"الواردات" تعوق التنمية.. والصناعة الوطنية في خط الدفاع الأول
الحديد
تطبّق الحكومة المصرية خلال الفترة الحالية خطة تنمية شاملة فى مختلف القطاعات، تستهدف استغلال مكاسب الإصلاح الاقتصادى الذى طبّقته الدولة وفق برنامج وطنى متكامل، بالتنسيق مع مؤسسات دولية، ونتج عنه ارتفاع معدل النمو الاقتصادى فى مصر إلى 5.6% خلال العام المالى الماضى، مع توقعات بوصول هذا المعدل إلى 6% فى 2020/ 2021 لتصبح مصر من أسرع الاقتصاديات نمواً فى منطقة الشرق الأوسط ككل.
وترتكز خطة التنمية فى مصر على عدد من المحاور الرئيسية، فى مقدمتها تعميق التصنيع المحلى، وتطبيق استراتيجية للإحلال محل الواردات، بالإضافة إلى فتح أسواق تصديرية، وتعزيز تنافسية المنتج المصرى فى السوق العالمية.
سياسات ترشيد الواردات خفّضت من قيمتها 1% فقط خلال أول 8 أشهر من 2019
وبدأت الحكومة فى اتخاذ خطوات فعلية نحو تنفيذ هذه المحاور، من ضمنها تشجيع الصادرات، وتحسين كفاءة برنامج رد الأعباء التصديرية، وزيادة مخصصاته المالية، حيث أعلن مجلس إدارة صندوق تنمية الصادرات إقرار البرنامج الجديد لرد أعباء الصادرات للعام المالى 2019/ 2020 بموازنة تبلغ 6 مليارات جنيه تشمل تخصيص 2.4 مليار جنيه كمساندة نقدية، أى بنسبة 40% من إجمالى الموازنة و1.8 مليار جنيه تخصم من التزامات الشركات المصدّرة لدى وزارة المالية، وهو ما يمثل نحو 30% و1.8 مليار جنيه لدعم البنية التحتية للتصدير، أى بنسبة 30%.
كما ظهر ذلك أيضاً فى اتباع الدولة لسياسات تجارية حمائية تستهدف حماية الصناعة الوطنية من مخاطر المنافسة غير العادلة مع واردات الدول الأخرى.
وظهر ذلك بوضوح فى قرار وزير التجارة والصناعة عمرو نصار، الذى صدر فى 11 أكتوبر الحالى والمتعلق بفرض رسوم وقائية نهائية متدرّجة على واردات بعض منتجات الحديد والصلب لمدة 3 سنوات، بنسبة 25% على حديد التسليح و16% على البليت (خام الحديد)، مع تنفيذ القرار، اعتباراً من السبت 12 أكتوبر.
وقالت الوزارة، فى بيان، إن القرار «جاء نتيجة لتأكد سلطة التحقيق من وجود زيادة كبيرة فى الواردات ألحقت ضرراً جسيماً بالصناعة المحلية».
وأوضح البيان أن فترة السنوات الثلاث تشمل فترة التدابير الوقائية المؤقتة التى تم فرضها خلال شهر أبريل من العام الحالى، مما يعنى أن القرار سينتهى العمل به فى أبريل 2022.
خبراء يطالبون بالمزيد من الإجراءات الوقائية لحماية القطاعات الصناعية المختلفة
ويرى الخبراء والمحللون أن هذا القرار بمثابة بارقة أمل أمام الصناعة الوطنية، باعتبار أن له أكثر من مدلول، الأول؛ تنبّه الحكومة المصرية لمخاطر المنافسة غير العادلة للصناعة المصرية من قبل الواردات، والثانى؛ تماشى السياسات التجارية المطبّقة فى مصر مع السياسات التجارية الدولية الحالية، والتى تستهدف بشكل كبير تعزيز تنافسية المنتجات الوطنية فى الدول المختلفة، وتقييد الاستيراد ووضعه فى أضيق الحدود الممكنة، وفى البنود السلعية التى يحتاج إليها الاقتصاد بالفعل، ولا يوجد لها بديل محلى، أو يمكن إنتاجه محلياً.
تراجع سعر البليت عالمياً 35% رغم ارتفاع خاماته 33% يثبت أن الدول النامية تواجه حرباً شرسة لكسر صناعتها المحلية وربطها بالاستيراد.. ومصر تفطن لهذه الحروب وتنتصر للمنتج الوطنى
وسجّلت واردات مصر من العالم الخارجى نحو 40 ملياراً و551 مليون دولار فى أول 8 أشهر من العام الحالى مقابل 40 ملياراً و178 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضى، بنسبة تراجع بلغت 1%، وهى نسبة تراجع محدودة للغاية، مقارنة بتراجع واردات الدول الأخرى، فى ظل انتشار السياسات الحمائية حول العالم.
