أساقفة يرفعون "راية الحماية" لمواجهة البدع.. ولجنة لـ"المراجعة الإيمانية"
البابا تواضروس الثانى يشرح منظومة التعليم الكنسى
التعاليم الخاطئة أزمة مزمنة فى تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، منذ القرون الأولى للمسيحية، ولمواجهتها تمت إقامة المجامع المقدسة للرد على بدع وهرطقات البعض للحفاظ على الإيمان المسيحى القويم، حسب اعتقاد كل طائفة من الطوائف.
أضواء الأزمة تعلو وتخفت على فترات، إلا أن الكنيسة استمرت فى حربها ضد التعاليم الخاطئة بالتوعية والنصيحة والإرشاد، ووصلت فى عهد البابا الراحل شنودة الثالث إلى المحاكم الكنسية، التى خضع لها أساقفة وشخصيات كبيرة داخل الكنيسة أدت فى النهاية إلى شلحهم من الكهنوت أو إعادتهم للأديرة أو إخراجهم عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وأبرزهم الدكتور جورج حبيب بباوى.
وفى بعض الأحيان اكتفت الكنيسة بالرد على بعض الأخطاء عبر كتب، ولم تجرؤ على إقامة محاكمات كنسية لبعض الشخصيات، ومنهم الراهب متى المسكين، الأب الروحى لدير أبومقار فى وادى النطرون، الذى فند البابا بعض تعاليمه فى كتب ورد عليها، ووصف الأنبا بيشوى، مطران كفر الشيخ ودمياط الراحل، أكثر من 48 كتاباً للراهب بأنها تحتوى على بدع وهرطقات.
تحذيرات من أخطاء عقائدية داخل الكنيسة تدفع الأقباط إلى الانقسام ومطالب بوضع حدود للاختلاط فى كنائس الطوائف
ومع صعود البابا تواضروس الثانى إلى سدة الكرسى المرقسى، تزايد الحديث عن «التعاليم الخاطئة»، وبرز إلى جانب الأنبا بيشوى فى التصدى لهذه التعاليم قبل وفاته، أسقفية الشباب برئاسة الأنبا موسى، عبر ما يعرف بلجنة العقيدة الأرثوذكسية، التى أقامت العديد من المؤتمرات والندوات لتثبيت العقيدة الأرثوذكسية والرد على التعاليم الخاطئة والتحذير من البدع الحديثة، قبل أن يحمل راية الدفاع عن الإيمان الأرثوذكسى بجوار الأنبا موسى، أسقف مغاغة الأنبا أغاثون، الذى لم يتورع عن الرد وانتقاد أساقفة زملاء له فى المجمع المقدس للكنيسة فى بيانات عبر منصات التواصل الاجتماعى.
كثرة الردود على البدع والهرطقات أدت إلى انقسام الكنيسة لطرفين، أحدهما لقب بالمجدد والإصلاحى، والآخر بالتقليدى والرجعى، وتراشق الطرفان بالبيانات والتصريحات الإعلامية، ودافع كل طرف عن وجهة نظره بأسانيد من الكتاب المقدس وأقوال الآباء.
الأزمة عادت للأضواء من جديد منتصف 2017، مع ما يعرف بمدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية وتعاليمها، التى تضم بين صفوفها أساقفة وكهنة ورهباناً، ويعد الراهب سيرافيم البراموسى، أحد مؤسسى المدرسة وتصدى لكتاباته الأنبا بيشوى مطران كفر الشيخ ودمياط والبرارى، وفند الأخطاء اللاهوتية والإيمانية فى كتب للرد عليها، ووصل الأمر لتدخل لجنة الإيمان والتعليم بالمجمع المقدس برئاسة الأنبا موسى، أسقف الشباب بالكنيسة، وإرسال توصيات للبابا تواضروس حول كتابات الراهب على وجه خاص وما يصدر عن المدرسة بوجه عام.
