحق وبعض متصوفة اليوم كالفرق بين الإسلام العظيم ومسلمى اليوم، وكالفرق بين الدين والمتدينين، فالتصوف الحق قيم غالية من الزهد والتقوى والعبادة والتجرد والإخلاص والإيثار، وواقع المتصوفة اليوم أدركه الضعف والانهيار الذى أدرك معظم قطاعات التدين والحياة المصرية.
• ومن أهم أسباب ذلك أن أكثر الطرق الصوفية لا يقودها العلماء الزهاد، بل يقودها أبناء الشيوخ بالوراثة، وإذا كان المال أو المنصب أو الجاه يورَّث أحياناً، فإن الدين والإمامة فيه لا تورَّث، فهذا إبراهيم عليه السلام إمام المهتدين، يسأل ربه «قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِى قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ».
• فالذى لا يواظب على الصلاة المفروضة والسنن الراتبة، ومن لا حظ له من قيام أو صيام نوافل أو ذكر لله فى سره قبل علانيته، وفى خلوته قبل حضرته، ليس متصوفاً على الحقيقة.
• ومن ترك واجبات الشريعة أو ركب المعاصى دون توبة أو ندم، استناداً إلى أنه من أهل الحقيقة، فهو غشاش ومخادع وليس صوفياً.
• والتصوف يعنى الإحسان فى كل صوره، وهو فوق العدل وأسمى منه وأرفع، فالشريعة تأمر بالعدل والإحسان، والتصوف يأمر بالإحسان ويُلزم به، ومن لم يكن محسناً فليس متصوفاً على الحقيقة.
• فقد سأل ابن بشار، وهو أحد الفقهاء، الشبلى تلميذ الجنيد وأحد أئمة التصوف: كم زكاة خمس من الإبل؟ قال: فى الشرع شاه وفيما يلزم أمثالنا التصدق بها جميعاً، فقال له: ألك فى ذلك إمام يُقتدى به؟ قال الشبلى: نعم، سيدنا أبوبكر الصديق فقد جاء بكل ما يملك وقدمه إلى رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، فقال له الرسول: ماذا أبقيت لأولادك؟ فقال: أبقيت لهم الله ورسوله.
• ولولا إحسان المحسنين فى كل مكان لهلك الناس وضاعت الأسر وتمزقت المؤسسات وتهدمت الروابط، ولا تعدم مؤسسة ناجحة ثلة من المحسنين.
• أما من يظلم غيره أو يعتدى على حقه أو يأكل ميراث شقيقاته أو مال الأيتام، فلم يتذوق يوماً طعم التقوى والصلاح، فضلاً عن التصوف والإيثار والإحسان.
• ومن لم يكن محباً لله سبحانه بحق وصدق وتجرد فلم يعرف التصوف بحق. ومن أبرز معانى الحب الحقيقى لله سبحانه استقلال الكثير من نفسك واستكثار القليل من ربك، وتعنى كذلك «تقديم مراد الله على مراد نفسك، وأن تهب كلك لربك فلا يبقى لك منه شىء، وتميل إلى ربك بكليتك، وإيثارك لله سبحانه على نفسك وروحك ومالك، وموافقتك لله سراً وجهراً».
• وتعنى أيضاً «شعورك الدائم بالتقصير فى جنب الله، أو أن تعيش مع الحق سبحانه بغير خلق الناس»، أو كما عرّفه الجنيد: «إذا تكلم العبد فبالله، وإن تحرك فبأمر الله، وإذا سكن فمع الله، فهو بالله ولله ومع الله».
• أو كما عرفه الشاذلى: «المحبة آخذة من قلب عبده كل شىء سواه، فترى النفس مائلة لطاعته والعقل متحصناً بمعرفته، والروح مأخوذة فى حضرته، والعبد يستزيد فيزاد».
• ومن علاماته حب الرسل كافة والصالحين والطائعين، بل وحب الخلق جميعاً لأنهم إما أهل دعوة أو أهل إجابة، ورجاء الخير للناس جميعاً.
• ومن لوازم هذه المحبة ألا ينتقم المرء لنفسه، ولا يرى ذاته أو يدور حولها، ولا يجعل منها صنماً يقدسه ويعادى ويوالى عليه، بل يهضم ذاته وجاهه فى الله.
• فإذا رأيت الرجل يغضب لنفسه وينتقم لها، ويدور حولها ولا يعفو ولا يصفح، أو يكره المؤمنين والصالحين أو مجمل الناس، أو يتطاول على منافسيه أو يحقد على أقرانه، فاعلم أن التصوف الحق لم يقترب يوماً من قلبه، ولم تتشربه نفسه يوماً ما.
• فمحبة الله إن لم تترجمها الجوارح إلى أخلاق فاضلة، فاعلم أنها دعوى كاذبة لا دليل لها. وأجمل ما قيل فى وصف المتصوفين بحق «نزلت نفوسهم منهم فى البلاء كالذى نزلت فى الرخاء ولولا الأجل الذى كتبه الله عليهم لطارت أرواحهم شوقاً إلى ربهم».
• تحية لمن أحبوا الله ورسله وأنبياءه والصالحين وأرادوا الخير للبشرية جميعاً.