رفع معدلات النمو الاقتصادى فى مصر إلى 6% مرهون بتطبيق استراتيجية "تعميق التصنيع المحلى" وتخفيض نسب المكون الأجنبى فى المنتجات المختلفة
كما حققت الصادرات المصرية غير البترولية، زيادة خلال الـ8 أشهر الأولى من العام الحالى، بنسبة 3%، وسجّلت 17.65 مليار دولار، مقابل 16.61 مليار دولار خلال الفترة نفسها العام الماضى، بما يؤكد أن الصادرات المصرية بحاجة إلى دفعة كبيرة خلال الفترة المقبلة لإعطاء دفعة للصناعة الوطنية والخروج بها من السوق المحلية الضيقة إلى السوق العالمية الواسعة.
صادرات الدول الصناعية تبحث عن "أسواق بلا قيود" فى ظل السياسات الحمائية التى طبّقتها الولايات المتحدة وأغلب الدول الكبرى
وطالب بعض الخبراء بضرورة تعميم السياسات الحمائية على الكثير من القطاعات الإنتاجية الأخرى فى مصر من خلال دراسة شاملة للسوق الصناعية المصرية، وقطاعاتها الفرعية المختلفة، وتحليل شكل المنافسة بين الصناعة المحلية والمنتجات المستوردة فى كل قطاع على حدة، ومن ثم اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الصناعة الوطنية فى حالة اكتشاف أى أضرار فعلية تتحقق على أرض الواقع، نتيجة كثافة الاستيراد، أو المنافسة غير العادلة مع منتجى الدول الأخرى.
وحدد الخبراء 3 أدوات يمكن للدولة استخدامها فى حالة اكتشاف أى ضرر على الصناعة الوطنية، نتيجة عمليات الاستيراد الكثيفة، وهذه الأدوات لا تتنافى مع قواعد منظمة التجارة العالمية التى تتمتع مصر بعضويتها.
الأداتان الأولى والثانية تتعلقان بالضرر المقصود، أو ما تُطلق عليه الممارسات التجارية غير المشروعة، وهما الإغراق والدعم، ففى الحالة الأولى الدولة يمكنها فرض رسوم مكافحة الإغراق، وفى الحالة الثانية الدولة يمكنها فرض رسوم تعويضية لمكافحة الدعم الذى تحصل عليه الواردات من الدول القادمة منها.
وفى هاتين الحالتين يتم توجيه الرسوم لمكافحة سلع معينة قادمة من دول معينة، ولا يجوز تعميمها إلا بدراسة كل سلعة على حدة.
أما الحالة الثالثة، فتتعلق بالضرر غير المقصود، الناجم عن زيادة غير طبيعية فى حجم الواردات، الأمر الذى تسبّب فى ضرر للسوق وللصناعة، وفى هذه الحالة يتم فرض رسوم وقائية على سلعة معينة أو مجموعة من السلع المستوردة من مختلف الدول، وتلك هى الأداة التى لجأت إليها الحكومة المصرية فى حالة صناعة الصلب الوطنية، ومحاولة حمايتها من الزيادات الكثيفة فى الاستيراد بداخل هذا القطاع.
وتشير الإحصائيات الدولية إلى أن هناك 58 دولة حول العالم تستخدم هذه الأدوات كمعالجات تجارية فى تعاملها مع العالم الخارجى، ومن بين هذه الدول جميع الدول المتقدّمة، والصاعدة، ومصر أيضاً التى سبق أن استخدمت تلك الأدوات.
وفى ما يتعلق بفرض الرسوم الوقائية على واردات البليت والحديد، تأخرت السلطات المصرية بعض الشىء فى اتخاذ هذا القرار، خاصة مع توجّه العالم منذ مطلع 2018، لاتباع سياسات حمائية لأسواقها، فى ما يتعلق بواردات الحديد والبليت.
وبدأت هذه السياسات بفرض الرئيس الأمريكى دونالد ترامب رسوماً وقائية فى 8 مارس 2018 من خلال زيادة الرسوم الجمركية المفروضة على منتجات الصلب بواقع 25%، مع رفع نسبة الزيادة إلى 50% للمنتجات الواردة من السوق التركية، مع وضع استثناءات فى تطبيق هذا القرار لبعض الدول.
