قوات سوريا الديموقراطية تعلن تصديها للهجوم التركي
عناصر من قوات سوريا الديمقراطية
أعلنت قوات سوريا الديموقراطية، اليوم، تصديها للعدوان التركي ضد مناطق سيطرتها في شمال سوريا، غداة قصف عنيف استهدف مدنا وقرى حدودية، ما يثير الخشية من أزمة إنسانية جديدة، وبعد ساعات من قصف عنيف تخللته غارات محدودة، أعلنت أنقرة، أمس الأربعاء بدء هجومها البري في مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد، في عملية عسكرية جاءت بعد ما بدا أنه أشبه بضوء أخضر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي سحب جنودا أميركيين من نقاط حدودية.
وتلقى ترامب انتقادات واسعة اتهمته بالتخلّي عن المقاتلين الأكراد الذين شكّلوا شريكا رئيسياً لبلاده في دحر تنظيم "داعش" الإرهابي، وفقدوا خلال السنوات الماضية 11 ألف مقاتل في المعارك ضد الإرهابيين.
وأثار الهجوم التركي غضبا دوليا واسعا، وبدعوة من دول أوروبية معارضة للهجوم التركي، يعقد مجلس الأمن الدولي اليوم اجتماعا طارئا حوله، حيث قال مصدر إعلامي في قوات سوريا الديموقراطية لوكالة الأنباء الفرنسية "فرانس برس"، إن محاولات توغل القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها لم تتوقف، موضحا أنها تشمل مناطق عدة "من شرق رأس العين إلى غرب تل أبيض"، مشيرا إلى أن اشتباكات عنيفة جدا تدور في منطقتي رأس العين في ريف الحسكة الشمالي وتل أبيض في ريف الرقة الشمالي.
وكانت قوات سوريا الديموقراطية أعلنت في وقت سابق عن تصديها لمحاولات توغل في المنطقتين، وأكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، وقوع اشتباكات عنيفة، مشيراً إلى غارات جوية تستهدف المنطقة الممتدة بين رأس العين وتل أبيض مع استمرار للقصف المدفعي.
وكان الأكراد، وهم أصحاب خبرة قتالية، دعوا الولايات المتحدة إلى فرض حظر جوي في المنطقة ما من شأنه أن يساعدهم في التصدي للهجوم التركي، وتُعد المنطقة الممتدة من تل أبيض غربا إلى رأس العين شرقا ذات غالبية عربية، وكان محللون توقعوا أن تبدأ العملية التركية منها أو أن تقتصر عليها في مرحلة أولى، حسبما ذكرت "فرانس برس".
وتهدف تركيا من الهجوم، الذي ندّدت به دمشق، إلى إقامة منطقة تعيد إليها قسما من نحو 3.6 ملايين لاجئ سوري لديها، وأعلنت وزارة الدفاع التركية في بيان إن العملية العسكرية "براً وجواً كانت ناجحة خلال الليل، وسيطرنا على أهداف حددناها"، من دون أن تضيف أي تفاصيل عن ماهية تلك الأهداف ومواقعها، مشددة أن "العملية مستمرة وفق الخطة بنجاح"، على حد وصفها.
وأسفر الهجوم التركي منذ الأربعاء، وفق المرصد، عن مقتل ثمانية مدنيين و19 عنصراً من قوات سوريا الديموقراطية، وفي الجهة التركية مقابل مدينة تل أبيض أن عشرات الآليات التركية المحملة بمقاتلين سوريين موالين لتركيا توجهت صباحاً إلى الجانب السوري.
وعلى الجهة المقابلة للحدود، شوهد على الطريق الدولي الممتد من رأس العين الى تل أبيض حافلات مليئة بمقاتلي قوات سوريا الديموقراطية في طريقهم إلى جبهات القتال. ومنذ بدء العملية العسكرية بعد ظهر أمس الأربعاء، نزح آلاف المدنيين من منازلهم في المنطقة الحدودية وتحديداً من تل أبيض ورأس العين، فيما فرعشرات المدنيين من نساء ورجال وأطفال في سيارات وشاحنات صغيرة يفرون باتجاه مدينة الحسكة جنوب شرق رأس العين.
وبعد تعرض مدينة القامشلي الأبعد شرقا للقصف المدفعي أيضاً، بدأت حركة نزوح منها. وقال ريزان محمد (33 عاماً) لفرانس برس أثناء فراره وعائلته "البارحة كان يوماً مرعباً، لم نستطع النوم"، مضيفاً "نتوجه إلى الريف خشية تجدد القصف واشتداد المعارك، لم نعد نشعر بالأمان".
وهذا ثالث هجوم تشنّه تركيا مع فصائل سورية موالية لها في شمال سوريا، بعد هجوم أوّل في العام 2016 سيطرت بموجبه على مدن حدودية عدّة، وثان عام 2018 سيطرت على أثره على منطقة عفرين الكردية في شمال سوريا. وتُعدّ أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديموقراطية، "إرهابية"، وتعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها على أراضيها منذ عقود.
وبرغم إصرارها على القتال، رأى محللون أن قوات سوريا الديموقراطية لن تتمكن من صد هجوم يمتد على مناطق حدودية واسعة خصوصاً في ظل قصف جوي يستهدف مواقعها، وقال الباحث في مركز الأمن الأمريكي الجديد، نيكولاس هيراس، لـ"فرانس برس" إن تركيا والفصائل السورية معها ستخرق دفاعات قوات سوريا الديموقراطية وتشكل ثغرة فيها، إلا أن السؤال الأساسي بالنسبه له يكمن في معرفة إلى أي مدى ستتقدم تركيا قبل أن توقفها الأطراف الدولية والإقليمية.
وبدأت العملية التركية أمس الأربعاء بعد يومين على سحب واشنطن بين 50 و100 جندي من نقاط عدة في منطقتي رأس العين وتل أبيض بقرار من ترامب، ما بدا أشبه بضوء أخضر لتركيا، وأثار قرار ترامب انتقادات واسعة من سياسيين أميركيين وحتى كبار الجمهوريين، إذ اعتُبر بمثابة تخلٍ عن الأكراد، الأمر الذي نفاه الرئيس الأميركي واعتبر الأربعاء الهجوم التركي فكرة سيئة.
وهدد ترامب خلال اليومين الماضيين تركيا بتدمير اقتصادها، قائلا الأربعاء "آمل أن يتصرف (اردوغان) بعقلانية. سنرى كيف سيقود (هذه العملية). إذا ما فعلَ ذلك بشكل جائر، فإنّه سيدفع ثمناً اقتصادياً باهظاً".
وتقدم عضوان في مجلس الشيوخ الأمريكي، بينهم الجمهوري ليندسي غراهام، باقتراح يهدف إلى معاقبة تركيا بشكلٍ صارم إذا لم تسحب قوّاتها من سوريا، وانتقدت دول غربية وإقليمية، بينها فرنسا وبريطانيا وإيران والسعودية، العدوان التركي.
ودعت إيران، حليفة دمشق والتي تقود إلى جانب روسيا وتركيا مساعي للعملية السياسية، الخميس أنقرة إلى "وقف فوري"، واعتبرت طهران أن الحل يكمن في انتشار قوات النظام في هذه المنطقة، كما دعت روسيا إلى مفاوضات بين الأكراد ودمشق، الأمر الذي رحبت به الإدارة الذاتية الكردية.
وتبدي دول أوروبية عدة قلقها البالغ من تداعيات الهجوم على مواصلة المعركة ضد خلايا "داعش"، ومن احتمال أن يُسهم في انتعاشه مجدداً مع انصراف المقاتلين الأكراد إلى مواجهة تركيا.