تصاعد الأزمة دفع البابا لعقد اجتماع لمناقشة ما يُثار حول المراكز التعليمية فى الكنيسة وما تقدمه من مناهج ومطبوعات، بمشاركة عدد من الأساقفة والرهبان وعدد من الخدام والدارسين فى المجالات الكنسية والإيمانية والتاريخية، انتهى وقتها لإصدار عدة توصيات، تضمنت تشكيل 4 لجان لمتابعة تنفيذ التوصيات، وهى لجنة مناقشة واستماع للملاحظات التعليمية المثارة فى الآونة الأخيرة، ولجنة إعداد معجم الاصطلاحات اللاهوتية بعدة لغات وتقديم مشروعات مختصرة، لجنة وضع مسودة موضوعات تشكل ركائز الإيمان القبطى مع الشرح الكنسى الكامل لها، ولجنة حصر وتقنين المراكز التعليمية فى الكنيسة وضبط إيقاعها وإدارتها تحت المظلة الكنسية.
وفى نهاية 2017، أحدثت تصريحات الأنبا إنجيلوس، أسقف شبرا الشمالية، حول الكتاب المقدس، أثناء توليه منصب النائب البابوى بأمريكا الشمالية، عاصفة من الجدل، ما دفع البابا لإعادة الأنبا إنجيلوس إلى القاهرة، وتعيين الأنبا دافيد أسقف نيويورك نائباً بابوياً فى أمريكا، ثم تدخل المجمع المقدس برئاسة البابا تواضروس، خلال اجتماعه السنوى، فى نهاية مايو 2018، وشكل لجنة من 5 أساقفة بالكنيسة لدراسة ومراجعة الأخطاء التعليمية التى تصدر من بعض المعلمين الكنسيين، وهو القرار الذى جاء فى وقته بعد انضمام الأنبا أغاثون أسقف مغاغة والعدوة ورابطة خريجى الكلية الإكليريكية، لمطالب 11 من أساقفة أمريكا وملبورن بأستراليا ولندن فى بريطانيا، بإقامة «حوار لاهوتى» داخل الكنيسة لمواجهة خطر هذه التعاليم على الإيمان المسيحى والطعن فى الكتاب المقدس.
وأرسلت رابطة خريجى الكلية الإكليريكية التابعة للكنيسة، رسالة إلى البابا وأعضاء المجمع المقدس، تحذر فيها من وجود أخطاء عقيدية وكتابية وروحية داخل الكنيسة ترقى لمستوى الهرطقات التعليمية بخصوص الأسرار المقدسة والتشكيك فى حقيقة وواقعية بعض أحداث العهد القديم ومخالفة المفهوم السليم للمحبة، التى لا تتعارض مع معتقداتهم وإيمانهم، وقالت الرابطة إن هذه التعاليم قد تدفع الأقباط إلى اللاطائفية والإلحاد والتشكك فى الثوابت الإيمانية، وتثير البلبلة والصراعات والانقسامات داخل الكنيسة.
وحسب مذكرة لمطران وثلاثة أساقفة بالكنيسة صدرت خلال يونيو الماضى، فإن أزمة التعاليم الخاطئة لم تختف، بل ازدادت، وقبل انعقاد الجلسة السنوية للمجمع المقدس فى دورة 2019 كرروا مطالبهم للبابا والمجمع المقدس بضرورة التصدى للتعاليم الخاطئة، لمنع انتشارها فى الكنيسة عبر أساقفة وكهنة ورهبان، مشيرين إلى وجود ملاحظات على بعض فروع الإكليريكيات، والمراكز التعليمية، وبعض الأساتذة الذين يدرِّسون فيها، بجانب انتشار تعاليم خاطئة، مثل إنكار الخطيَّة الجدية والفداء والكفارة والموت النيابى، والبدلية العقابية، والعدل الإلهى، ووجود جهنم، والعقوبة الدنيوية، والعقاب الأبدى، وعصمة الكتاب المقدس، والاعتقاد بأسطورية أحداث العهد القديم، والإيمان ببدعة الخلاص العام، وأنه متاح لغير المؤمنين، أو الشواذ والملحدين.
