"زفة وحضن وبنبوني".. "الوطن" بصحبة "أطفال قويسنا" في أول يوم دراسة
استعدادات أحد فصول رياض الأطفال في مدينة قويسنا بالمنوفية
زفة الصغار إلى مدارسهم، هي سمة شوارع مدينة قويسنا بمحافظة المنوفية، صباح اليوم، لتختلف عادات الأمهات في صبيحة الأربعاء، وتتبدل وجهتهم من السوق الأسبوعية للمدينة إلى التوجه بأطفالهم، ممن هم في مرحلة رياض الأطفال وتلاميذ الصف الأول والثاني الابتدائي، كي يطمئنوا عليهم في أول يوم دراسي.
تجولت "الوطن" بين مدارس المدينة، بين مدارس التعليم العامة والمدارس التجريبية أو كما يسمونها "الرسمية"، تتلمس الحضور في اليوم الأول للأبناء وتفتش عن ذكرياته للآباء.
أم رحمة تركت مدارس بلدها: بندور على مستوى أفضل
للوهلة الأولى قد تتخيل أن رحمة صابر، الصغيرة التي جاءت من قرية "عرب أبو ذكري" التي تبعد عن المدينة بمسافة 7 كيلو، أن قريتها بلا مدارس، وخصوصا أن كل تلك المسافة للالتحاق بالمدرسة الحديثة للتعليم الأساسي بقويسنا وهي مدرسة حكومية وليست تجربية، لتوضح عفاف سلامة "والدتها"، أنها اختارت أن تقطع ابنتها كل يوم هذه المسافة بحثا عن فرصة تعليمية أفضل "المدرسة هنا مستواها أفضل والمدرسين أكتر من عندنا وأشطر"، لتتكفل الأسرة بتخصيص سيارة تنقل أبنائها الثلاثة يوميا إلى المدرسة مقابل 1200 جنيه شهريا.
"المدرسة جميلة وحلوة" كانت تلك هي كلمات رحمة التي استقبلت بها اليوم الأول لحياتها الدراسية، حيث جلست في مدخل المدرسة الحديثة، وإلى جوارها والدتها ليكتمل المشهد بامرأة خمسينية، تنظر كل فترة إلى رحمة كي تطمئن عليها، فرغم مرور الأعوام لم تنسى الجدة "أم عفاف" عادات اليوم الدراسي الأول منذ كانت صغيرتها في مراحل التعليم المختلفة، حيث حكت جدة رحمة "كنت لازم أروح مع ولادي أول يوم ودلوقتي جاية مع حفيدتي وهاجي مع إخواتها الكبار كمان علشان اتطمن إن اسمهم موجود".
"كوتش جديد وتيشيرت وبنطلون وشنطة والذي منه".. قائمة استعدادات عفاف للعام الدراسي الجديد، والتي تختلف تماما عن أيامها، حيث روت لـ"الوطن" كنا بنلبس مريلة ومش لازم كل حاجة جديدة، العيال دلوقتي بتدقق حتى التوكة لازم تبقى جديدة ولانش بوكس ومصروف".
إيناس: غيرت "القوانين" وماروحتش المحكمة علشان ابني البكر في أول يوم دراسة
ابتسامة وفرحة وفخر، كان ذلك حال إيناس محمد، التي غيرت وجهتها من الذهاب إلى المحكمة لأداء علمها كمحامية، كي تصطحب وليدها "عمر عماد" إلى مدرسته، فهذا العام لأسرتها الصغيرة بمثابة "سنة أولى مدارس"، حيث يلتحق ابنها البكر بمدرسة قويسنا الحديثة للتعليم الأساسي، لتصف المحامية "النهاردة غيرت القوانين وبدل ما أصحى الفجر أنزل السوق وأرجع البيت بسرعة أنزل على المحكمة، ماعملتش حاجة منهم وأخدت أجازة لكن صحيت الفجر أكوي الهدوم وأحضر الفطار واللانش بوكس علشان نيجي المدرسة".
