ابنة مصطفى محمود: لم يكن ملحدا.. وكان "مهموما" بأوضاع الناس
أمل ابنة الراحل الدكتور مصطفى محمود
أكدت أمل، ابنة الراحل الدكتور مصطفى محمود، أن «والدها كانت له فلسفة خاصة تبتعد عن الاهتمام بالمظاهر الزائفة»، مشددة على أنه لم يكن «ملحداً»، موضحة أنه كان يرغب فى الحصول على تفسير علمى لكل شىء.
خلاصة "رحلة الشك" أنه آمن بـ"روحانيات الإنسان" ووجود أشياء خارج تفسيرات العلم
وأوضحت «أمل»، فى حوار لـ«الوطن»، أنه رفض تولى وزارة العدل فى السبعينات، لتأثره بتوابع الانفصال عن والدتها.. وإلى نص الحوار:
أمل مصطفى محمود: أنشأ المسجد والجمعية وخصص معاشات المحتاجين بسبب "رؤيا"
من أين جاءت فكرة بناء المسجد؟ ولماذا فكر فى إنشاء الجمعية فى البداية؟
- فى أواخر الستينات، انتشرت أفكار تدّعى أن العلم ضد الدين، وبدأت تنطلق دعاوى تبعد عنه، وبدأت عند والدى مرحلة التدين وكتابة «رحلتى من الشك إلى اليقين»، ومن وقتها بدأ فى التفكير فى موضوع العلم والإيمان، وشعر أن من واجبه توصيل فكرة أن الدين ليس ضد العلم، كما كان يسعى على جانب آخر إلى تقريب الناس من العلم والدين معاً، وأن أحدهما لا يعيق الآخر، خاصة أنه كان يقدم الناحية العلمية بشكل مبسط، وحين بدأت شهرته، وجمع مبلغاً مالياً معقولاً، فكرت وقتها والدتى أن نشترى قطعة أرض، لإنشاء عمارة نسكن فيها، ويتم تخصيص شقق منها للولد والبنت فى المستقبل، وأسرهما فيما بعد، بينما كان والدى يفكر فى شراء يخت للتجول حول العالم، وفى هذا الوقت رأى رؤيا تفسيرها أنه سيقوم بعمل نوع من الخير، ومن هذه اللحظة قرر أن يكون كل ما يملك لصالح مشروع خيرى، وهو كان لديه استعداد لخدمة الناس منذ الفترة التى عمل فيها طبيباً، ومع بداية المرحلة الإيمانية فى هذا التوقيت كان يود أن تكون له بصمة، فجاءت فكرة المسجد ومجموعة عيادات أساسية بأسعار مخفضة، وكان مهموماً بتحسين وضع الإنسان، من خلال تخصيص معاشات للمحتاجين، وكان ملحقاً بالجمعية متحف للأحياء المائية، وكذلك مجموعة للفلك، وشاشة عرض سينما.
لماذا كان يقيم فى «شقة متواضعة»؟
- هو رفض فكرة والدتى، وقال لها «انت فاكرانى إقطاعى؟ الأولاد كل واحد يكبر ويشتغل ويستقل بحياته»، كما أنه بعد نشاط عمل الجمعية كان الأمر يتطلب منه توقيع أوراق ومتابعة، على مدار 24 ساعة يومياً، فقرر الانتقال إلى هذه «الشقة» ليسهل وجوده فى الجمعية، واستمر فى تزويدها بالمال اللازم إلى فترة قريبة، وأذكر أنه حدث عجز فى المبالغ المخصصة للمعاشات، فسحب كل رصيده بالبنك، وكان حوالى 100 ألف جنيه، وقرر وضعه فى الجمعية ليحل الأزمة، وهو كان يحب المشاركة فى العمل الخيرى، وأذكر وقتها أنه أصر على دفع ثمن هذه «الشقة»، أما الأثاث المتواضع فهو كان يرى أن الدنيا رحلة صغيرة لا تتطلب تكديس المتع والإثقال على النفس ما فوق الضرورى، لذلك لم يكن يحب المناسبات الباذخة.
وكيف كان يرى نفسه إذاً؟
- هو يقول عن نفسه إنه «ضفيرة» من عدة مكونات مختلفة، فهو منذ صغره يحب الأدب، والموسيقى، والعلم جداً فكان عنده معمل صغير وهو فى مرحلة الإعدادى والثانوى يحضر فيه عطوراً ومبيدات حشرية، ومركبات بسيطة، كما كان يحب الإنشاد الدينى، فارتبط بالصوفية وبالاتجاه الروحانى، وقال إنه لم يكن يعرف ماذا يريد أن يكون عندما يكبر لكنه دخل الطب من باب الرغبة فى دراسة الإنسان بشكل علمى.
وماذا عن مرحلة الإلحاد؟
- والدى لم يكن ملحداً، بل هى مرحلة الشك ورفض جميع المسلّمات وإثارة الأسئلة وتفجر الفلسفة داخله، والبحث عن الحقيقة، حيث بدأ يبحث فى جميع الأديان الوضعية والسماوية، والفلسفات، وهذه المرحلة بدأت معه خلال دراسة الطب، واستمرت إلى أوائل الستينات، فهو كان يرغب فى الحصول على تفسير علمى لكل شىء، لكن توصل إلى أن هناك أشياء خارج حدود التفسيرات العلمية، وبدأ يقتنع أن هناك جانباً روحانياً فى الإنسان لا يمكن إخضاعه للتجارب والأبحاث العلمية.