وتبع القرار الأمريكى قرار آخر، ولكن من الاتحاد الأوروبى فى مطلع فبراير 2019 بفرض تدابیر وقائیة فى شكل حصص -تعریفة جمركیة- مع رسوم حمایة بنسبة 25٪ على منتجات الصلب، مع وضع بعض الإعفاءات فى ما يتعلق بالدول والمنتج.
وعقب ذلك قرار كندا باتخاذ تدابير وقائية عبارة عن حصص ورسوم حماية من 20 إلى 25% على واردات الصلب، ثم جاء قرار تركيا فى 5 مايو 2019 بفرض تدابير وقائية تمثّلت فى حصص، ورسوم حماية بواقع 25% على 5 منتجات للصلب، وبرّرت هذا القرار بالضرر الجسيم، وما اتّخذته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى لخدمة مصالحهما فى هذا القطاع.
وتزامن مع ذلك قرار الاتحاد الاقتصادى للمنطقة الأوروبية الآسيوية، الذى يضم 4 دول، بينها روسيا وكازاخستان.
وامتدت سلسلة القرارات لتشمل المغرب، التى قامت بفرض رسوم وقائية بـ25% على وارداتها من هذه السلع خلال الأيام الماضية، وتبعها قرار مصر بفرض رسوم وقائية بنسبة 16% على البليت، و25% على حديد التسليح.
كما أن هناك دولاً عديدة تفرض رسوماً جمركية ثابتة -بخلاف ما يُفرض من رسوم إغراق ورسوم وقائية- على واردات البليت، منها تركيا بنسبة 13.9% -وهى ضمن أكبر عشر دول منتجة للصلب فى العالم، وإحدى الدول الكبرى المصدرة إلى مصر- والجزائر بنسبة 11.1%، وباكستان بنسبة 11%، وتونس بنسبة 20%، والهند بنسبة 15%، وجنوب أفريقيا بنسبة 10% وغيرها، وذلك بمتوسط يبلغ 20.83%.
الأمر الذى يعنى أن مصر ليست وحدها بين الدول التى تتوجّه لحماية صناعتها الوطنية فى قطاع الحديد، من الأضرار التى تتسبّب فيها الواردات المنافسة، بل تشير هذه السلسلة من القرارات إلى أن السلطات المصرية كانت من أقل الدول تقديراً للرسوم الواجب فرضها، على واردات البليت، مقارنة بالدول الأخرى.
فهل ستحمى الرسوم الوقائية الصناعة المحلية من واردات البليت؟
أدى انتشار الإجراءات الحمائية حول العالم إلى وجود فائض إنتاج عالمى يُقدّر بنحو ١٥٠ مليون طن، أى ثلث حجم التجارة العالمية فى منتجات الصلب، منها أكثر من ٩٠ مليون طن تبحث الآن عن أسواق بديلة للنفاذ إليها.
ودفع وجود فوائض من إنتاج الصلب نشأت فى أعقاب قرارات الحماية فى الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبى، وتركيا، وكندا، الدول المنتجة للصلب إلى تغيير مجرى التجارة للبحث عن أسواق بديلة لتفريغها.
ولجأت الدول فى سبيل تصريف فوائض إنتاجها من الصلب إلى مسارين: الأول؛ تغيير وجهة صادراتها من الصلب إلى اقتصادات الدول التى لا تتمتع بالحماية الجمركية، مثل السوق المصرية.
المسار الثانى؛ التحول من تصدير المنتج النهائى (حديد التسليح) إلى تصدير منتج شبه نهائى (البليت)، تحايلاً على قرارات رسوم الإغراق المفروضة على واردات حديد التسليح، كما حدث فى الحالة المصرية.
وهنا يكمن التساؤل الرئيسى فى: «هل الرسوم المفروضة بـ16% على واردات البليت قادرة على حماية السوق المحلية من استقبال الفوائض الغزيرة للدول المنتجة، بما سيسهم فى إلحاق الضرر بالصناعة الوطنية، ويدفع لاستنزاف العملة الأجنبية؟».
للإجابة عن هذا التساؤل، يمكن استعراض بعض الأرقام التى تشير إلى الانخفاض فى أسعار البليت الوارد إلى مصر فى الوقت الذى ترتفع فيه أسعار مدخلات إنتاج هذا البليت عالمياً، حيث ارتفعت أسعار خام الحديد المدخل الرئيسى فى صناعة البليت بنحو 33% منذ شهر مارس 2018 وحتى 8 أكتوبر 2019 (من 70 دولاراً إلى 93 دولاراً)، فى حين تراجعت أسعار البليت بنحو 35% منذ شهر مارس 2018 وحتى 8 أكتوبر 2019.