منذ فترة بدأت إيناس استعدادتها بالخروج يوميا بين محال الزي الموحد والمكتبات لشراء الأدوات المدرسية، في انتظار أن تأتي تلك اللحظة التي تقف فيها أمام فصل ابنها كي تودعه خطوته الأولى كي يحقق حلمه "نفسي أطلع ظابط.. فرحان جدا النهاردة إني جيت علشان أعرف صحاب جداد وأدور على صحابي في الحضانة وجبت الزمزمية والعصير والساندويتشات"، لتسترق والدته نظرات فخر واطمئنان عليه، واصفة اللحظة "فرحة كبيرة إن ابني كبر ما شاء الله ودخل المدرسة، عايزة أجيب له الدنيا كلها علشان أفرحه باليوم دة".
"بابا وماما وتيتة" مع "ملك" في سنة أولى حضانة
"بابا وماما وتيتة" اجتمعوا سويا اليوم في رحلة عائلية غرضها الوجود مع ملك في "سنة أولى حضانة"، كما اجتمعوا سويا منذ بداية الأسبوع الحالي لاقتناء احتياجات التحاق ملك أحمد إبراهيم برياض أطفال المدرسة الحديثة، وتحكي الجدة لـ"الوطن": "أول حفيدة ليها تروح المدرسة وفرحانة بيها وقولت لازم أكون معاها زي ما كنت مع مامتها".
يلتقط والد ملك طرف الحديث والذي أصر أن يحمل صغيرته من المنزل حتى باب الفصل "أخدت إجازة من الشغل علشان أقضي معاها اليوم كله وأمها ماراحتش السوق برضو، علشان نتطمن عليها، كانوا زمان أهلنا بيكونوا معانا علشان نقعد في التختة الأولى ودلوقتي برضو بنعمل كدة، بس ماكنش فيه ينويفورم زي دلوقتي".
رغم أن ملك لم يتعد عمرها 4 أعوام، إلا أنها عكفت على أن تستيقظ كل يوم لتسأل "المدرسة هتيجي امتى"، لتستيقظ اليوم مبكرا بنشاط، تأمل عائلتها أن يستمر كي تحقق حلما، فهم لم يقصروا في شراء كل ما يلزم المدرسة "عايزة أبقى دكتورة.. المدرسة حلوة وفيها مراجيح".
مدرسات رياض أطفال المدرسة الحديثة: بنوزع بنبوني وورد لكسر الرهبة
"بوسة وحضن ووردة وبونبوني"، تلك هي استعدادت مدرسات رياض الأطفال بالمدرسة الحديثة لاستقبال الطلاب وخصوصا طلاب الصف الأول الجُدد، وذلك وفقا لـ"هبة البكري" و"مروة مصيلحي"، معلمتين برياض الأطفال، وذلك لكسر حاجز الرهبة لدى الطفل عندما يتركه والديه، لتبدأ الفترة الأولى بتشجيع الأطفال على تناول طعامهم، ليتسمر التحفيز بـ"سقفة" لمن يستطع أن ينتهي من الأكل.
تتذكر مروة عندما كانت في مثل عمر تلاميذها لتحكي "زمان مكانش فيه حضانات مدارس وكنا بنروح حضانة أهلية وكانت مهنة التدريس في الحضانة أي حد يشتغلها، مدرسيني في الحضانة كانوا دبلوم وعلموني كويس لأن المنهج كان بسيط وإحنا كنا أطفال بسيطين حتى في حاجات المدرسة ومفيش لانش بوكس ومصورف.. ساندويتش بس".
