لن نبالغ إذا قلنا إن قرار عرض فيلم «الممر» على شاشات الفضائيات المصرية وشاشة التليفزيون المصرى، واحد من أهم القرارات الإعلامية التى تم اتخاذها خلال العشر سنوات الأخيرة، لا لشىء سوى لأنه ينتصر للمشاهد البسيط، الذى لا يملك حق تذكرة السينما والتى تجاوزت الآن حاجز الـ75 جنيهاً للفرد الواحد، الأمر الذى يمنع الملايين من أبناء الطبقات البسيطة من مشاهدة عمل نحن فى أشد الحاجة لأن يشاهده جميع المصريين بعد أن غابت عن ذاكرتنا الأعمال التى تحمل قيمة ومضموناً عقب سيطرة سينما العنف والبلطجة والمخدرات. وهى الأعمال التى ساعدت بنسبة كبيرة فى تدمير الهوية المصرية وظهور أجيال جديدة لا تعرف شيئاً عن تاريخ بلدها ولا عن عدوها الأكبر «إسرائيل» ولا حتى عن حرب أكتوبر المجيدة وما سبقها من حرب الاستنزاف.
فهذه الأجيال غرقت فى إدمان شبكات التواصل الاجتماعى وألعابها الإلكترونية وما تروجه من معلومات وقصص كاذبة وتشكيك فى كل الثوابت والقيم الوطنية، وهو ما يجعلنا أمام قضية كبيرة ومهمة تستلزم وضع خطة طويلة الأمد لإنقاذ هذه الأجيال وما بعدها من حالة التغييب والتزييف التى تتم بحقهم لينسوا تاريخ وطنهم ويصبح الحق فى عيونهم باطلاً، والباطل حقاً.
ومن هنا تأتى أهمية القرار التى اتخذته شركة «المتحدة» بعرض الفيلم على شاشة التليفزيون المصرى وشاشة الفضائيات المملوكة للشركة، رغم أن الفيلم ما زال موجوداً بدور العرض المصرية ويحقق إيرادات يومية تجاوزت حاجز الـ74 مليون جنيه مصرى. وهو ما يعنى تعرض صناع الفيلم لخسارة بعرضه فضائياً، ولكن بالتأكيد الأثر الذى سيتركه الفيلم عند كل من سيشاهده لا يقيّم بمعايير المكسب والخسارة، فهناك ملايين الأطفال الذين عقب عرض الفيلم تعرفوا للمرة الأولى على كلمة «العدو الإسرائيلى» وتعرفوا على شرف ارتداء البدلة العسكرية، وشاهدوا بأعينهم أن الجيش المصرى هو مزيج من طبقات الشعب المختلفة، لا يجمعهم سوى حب الوطن والإخلاص لترابه حتى وإن ضحوا بأرواحهم. وهو ما يجب ألا يتوقف بعرض فيلم «الممر» فقط، فنحن فى أشد الحاجة لمائة عمل من هذه النوعية، لنقف أمام المحاولات المستمرة والممنهجة لتدمير صورة الجيش المصرى وأبطاله فى عيون الشعب وطبقاته البسيطة، فنحن ومن سبقنا من أجيال محظوظون أننا تربينا على سينما ودراما رسخت بداخلنا قدسية الجيش المصرى ورجاله، بداية من فيلم «الرصاصة لا تزال فى جيبى» و«أغنية على الممر» و«أبناء الصمت» و«الطريق إلى إيلات»، هذا بخلاف الأعمال الدرامية التى منها مسلسل «رأفت الهجان» و«دموع فى عيون وقحة» و«الثعلب» وغيرها الكثير، ولكن ماذا شاهدت الأجيال الجديدة وما هى القيم التى زُرعت برأسها لتعرف قيمة وطنها وقيمة أبطاله ورجاله من الجيش المصرى؟! بالطبع لا شىء.
فلا تستعجب إذا عرفت أن آخر عمل وطنى تم عرضه وترك أثراً طيباً لدى المشاهدين بكافة الفئات كان فيلم «أيام السادات» للراحل أحمد زكى، هذا العمل الذى عُرض قبل 18 عاماً، وهو الفيلم الذى أعاد للأذهان وقتها قيمة ومعنى انتصار حرب أكتوبر، وهو الفيلم الذى بسببه أيضاًَ أعلن الراحل أحمد زكى إفلاسه، لأن الدولة وقتها لم تتحمس لإنتاج الفيلم بالكامل واكتفت فقط بالمشاركة بجزء بسيط من إنتاجه لعرضه تليفزيونياً.
تخيلوا أننا منذ 18 عاماً لم نقدم عملاً وطنياً ينتصر للجيش المصرى وأبطاله ورموزه؟! فكيف للأجيال الجديدة أن تتعرف عليهم، فقبله بعدة سنوات عندما كان يشغل الراحل ممدوح الليثى منصب رئيس قطاع الإنتاج بالتليفزيون المصرى، طلب من أحمد زكى والكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن، أن يصنعا مسلسلاً مصرياً يتناول قصص زعماء مصر ورموزها على مدار 30 حلقة، بحيث تكون كل حلقة عن شخصية معينة، وبالفعل ذهب الراحل محفوظ عبدالرحمن وعاد بمعالجات مختلفة لحلقات درامية عن جمال عبدالناصر وأنور السادات ورفاعة الطهطاوى وغيرهم الكثير، ولكن مخرج المسلسل محمد فاضل، بعد قراءة حلقة جمال عبدالناصر، اقترح تحويلها لفيلم سينمائى، ووافق الليثى الذى سبق وكتب أفلاماً عديدة أدانت عصر عبدالناصر، وخرج فيلم «ناصر 56» عام 96 وحقق الفيلم وقتها إيرادات تخطت الـ15 مليون جنيه واجتاح نجاحه جميع دول الوطن العربى، وبعدها عُرض تليفزيونياً، ليعرف الجميع ماذا حدث مع مصر وقت العدوان الثلاثى وكيف صمدت مصر وجيشها ومقاومتها فى مواجهة العدوان.. هذا هو ما شاهدناه وتربينا عليه.. وهو ما يضع مسئولية كبيرة على عاتق المسئولين عن الإعلام الآن بأن يكون عرض فيلم «الممر» على الفضائيات المصرية والتليفزيون المصرى خطوة أولى لإصلاح ما أفسدته فوضى الإعلام خلال السنوات السابقة، ليصبح رموز مصر وقصص تضحيات أبطالها من أبناء القوات المسلحة على شاشة التليفزيون المصرى، فبعد «الممر» سيكون المشاهدون على موعد مع مسلسل «الاختيار» الذى يتناول قصة الشهيد أحمد المنسى، والتى سيقوم بتجسيدها أمير كرارة، هذا هو ما نحتاج إليه لنمحو آثار الفوضى الإعلامية وحرب التزييف والتكذيب التى تحاك ضد هويتنا ومؤسساتنا الوطنية. وقبل أن تختلف معى أو أن تشكك فى كلامى اذهب إلى ابنك واسأله بعد أن يشاهد فيلم «الممر»، نفسك تطلع إيه يا حبيبى؟! وبعد أن تستمع إلى إجابته ستعرف وقتها فقط أننا وضعنا أقدامنا على أول الطريق الصحيح.