التدويل والوساطة.. خيارات مصر لمواجهة تعنت إثيوبيا في "سد النهضة"
رسم توضيحي لمشروع سد النهضة
عقب اجتماع تفاوضي لوزراء الموارد المائية والري بدول مصر والسودان وإثيوبيا بـ"الخرطوم" بشأن أزمة سد النهضة، أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية والري محمد السباعي وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، في تأكيد جديد على تعنت الجانب الإثيوبي.
ويرى مراقبون لأزمة "سد النهضة" أن مصر لا يزال لديها كثير من الأوراق التي يمكن أن تستخدمها في هذه الأزمة، منها اللجوء إلى الساحات الدولية وربما البحث عن وسيط وهو أمر متعارف عليه في كثير من الأزمات الدولية.
السفير محمد حجازي: مصر تمارس انضباط استراتيجي ويجب محاصرة إثيوبيا حتى التوصل لاتفاق قانوني
من جهته، قال محمد حجازي مساعد ويزر الخارجية الأسبق، في اتصال هاتفي لـ"الوطن"، إن "الأنباء أتت بتعثر المفاوضات بشأن سد النهضة خلال اجتماع وزراء الري والموارد المائية لدول مصر والسودان وإثيوبيا، وقدمت مصر خلال هذه الجولة رؤيتها بشأن تحقيق هدف الملء والتشغيل للسد بما لا يضر مصالح مصر المائية أو بأسلوب تشغيل السد، لكن الجانب الإثيوبي بات متشددا وقدم مقترحا لا يتجنب الضرر الجسيم الذي قد يقع على مصر".
وأضاف "حجازي": "المفاوضات شاقة وصعبة كطبيعة أي مفاوضات لها علاقة بالمياه، وفشل أحد جولات التفاوض على المستوى الفني لا يجعلنا لا نصر على عقد جولات أخرى على المستوى السياسي والأمني وعلى مستوى القمة بين قادة الدولتين، حيث أننا بعد خطاب السيد الرئيس عبدالفتاح السياسي أمام الأمم المتحدة برفع الأمر على المستوى الدولي، فإننا بحاجة إلى تحركات واسعة على المستوى الدولي سواء من خلال الدول أو المنظمات الدولية، ومعه تحرك مواز من الدول العربية وخصوصا دول الخليج الأكثر تأثيرا مثل السعودية والإمارات والكويت، وممارسة دور إقليمي يسمح لمصر بالتفاعل والتأثير على الموقف الإثيوبي والضغط من خلاء حكماء القارة الأفريقية".
وقال "حجازي" إن "هناك ضرورة لرفع ملف مصري متكامل يشمل رؤيتنا الفنية العادلة ويشمل رؤية إقليمية وتنموية شاملة تشمل الربط الكهربائي والسككي والربط بين السدود في البلدان الثلاثة بما يخدم مصالح البلدان الثلاثة: إثيوبيا في توليد الكهرباء والسودان في الاستفادة من توزيع عوائد النهر، والمصالح المائية لمصر كشريان الحياة الذي لا يمكن التفريط فيه". ويرى مساعد وزير الخارجية الأسبق أنه يجب محاصرة الموقف الإثيوبي من أجل التوصل لاتفاق قانوني، الاتفاق هام للغاية وترك الأمر على أنه أمرا واقعا وفرض إرادة أمر رفضه الرئيس وترفضه مصر. وأوضح "حجازي" هذا ما أقصده بحصار الموقف الإثيوبي، مشيرا إلى أن مصر تحرص على أن يكون لديها انضباط استراتيجي من خلال ضبط الإيقاع السياسي والإعلامي الداخلي، وفي نفس الوقت يمكن تصعيد الموقف على مستوى القمة أو دعوة أطراف دولية للتدخل كالبنك الدولي الذي رحبت مصر بدوره، كما رحب مصر ببيان البيت الأبيض حول سد النهضة، قائلا: "قبول أدوار دولية أمر متعارف عليه". وقال "حجازي": "من الهام جدا أن تسعى مصر لاتفاق قانوني ملزم، فترك أمر السد كأمر واقع والتعايش معه أمر مرفوض بل السعي لمحاصر الموقف الإثيوبي للوصول إلى اتفاق وإلا ترك النهر نهبا لكل من يريد إقامة سد أو مشروع دون التشاور". وشدد "حجازي" على أنه يجب إعلاء لغة القانون الدولي، مؤكدا أن الدولة المصرية ملتزمة بحماية حقوقها كما أكد الرئيس السيسي وفق رؤية تقوم على الانضباط الاستراتيجي، حتى يتهيأ للمفاوض المصري العمل في مناخ ملائم، مشددا أيضا على أهمية الحكمة والتروي كعادة مفاوضات المياه.
عباس شراقي: المفاوضات فشلت لكن لم تنتهي.. ويمكن لأمريكا لعب دور الوسيط واللجوء إلى مجلس الأمن الدولي
بدوره قال دكتور عباس شراقي رئيس قسم الموارد الطبيعية بكلية الدراسات الأفريقية إن مصر أمام عدة خيارات ومسارات في الوقت الحالي، مضيفا: "نحن أقررنا بفشل المفاوضات لكن لم نغلق الباب ولم ننهي المفاوضات، فالمفاوضات تبقى اتجاه نستمر فيه". وقال "شراقي": "هناك اتجاه ثان وهو أننا نحتاج لوسيط وسمعنا السفير بسام راضي المتحدث باسم الرئاسة يعبر عن ترحيب مصر بالدعم الأمريكي لمفاوضات سد النهضة، فأمريكا كانت أصدرت بيانا تحس الأطراف الثلاثة على التوافق لكنها لم تعرض الوساطة".
ويرى "شراقي" أن البيان الأمريكي والرد المصري يحمل تلميحا إلى إمكانية أن تكون أمريكا وسيطا في هذه القضية، وإن كنا سمعنا أن إثيوبيا ترفض مبدأ الوساطة، واستدرك: "لكن لو وافقت أمريكا أن تكون وسيطا لن يرفض أي من الأطراف، فإثيوبيا لها مصالحها مع أمريكا وكذلك السودان في الوقت الحالي". وقال الأكاديمي المتخصص في الشئون الأفريقية: "أمريكا في يدها مفتاح القضية وقادرة على حلها، ولكن الأزمة منذ 8 سنوات وأمريكا لم تتدخل، إلا أنه مع وجود مستجدات في المنطقة يمكن أن تتدخل أمريكا في هذه القضايا مقابل تحقيق بعض المكاسب الخاصة بها".
أما عن المسار الثالث للتحرك في هذا الملف وفق "شراقي" فهو الاتجاه لمجلس الأمن الدولي مباشرة، قائلا: "نحن بدأنا في تدويل القضية فقط من خلال عرضها عبر جامعة الدول العربية والسفراء الأجانب في القاهرة ومدعى التعنت الإثيوبي، مجلس الأمن الخطوة الأهم التي كان يجب اتخاذها من زمن ونسجل اعتراضنا لدى مجلس الأمن الدولي، لأن إثيوبيا تنتهك اتفاق إعلان المبادئ، وأيضا مشروع سد النهضة الدراسات الهندسية فيه ضعيفة ولو حدث انهيار سيدمر السودان والسد العالي، وهذا مبرر قوي لنلجأ لمجلس الأمن".