وأوضحت أن الاهتمام بالتعليم أصبح يبدأ من مراحله الأولى، فالمدرس برياض الأطفال يجب أن يكون حاصلا على مؤهل عال متخصص، والمناهج أصبحت محددة غير متروكة للاجتهاد، كما أن يجري تحديثها "المنهج الجديد مشوق ومناسب لإلمام الطفل بالتكنولوجيا وثقافة العصر لكن يحتاج لميزانية أكبر، ساعات بنجيب حاجات من البيت علشان نعمل أنشطة".
بين المدرسة العامة والتجريبي يضبط المدرسون النظام، لكن أولياء الأمور يرفضون في الأولى ويساعدون في الثانية قبل دقات الثامنة بعشر دقائق، بدأ المدرسون يشيعون جوا من النظام، فالمدرسة ممتلئة بأولياء أمور كثيرين، لتستشعر في اللحظة الأولى أن أعدادهم تزيد عن أعداد التلاميذ، ولأجل مزيد من النظام، كانت دعوة التلاميذ كلٌ باسمه كي يصطفوا في طوابير خاصة بكل فصل، تحضيرا لأن يذهبوا مع مدرس أو مدرسة الفصل إلى فصولهم في نظام دون تدافع، لكن الأمر فشل حيث تمسك كل ولي أمر بطفله معلنا أنه سيدخل معه الفصل كي يجلسه في المقعد الذي يختار، فحدث تكدس أمام بوابة مبنى الفصول، ليعلن المدرسين غلق البوابة حتى تهدأ الأمور، "بنتي بلية مش باينة من الأرض وعايزة اتطمن عليها بس بعد اللي حصل ياريت كانوا قفلوا أبواب المدرسة وماخلوش ولي أمر يدخل المدرسة من الأساس"، وذلك وفقا لوالدة بسملة رمضان الملتحقة بالصف الأول الابتدائي.
في نفس الوقت كانت نفس طريقة الطابور وتنظيم الفصول هي المتبعة في مدرسة قويسنا التجريبية لغات، إلا أن أولياء الأمور هنا تركوا أولادهم كي يذهبوا مع المدرسين في حرية تامة، يدفعهم في ذلك اطمئنانهم أن مقاعد الفصول سيتم تنظيمها بحسب طول كل طفل وقوة نظره، لكنهم حرصوا على التواجد بهدف الاطمئنان على تسجيل أسماء أولادهم، ومعرفة الفصول ومشاركتهم فرحة التواجد بالمدرسة لأول يوم، ثم التواصل مع المدرسين.
هاجر: كان نفسي أشوف أصحابي والمدرسين
على جانب آخر كان علي بلال، والد هاجر الطالبة بالصف الأول الابتدائي بالمدرسة التجريبي، قد قرر أن يأتي مبكرا مصطحبا ابنته كي يطمأن على تواجدها بأمان في المدرسة، ليقوم بعد ذلك بالذهاب إلى عمله "جيت أوصلها علشان أول يوم بيكون في زحمة وبمجرد ما أسمع اسمها هسيبها تروح الطابور بتاع فصلها وتطلع مع الميس بتاعتها الفصل.. هنا المدرسين بيقعدوا الطويل ورا والقصير قدام يعني متطمن عليها.. لو عرفت أستأذن من شغلي وآجي كمان شوية هاجي اطمن إنها في فصلها والدنيا تمام".
تطلق نظراتها يمينا ويسارا، لتبحث هاجر عن أصدقائها بعد أن اضطرتهم الأجازة وبُعد أماكن إقامتهم على عدم رؤيتهم لبعض "أنا بحب المدرسة جدا وكنت مستنية الأجازة تخلص علشان آجي.. آه بصحى بدري ودة صعب بس بقابل صحابي والمدرسين وبنتعلم حاجات جديدة وبنعمل أنشطة".
