قاهرات "المرض الخبيث": "كلما عاد إلينا انتصرنا عليه.. ولن نستسلم"
سرطان الثدي
ليال مريرة مرت عليهن لا صوت يعلو فيها على صوت الألم الذى داهم أجسادهن بعدما استوطن المرض الخبيث فى أثدائهن، دعين الله كثيراً أن يرحمهن منه ويتخلصن من آلامه، ليعاودن ممارسة حياتهن من جديد، يمتلكن قوة وعزيمة جبارة مكنتهن فى النهاية من الانتصار على السرطان وتعافين منه، لكنهن يخشين مواجهته من جديد بعد تجربة قاسية عرضتهن لخطر الموت، داومن على المتابعة الدورية لتحصين أنفسهن من شبح عودة المرض اللعين، لأنه لا أمان ولا عهد له، لأنه قد يعاود الظهور من جديد بكل تفاصيله المزعجة ويسكن مكاناً آخر وتبدأ رحلة الألم من جديد، هذه تفاصيل رحلة مختلطة المشاعر تعيشها حاملات المرض ويحاربن من أجل البقاء وتكرار لحظة الانتظار.
"شيماء": قاومته 3 مرات
انتهت شيماء زكى من آخر جلسات العلاج الإشعاعى التى تتلقاها منذ إصابتها بورم خبيث فى الثدى، وعادت لمنزلها وكأنها ولدت من جديد، استأنفت نشاطها ولا شىء يشغلها سوى رعاية أبنائها والعودة لتدبير أمور منزلها الذى اشتاقت إليه كثيراً.
حياة جديدة بدأتها السيدة الثلاثينية بعدما استأصلت الثدى الأيسر واطمأنت على الكبد أنه سليم، بعد حالة شك انتابت الأطباء بأن البؤر الخبيثة اتخذته مسكناً جديداً لها، فرحة، «شيماء» بالشفاء لم تدم طويلاً، بعد أن داهمتها آلام بسيطة فى ثديها الأيمن حاولت فى البداية تجاهلها لكنها تزايدت شيئاً فشيئاً، وباتت الأعراض تذكرها بالكابوس السابق، لأن الكتلة التى كانت تتحسسها فى ثديها الأيسر بدأت تظهر فى الأيمن، وأجرت فحوصات وأشعات لم تثبت وجود ورم خبيث، وكان القرار الحاسم سحب عينة، لكنها كانت صدمة لأنها أثبتت عودة المرض اللعين مرة أخرى إلى الثدى الأيمن.
السيدة الثلاثينية مرت فى تجربتها المؤلمة بشعور مختلط من الخوف على فقدان حياتها وترك أطفالها، والقوة فى قدرتها على هزيمة المرض من جديد، بدأت «شيماء» فى تلقى جلسات العلاج الكيماوى وتساقط شعرها من جديد، ثم العلاج الهرمونى، وفى الوقت ذاته جاء قرار الأطباء بضرورة إزالة المبيضين، خوفاً من انتقال الورم الخبيث إليهما، والقرار كان سهلاً على السيدة الثلاثينية، لأنها أم لولد وفتاة والرغبة فى الإنجاب لم تعد هدفاً لها.
انتصرت «شيماء» للمرة الثانية على المرض الخبيث بفضل دعم محبيها والوقوف إلى جوارها، فزادت قوتها فى مواجهة المرض، وانتظمت فى المتابعة الدورية، لكن بقعاً تحمل اللون البنى بدأت فى الظهور مكان جراحة الثدى الأيمن لم تعرها السيدة الثلاثينية أى اهتمام فى البداية، بعد أن انتصرت على الورم الخبيث مرتين، ولم يخطر ببالها أنه سيعاود الظهور بوجهه القبيح للمرة الثالثة، لكن هذا الأمر أكدته الأشعة التى أجرتها وأثبتت أن الورم الخبيث عاد ليسكن جسدها من جديد، وعن هذه الفاجعة قالت: «هحاربه للمرة التالتة ومبقتش خايفة منه.. اتأقلمت عليه».
أمل تلا، سيدة ثلاثينية، قاومت المرض الخبيث عندما سكن ثديها الأيسر عام 2015، أفقدها مظاهر أنوثتها، بعدما استأصلت ثديها، وتساقط شعرها وجعلها تشعر بأنها ليست الأنثى الجميلة كما كانت، لكن القوة التى اكتسبتها أعطتها المزيد من الثقة وتحدت المرض اللعين.
"أمل": "من الثدى للكبد.. بحارب بكل قوة"
عاودت «أمل» ممارسة حياتها من جديد بعدما شفيت من المرض، والتحقت بوظيفة جديدة وتعرفت على أصدقاء جدد وتفاخرت بأنها من محاربات السرطان، وقالت: «كنت عاوزة أكون مستقلة.. وأثبت وجودى وقدرتى».
