بنظرات من الفخر والإعجاب يمشي بين نجفاته المعلقة، يتأمل ما صنعت يديه أو أيدي من علمهم أصول صنعته، يعرف قصة كل واحدة، حالتها عندما جاءت وحتى أصبحت في نسخة أخرى جديدة.
فتحي إبراهيم الشهير في سوق الجمعة بالتونسي بـ عيد أبو أحمد، 68 سنة، ورث مهنة تجارة الخردة عن والده، لكنه أدخل إليها تجديدات نقلته من تاجر إلى مجدد عاشق لتحويل قطعة معدن ملقاه في القمامة إلى نجفة بيت جديد تكمل فرحة عروس أو يتم تصديرها للخارج، مستغلا التكنولوجيا الجديدة في الترويج لبضاعته.
دخل "عيد" دخل المهنة وعمره 10 سنوات مع والده؛ الذي اقتصرت تجارته على بيع "العِدة" أي أدوات الحدادين والنجارين وغير ذلك، لكن وجود مخزن لوالده بمنطقة شبرا، كان صدفة جعلته يستغل بناء مصنع متخصص في كريستالات النجف بجواره كي يضيف بضاعة جديدة لـ "فرشة" والده، ليعرض "عيد" بعض كريستال النجف في "طبق" وبدأ الناس يتساءلون عن استخداماتها.
مع الوقت كان للتاجر زبائن يشترون الكريستال لتجديد النجف الخاص بهم وأصحاب محال النجف لتركيبها في "شاسيهات" يقومون بتجميعها "بعد كدة بدأت أشوف نجف روبابيكيا بيجي للتجار جيراني في السوق، وفكرت أشتريه منهم وبدأت اتعامل معاه وأنضفه وأعيد تجديده وأركب الكريستال اللي عندي وأبيعه من تاني"، وذلك بحسب فتحي الشهير بـ"عيد" في حديثه لـ"الوطن".
الصبر والاختراع والتجديد، هي قيم وأفكار تعلمها الرجل الستيني من مهنته التي كان يمارسها بجوار كونه حارس أمن بأحد الشركات، وقد أصبحت مهنة ابنه أيضا، الذي يتابع نفس العمل بجانب وظيفته، ولكن كلٌ في تخصصه، فالابن يقوم بالفك والتنظيف والتركيب مع زميل له، والأب أصبحت مهمته الإدارة والإشراف، حيث بدأ يستخدم تطبيقات الواقع الافتراضي في عمله "اتعلمت أجدد دايما وبقيت استخدم الواتساب في إني أشوف البضاعة قبل ما أشتريها وأحدد هتنفعني ولا لأ"، مضيفا "عندي زبون بيشتري النجف مني ويصدّره وعملي صفحة على فيسبوك بقيت أنزل عليها صور النجف وفيديوهات ونص زبايني بيجوا لي بالطريقة دي".
"تدوير نجف بشاسيه مدغدغ مايسواش يرجع على أحسن مستوى"، بهذه الكلمات يصف حمدي مصطفى، 40 سنة، والذي تعلم على يد "عيد" أصول المهنة، أسباب تجعله عاشقا لها منذ دخوله الورشة عام 2001، حيث تكتمل سعادته بعد الانتهاء من نجفة، كان فكيكها ونظيفها ثم عمل التوصيلات الكهربية، ليقوم بإعادة تركيبها مرة أخرى، فالنجفة من وجهة نظر حمدي هي أساس جمال البيت ودليل على مستواه "النجفة في إيدي بترجع تحفة تسر الناظرين.. الشغلانة دي دقيقة وكل حاجة محسوبة بالملي حتى الزبون بيجي حاسبها بالملي علشان نختار معاه شاسيه يناسب ارتفاع سقف بيته".
ممسكًا بالمقص وبجواره إناءات المياه ومستحضرات التنظيف، وأدوات أخرى للفك والربط، يحكي "حمدي" لـ"الوطن" أن دخول النجف الصيني إلى السوق، كان بمثابة الأمر الذي تسبب في إضعاف المهنة إلى حد ما، حيث أن المنتجات الصيني تستبدل الكريستال بآخر من البلاستيك، لكنه يلقى رواجا لأن سعره منخفض، وقد يجعل ذلك بعض الزبائن تتجه للنجف المعاد تدويره فسعره نصف سعر الجديد وشكله أكثر قيمة من الصيني "المصاريف كتير والناس عايزين يجهزوا الشقة والبيت من غير نجفة مالوش شكل، بعضهم بيشتري صيني علشان رخيص وبعضهم بيتشري من عدنا علشان نضيف وسعره حلو".
يضيف "حمدي"، أن أحلى لحظة في عمله عندما يجد قطعا من الكريستال المستورد من التشيك لما يعرف به من النقاء ليتحفظ بها حتى يعثر على ساشيه تشيكي هو الآخر "أول ما جيت ااشتغل هنا اشتريت نجفة من عند الحج واتعلمت أصلحها وخليها أحلى حاجة، طبعا باب النجار مش مخلع".
تعليقات الفيسبوك