الجد والأحفاد في مهمة مدرسية
بين الجد والأحفاد، كانت عائلة السيد علي تستعد لأول يوم دراسي، فمنذ شهر حرصوا على شراء الزي الموحد والحقائب والأحذية وغير ذلك، فلدى العائلة طفلان، حنان محمود، حفيدة "السيد" لابنته، حيث تلتحق برياض الأطفال لأول مرة، بينما كان فارس محمد، حفيد "السيد" لابنه، قد سبقها بعام، "زمان كان الوضع مختلف، لا كان فيه التجهيزات دي كلها ولا كان فيه حضانات" وذلك وفقا لـ"السيد" في حديثه لـ"الوطن"، مستطردا أن المستوى التعليم الآن قد تطور، لكن يبقى حرص الآباء على الحضور على أولادهم أول يوم من العام الدراسي عادة قديمة، كنوع من مشاركتهم فرحتهم والاطمئنان عليهم.
بـ"حضن مليء بالدفء" كان استقبال فارس لمعلمته، فبمجرد أن لمحها قفز مسرعا كي يعبر عن افتقاده لها منذ العام الماضي، "كان نفسي أشوفها وأشوف صحابي، فرحان إني رجعت المدرسة أشوفهم وأذاكر علشان أبقى مهندس، أما حنان "ابنة عمته" كانت تجلس في فصل رياض الأطفال للسنة الأولى في وداعة وترقب، تتعرف على محتويات الفصل الجديد وصغار تراهم لأول مرة، لكن الأمر لم يزعجها كبعض قريناتها حيث بدأوا في البكاء بعد أن تركتهم أمهاتهم وآبائهم يواجهون "سنة أولى تعليم".
من جانبه، قرر محمد نعماني "المحامي" أن يكون أول يوم لابنته "أيسل" في رياض أطفال المدرسة التجريبي هو يوم إجازة من العمل، حتى يتشاركا الفرحة سويا "أول يوم مدرسة عندي كان يوم عيد، ووالدتي كانت معايا في فرحتي، علشان كدة قررت آجي معاها"، متابعا أن الوضع اختلف الآن عن سابقه، فهو لم يلتحق بـ"الحضانة" ليصف ذلك بأنه تطور أن يبدأ الطفل مراحل التعليم مبكرا، ليتم إضافة ذلك إلى تطورات أخرى مثل ارتفاع المستوى التعليمي والمظهر الأفضل للطلاب وذلك بحسب حديث نعماني لـ"الوطن".
"ماكنتش عايزة أنام" هكذا بدأت أيسل ذات الـ4 سنوات حديثها لتعبر عن فرحتها باليوم الأول، حيث انزعجت كثيرا عندما تأخرت في الوصول بسبب زحمة الطرقات "كنت زعلانة وخايفة مالحقش الطابور".
معلمة رياض أطفال التجريبي: بنجهز لليوم دة من أول الأسبوع علشان نستقبلهم
كانت حنان "معلمة برياض أطفال التجريبي لغات"، حريصة على القدوم إلى المدرسة لإعداد الفصل كي يستقبل ضيوفه الجدد، أدواتها في ذلك "بالونات" وأغاني وأفلام كارتون و"الحواديت"، بهدف جذب الأطفال وخصوصا من يرهبون التواجد في أماكن لأول مرة "اليوم دة بنبدأ نتعرف عليهم ويعرفونا ونلعب ونشغل أغاني بيحبوها ونحكي حواديت علشان اللي بيعيط يجيي بكرة وهو حاببنا"، لكنها تبدي انزعاجها من قيام بعض أولياء الأمور بامداد أطفالهم بأشياء تزيد عن حاجاتهم وبعضها يضرهم "الطفل بقى يجي معاه لانش بوكس ساندويتشات ومعاه شيبسي وبيبسي وشيكولاتات زيادة عن اللزوم وكمان مصروف"، لتبدأ رحلة المعلمة في إقناع الأهالي بتقليل مثل هذه الأشياء التي تحتوي على مواد حافظة تضر بصحتهم، وتكون استجابتهم تدريجية، فالهدف واحد وهو صحة الطفل.