وهذا التغير فى الأرقام يفسر حالتين: الأولى؛ أن منتجى ومصدرى البليت يحققون هوامش أرباح هائلة تمكنهم من تخفيض السعر بشكل كبير جداً حتى مع زيادة التكلفة، دون تحقيق خسائر.
والثانية؛ أن منتجى ومصدرى البليت لديهم فوائض ضخمة جداً يرغبون فى تصريفها، فى ظل أى مستويات سعرية، تجنّباً لتضخم المخزون وتوقف مصانعهم.
وفى الحالتين سيبحث منتجو ومصدرو البليت عن أقل الأسواق تكلفة بالنسبة لهم، لضخ منتجاتهم إليها، وهنا تتم المقارنة على أساس (سعر التصدير من المصنع + تكلفة التصدير، وتشمل تكلفة النقل والرسوم الجمركية والرسوم الوقائية، وأى تكاليف أخرى).
وهنا ستقتصر المقارنة على تكلفة التصدير، باعتبار أن سعر التصدير يحدّده المصدر، وفقاً لظروف السوق التى يصدر إليها، وفى حالة النظر إلى تكلفة التصدير ستجد أن مصر ستصبح ملاذاً آمناً وسوقاً واعدة لواردات البليت، وذلك لأكثر من عامل، الأول؛ اقترابها من أسواق تصدير البليت الرئيسية فى أوروبا، وبالتالى انخفاض نسبى كبير فى تكلفة النقل.
والثانى؛ أن الرسوم الوقائية المفروضة فى مصر على واردات البليت (16%) أقل من نظيرتها المفروضة فى الأسواق الأخرى.
والثالث أن مصر لديها رسوم جمركية صفرية على واردات البليت، مقارنة بالدول الأخرى.
وهنا فإن السيناريو المتوقع هو استمرار واردات البليت القادمة للسوق المصرية، بل وإمكانية زيادتها رغم فرض الرسوم الوقائية الأخيرة، بموجب قرار وزير التجارة.
وبالتالى فإن سعى الدولة لتخفيض معدلات استيراد البليت وحماية الصناعة الوطنية لا بد أن يرتبط بإعادة النظر فى الرسوم الوقائية المفروضة، وزيادتها إلى مستوى يضع تكلفة تصدير البليت لمصر عند المستوى نفسه الموجود فى الدول الأخرى، التى يمكن أن تكون سوقاً لتصريف البليت عالمياً، وقد يحتاج هذا الأمر إلى رفع الرسوم الوقائية المفروضة إلى حدود 25% كما هو الحال فى الكثير من الدول.
بالتطبيق على صناعة الصلب.. ماذا لو لم تحمِ الدولة صناعتها الوطنية؟
1) خسارة مركز مصر المتقدم فى صناعة الحديد عالمياً
صنفت منظمة الصلب العالمية مصر فى المرتبة الـ21 عالمياً فى قوائم أكبر البلدان المنتجة للصلب الخام، متفوقة بذلك على عدد من الدول الصناعية المتقدمة مثل إنجلترا، والسويد، وهولندا وغيرها.
كما احتلت مصر المرتبة الأولى فى الدول العربية، متقدّمة فى ذلك على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والجزائر. وارتفع إنتاج مصر من الصلب من 6.9 مليون طن فى عام 2017 إلى 7.8 مليون طن فى عام 2018. ورغم ذلك تسجل الطاقات الإنتاجية القصوى لمصانع الصلب فى مصر، نحو 13 مليون طن، وبالتالى فإن الشركات حالياً تعمل بنحو 60% من طاقتها القصوى، الأمر الذى يشير إلى امتلاك إمكانيات هائلة لزيادة صادرات مصر من الصلب، واتباع استراتيجية شاملة للإحلال محل الواردات فى هذا القطاع. وفى حالة نمو واردات البليت إلى مصر خلال الفترة المقبلة، سيؤثر ذلك بشكل كبير على إنتاج الشركات المتكاملة، فى حين سينهار مركز مصر فى صناعة الصلب عالمياً، وذلك على اعتبار أن إنتاج شركات الدرفلة من الصلب لا يدخل ضمن الإنتاج المصرى، ولكن يدخل ضمن إنتاج الدول المصدّرة للبليت الذى يتم صناعة هذا الصلب منه.