مر عامان على حياة «أمل» الجديدة التى هيأتها لنفسها، ومحت خلالهما التجربة المؤلمة بكل تفاصيلها، وفى الموعد المحدد للمتابعة الدورية أجرت الأشعة التى أظهرت وجود كتل فى الكبد، لتتفاجأ بأن المرض الخبيث عاد واتخذ الكبد مسكناً جديداً، لذا كانت الصدمة قوية ولم تصدقها، وتابعت: «كنت تايهة.. هرجع تانى للكيماوى.. ومش عارفة إذا كان عندى القدرة على المواجهة من جديد».
المقاومة من جديد كانت القرار النهائى الذى اتخذته «أمل»، فبعد أن هزمت السرطان من قبل، باتت لا تقبل الهزيمة منه الآن، وبدأت خطوات العلاج من أجل أسرتها والوقوف على قدميها من جديد، وكانت تهتم بمراعاة بناتها والاهتمام بدروسهن، وعن هذه الفترة قالت: «الحياة كانت ماشية».
انتهت «أمل» من العلاج الكيماوى وما زالت فى مرحلة العلاج الهرمونى، وأضافت: «كل الناس شايفة إن السرطان يعنى الموت.. لكن قاومته بكل ما أوتيت من قوة.. ولسه فى مرحلة العلاج».
وسط مشاعر متداخلة من الفرح والتوتر كانت سامية عمرى، تنتظر آخر جلسات العلاج الهرمونى بعد عامين من العلاج، لأنها كانت تذهب إلى طبيبة النساء والتوليد لإجراء عملية حقن مجهرى من أجل إنجاب طفل أنابيب، لأنها كانت متزوجة منذ عهد قريب ولم يمهلها المرض الخبيث حتى تنجب وأسرع فى مداهمتها عقب أشهر من الزواج.
إصابة «سامية» بالورم الخبيث كانت أمراً مستبعداً من حياتها، فعمرها لم يتجاوز الثلاثين، لكن شاءت الأقدار أن تكون من محاربات المرض اللعين، وعن هذه المحنة قالت: «ربنا لما بيبتلى الإنسان بيديله القوة على التحمل والصبر».
مرت «سامية» بالتجربة بكل آلامها وبدأت تستعيد حياتها من جديد، خاصة بعدما نما شعرها مرة أخرى ليعطيها علامة على الحياة الجديدة التى كانت فى انتظارها، وتابعت: «لما شعرى بدأ يرجع.. كنت حاسة إنها علامة على الحياة الجديدة»، وعندما استعدت لإجراء عملية الحقن المجهرى، تفاجأت بطلب الطبيب إجراء أشعة بعدما اكتشف وجود تكتل بالقرب من القفص الصدرى، وبنبرة حزن قالت: «اكتشفت إن المرض رجعلى تانى».
كابوس مزعج عاشته «سامية» من جديد، وجدت بجوارها الزوج الداعم لها فى أوقات حزنها: «جوزى لا يعوض.. هو الشخص اللى كان بيخلينى متمسكة بالحياة»، وبفضل الحالة المعنوية المرتفعة التى اكتسبتها «سامية» من دعم زوجها تمكنت من هزيمة المرض الخبيث مرة ثانية: «الورم اختفى نهائياً.. وحالياً فى مرحلة المتابعة».
"السرجانى": لا يمكن التنبؤ بعودته والمتابعة خير وقاية من تكرار الإصابة
من جهتها، تؤكد علياء السرجانى، الطبيبة بمركز الأورام جامعة المنصورة، أن عودة سرطان الثدى مرة أخرى بعد الشفاء منه من الأمور المحتملة، موضحة أنه من الممكن أن يكون فى المكان ذاته، أو ينتقل الورم الخبيث فى مكان آخر، مثل العظام أو الرئة أو الكبد، وتقول إن عودة الورم الخبيث مرتبطة بعوامل الخطر التى أدت إلى وجوده من البداية، فإذا لم تتجنب المتعافيات هذه العوامل، ومنها تناول حبوب منع الحمل أو الأدوية الهرمونية، فمن الممكن أن يعود المرض مرة ثانية، كما أن التاريخ العائلى يلعب دوراً فى عودة المرض.
وتضيف «السرجانى» أنه لا أحد يمتلك المقدرة على التنبؤ بعودة المرض مرة أخرى، لأنه يمكن رجوعه بدرجة بسيطة ويمكن تحجيمه من خلال العلاج الإشعاعى أو العودة بطريقة أخطر من حيث الانتشار فى أماكن مختلفة من الجسد، مؤكدة أن المتابعة الدورية المنتظمة من الأمور الهامة التى تحافظ على سلامة المتعافيات من عدم عودة المرض من جديد، حيث تعتمد على الفحص إكلينيكياً، وإجراء الأشعة إذا تطلب الأمر ذلك، كما أن إجراء أشعة الماموجرام أمر ضرورى يجب أن يتم كل عام.