حدثينا عن طقوس الكتابة والقراءة؟
- كتب 80 كتاباً تقريباً، غير آلاف الكتب التى قرأها، ولم يكن طوال عمره عنده مكتب، وإنما كان يكتب وهو فى «السرير»، فكان ينام نصف نومة رافعاً ظهره قليلاً، ويسند الورق على لوحة أردواز مشبوكاً بمشبك كبير، ويستند اللوح على «رجله»، وكان حوله غابة من الأوراق والمراجع، فكان «سريره هو مكتبه»، وكانت بدايته فى النشر مبكرة فى مرحلة العمل فى الطب، ومنها «رائحة الدم» و«عنبر 7»، وكانت مجموعة مقالات فجمعها فى كتاب، ثم فى مرحلة الستينات كان مسئولاً عن باب اسمه «اعترفوا لى» فى مجلة «صباح الخير»، ونجح هذا الباب بشكل كبير، ثم كتب «55 مشكلة حب»، «اعترافات عشاق»، وتعرف على والدتى فى هذه الفترة، فهى كانت إحدى القارئات التى أرسلت له مشكلتها، حيث كانت أسرتها تريد تزويجها لرجل لا تحبه، ثم التقى بها، وأحبها وتزوجها، رغم أن بينهما 24 سنة.
ما التكريمات التى كان يعتز بها؟
- هو فى العموم لم يكن يهتم بهذه التكريمات على كثرتها، ولم يكن حتى يعلقها على الجدران، ولم يفكر بالتالى فيما فاته منها.
لماذا لم يوافق على تولى وزارة العدل؟
- كان وقتها متأثراً بتوابع الانفصال عن والدتى، وقال للرئيس السادات أنا لم أستطع إدارة أسرة صغيرة فكيف أتولى وزارة كاملة، كما أنه فى الأصل كان يحب أن يكون حراً.
هل هناك رابط بين جملة «السادات» «العلم والإيمان» وبين اسم البرنامج؟
- لا أعرف العلاقة الحقيقة بين هذا وذاك، لكن أعرف أن هذا الاسم جرَّ عليه مشكلات بعد رحيل «السادات»، حيث حسبه نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك على النظام السابق وقتها، وتم التعامل معه باعتباره فلول «السادات» صاحب المقولة، وأن اسم البرنامج هو شعار لمرحلة انتهت، وتوقف نهائياً عن تسجيل حلقات جديدة فى أواخر الثمانينات.
لماذا كان ينتقد النظام الناصرى؟
- هو كان يقيّم التجربة من منطق عام وليس شخصياً، كان يقول وجهة نظره، ولا يشترط أن يكون تعرض لموقف شخصى أو لا، لكنه تعرض بالفعل للتوقف عن الكتابة بسبب كتابته مقالاً فى «روزاليوسف»، ينتقد فيلماً يحتوى على محاكمات لـ«هتلر»، والمقال كان يتحدث عن الفيلم وعن عصر «هتلر»، أيامها محمد حسنين هيكل قال إنه إسقاط على «عبدالناصر»، فتم إيقافه، وكانت مرحلة صعبة لأنه كان متزوجاً، ولديه أطفال، لكن زملاءه، ومنهم الشاعر كامل الشناوى، وأحمد بهاء الدين، ولويس جريس، وإحسان عبدالقدوس، وقفوا إلى جواره وبذلوا مساعى كبيرة حتى أعادوه إلى الكتابة، أما انتقاده للحقبة الناصرية فيرجع إلى أنه عاصر فترة ما قبل الثورة فكان يرى أن خصوبة الأرض الزراعية تأثرت بحجز الطمى بعد بناء السد العالى، والذى أثر على طعم الخضار والفاكهة، كما كان يرى أن مستوى التعليم تراجع، كما أحس بالفارق على مستوى الحريات، بعد إلغاء الأحزاب، خاصة أنه كان يعشق الحرية.
أوصانا بعدم تضخيم المشكلات وألا نحمّل أنفسنا فوق طاقتها ونتعامل مع الحياة بتفاؤل
هل أوصاكم بشىء معين قبيل رحيله؟
- هو كان متعباً فى هذه الفترة، لكنه كان دائماً ينصحنا ألا نضخم المشاكل، وألا نحمّل أنفسنا فوق طاقتها، وأن نتعامل مع الحياة بشكل من التفاؤل.
ورثنا عنه بعض الكتب وتيلسكوباً حديثاً ومكتبة.. ولم يترك لنا ما يوازى ثمن "شقة"
وماذا ترك لكما بعد رحيله؟
- شقيقى «أدهم» محتفظ ببعض كتب والدى وتيلسكوب حديث، كما توجد مكتبة فى الجمعية تضم كافة المراجع والكتب فى مختلف المجالات، وأبرزها الكتب العلمية، والدينية، أما الماديات فما تركه لنا معاً لا يوازى ثمن شقة.
هل تسمحين بجزء من الخيال عند تقديم عمل فنى عنه؟
- نعم أوافق على الخيال، لكن لا أوافق على الإساءة، وقد سمعت عن كتاب عنه من أحد المؤلفين، يقول فى أحد فصوله إن مصطفى محمود كان مخموراً، مع أن هذا المؤلف لم يقابله ولا مرة، وكتب مضمون المذكرات مما كتبه أبى عن نفسه، وكتب هو ذلك مع أن والدى «عمره ما شرب خمور».
وماذا عن النشر بعد وفاته؟
- فى البداية كان أبى ينشر من خلال «دار المعارف»، لكنها حين ماطلت فى دفع المستحقات تم فسخ العقد معها، وتوجه لـ«أخبار اليوم»، التى كانت ملتزمة فى البداية بدفع المستحقات المالية إلا أنها توقفت عن السداد، ووصل النزاع إلى ساحات المحاكم، وبلغت المتأخرات ما يزيد على مليون جنيه مستحقات مالية لنا، وفى 2014 سحبنا العقد واتفقنا مع دار «نهضة مصر».