2) إعاقة استراتيجية تعميق الصناعة الوطنية
يعتبر البليت المكون الرئيسى فى صناعة الصلب، ويمثل 90% تقريباً من عملية التصنيع، وبالتالى فإن إنتاج البليت فى مصر، يشير إلى تحقيق أعلى قيمة مضافة ممكنة فى صناعة الحديد والصلب فى مصر، بما يتماشى مع توجّهات الدولة التى تستهدف زيادة التعميق الصناعى، وتخفيض نسب الاعتماد على مكونات التصنيع المستوردة من الخارج.
وبالتالى فى حالة زيادة واردات البليت للسوق المصرية سيدفع ذلك إلى انهيار القيمة المضافة المحقّقة فى صناعة الصلب، وزيادة المكون الأجنبى المستورد لنحو 90% من المنتج النهائى، وبالتالى مشاكل متعدّدة تتعلق بالناتج المحلى الإجمالى، الذى يتم احتسابه فى الأساس وفقاً للقيم المضافة، وليس قيمة السلع النهائية، التى يتم إنتاجها فى الاقتصاد، ومن ثم تراجع متوقع فى النمو الاقتصادى.
3) زيادة الاستيراد واستنزاف النقد الأجنبى
ستدفع زيادة الكميات المستوردة من البليت بشكل مباشر إلى زيادة فاتورة الواردات فى هذا القطاع إلى 3 مليارات دولار تقريباً، وسيؤثر هذا الحجم الهائل من الاستيراد فى أداء الميزان التجارى المصرى، وميزان مدفوعات الدولة.
كما سيؤثر بشكل كبير فى سوق النقد الأجنبى، نتيجة زيادة الطلب على الدولار، لتغطية الاستيراد الكثيف، مع ثبات أو زيادة طبيعية فى المعروض، وهو ما سيدفع إلى ارتفاع سعر الدولار، وبالتبعية ارتفاع معدلات التضخم.
4) صعوبات جديدة فى سوق العمل
حققت الدولة طفرة كبيرة فى معدلات التشغيل خلال الفترة الماضية، وتراجع معدل البطالة إلى نحو 7.5%، مع تولد الوظائف الجديدة والنشاط النسبى فى القطاع الصناعى.
وفى حالة زيادة الكميات المستوردة من البليت، واستمرار المنافسة غير العادلة، سيؤدى ذلك إلى توقف الشركات المتكاملة وشبه المتكاملة عن إنتاج البليت، وبالتالى تسريح نحو 80% من العمالة، وهو ما يعنى نسف مصادر الدخل الدائمة لنحو 21 ألف أسرة مصرية، وبالتالى مزيد من الضغوط فى سوق العمل، التى قد تدفع معدلات البطالة للارتفاع.
5) صعوبات جديدة على المستهلك
استمرار مصر فى الاستيراد المكثف للبليت، وإمكانية توقف الشركات المتكاملة وشبه المتكاملة عن إنتاجه، سيدفع الطلب العالمى على البليت للارتفاع بشكل كبير، وحتماً ستستغل هذه الزيادة الشركات المنتجة للبليت عالمياً فى تحريك الأسعار.
ووفقاً لمعدلات الإنتاج للصلب فى مصر حالياً ستستورد الدولة 650 ألف طن شهرياً، وسيرتفع حتماً السعر العالمى للبليت مع أول شحنات بـ١٠٠ دولار على الأقل؛ وهى الزيادة السعرية التى سيتحمل العبء الأكبر فيها حتماً المستهلك النهائى، وعندها سوف تصبح مصر أكبر مستورد للبليت فى العالم.
6) تراجع الصادرات المصرية
مع توقف إنتاج البليت محلياً، ستخسر مصر صادرات من الصلب بلغت 949 مليون دولار عام 2018، نظراً لتوقف صناعة الصلب المسطح، فى الوقت الذى لا تستطيع فيه مصر تصدير حديد التسليح المنتج من البليت المستورد، لعدم اكتسابه صفة المنشأ المصرى.
وستفقد مصر المزايا التى تحققها اتفاقيات التجارة الحرة، بل وإفراغ هذه الاتفاقيات من مضمونها وأهدافها، نتيجة عدم استيفاء المنتج المدرفل من بليت مستورد لاشتراطات نسبة المكون المحلى فى البلد المصدر (القيمة المحلية المضافة)، بالإضافة إلى عدم القدرة على إنتاج المواصفات العالمية المطلوبة، وهو ما يؤدى إلى خسارة أسواق تصديرية تحتاج إلى سنوات لاستعادة النفاذ إليها مرة أخرى.