ونوهت المذكرة بأنه لوحظ أن هناك هجوماً على تاريخ الكنيسة، وأبطال الإيمان، وكل الآباء ومعلميها المعاصرين، المشهود لهم، أمثال البابا شنودة الثالث، والأنبا جريجوريوس، والأرشيدياكون حبيب جرجس، بجانب الهجوم على الرهبنة القبطية ومؤسسيها، والأديرة والرهبان، بصورة مهينة غير مسبوقة، والمُعاداة والتشهير، والتعدى بألفاظ خارجة على كل مَن ينادى بالإيمان المستقيم.
وتابعت المذكرة: «هناك مكانة تُعطى أمام الرأى العام والكنسى لأصحاب التعاليم الخاطئة أو المقطوعين بقرار من المجمع المقدس، لإعطائهم شرعية لقبولهم أمام البسطاء من الخدام والشعب، وهناك بعض الأديرة والمدارس والإيبارشيات لها كتابات تتعارض مع إيمان الكنيسة، كما أن بعض الإكليروس والرهبان، والخدام والخادمات، لهم تعاليم شفاهية أو مكتوبة تشوبها أخطاء كتابية وإيمانية وعقائدية».
وطالب الأساقفة الأربعة، وهم الأنبا موسى الأسقف العام للشباب، والأنبا بنيامين مطران المنوفية، والأنبا أغاثون أسقف مغاغة، والأنبا مايكل أسقف عام فيرجينيا بضرورة مراجعة الكتب والمجلات، وما يصدر على المواقع من تعاليم خاطئة، لأنها تسبب بلبلة فى التعاليم الكنَسية، واعتناق عقائد غريبة، ووضع حدود للاختلاط بكنائس الطوائف، والتمسك بالوحدة المسيحية القائمة على الإيمان الواحد.
وأمام هذه الحالة خرجت توصيات للمجمع المقدس للكنيسة بتشكيل لجنة مجمعية برئاسة الأنبا هدرا مطران أسوان، للمراجعة الإيمانية تكون مسئولة عن مراجعة أى تعليم خاطئ ينشر سواء على الميديا أو على المنابر، وتشكيل مجلس التعليم الكنسى بواسطة البابا كخطوة أولى لتفعيل لائحة الأكاديمية اللاهوتية الصادرة فى 2014، إلا أن القرارات الكنسية لم تمنع استمرار أسقفية الشباب فى تنظيم المؤتمرات الكنسية التى تحذر من التعاليم الخاطئة، وكان آخرها فى يوليو الماضى، عبر المؤتمر الذى حمل عنوان «دراسات متخصصة فى العقيدة القبطية الأرثوذكسية»، حاضر فيه كل من: «الأنبا بنيامين مطران المنوفية، الأنبا موسى أسقف الشباب، والأنبا أغاثون أسقف مغاغة والعدوة، والأنبا كاراس الأسقف العام بالمحلة الكبرى»، فى بيت مارمرقس بمنطقة «أبوتلات» بالإسكندرية، وناقش «قضايا معاصرة فى اللاهوت المقارن، والحداثة والتحديات الإيمانية المعاصرة».
"زاخر": "التعاليم الخاطئة" تصاعدت بعد رحيل البابا شنودة وتستهدف "خلخلة" موقع البطريرك
وقال المفكر القبطى كمال زاخر، مؤسس التيار العلمانى القبطى، إن ما يسمى بالحرب على التعاليم الخاطئة تنويعة على موجات استهداف البابا تواضروس الثانى وتيار الاستنارة المتجدد داخل الكنيسة، الذى وجد فى الثورة الرقمية مجالاً كبيراً لنشر رؤيته، وهو تيار تمتد جذوره إلى خمسينات القرن العشرين، حين شكل بعض من الشباب آنذاك بيت التكريس بضاحية حلوان، وعكفوا على ترجمة وتعريب كتب الآباء عن اللغة اليونانية التى كتبت بها، وتطور عملهم بإرسال بعثات إلى اليونان للدراسة بجامعاتها فى علوم اللاهوت، وأسسوا حال عودتهم العديد من المراكز البحثية والدراسية، أنتجت العديد من الكتب والأبحاث ذات الصلة، وأضاف «زاخر» لـ«الوطن»، أن هذا الأمر وجد مقاومة من المدرسة التقليدية التى تشكل ذهنها على كتابات مختلفة المصادر وبعضها من خارج التراث الآبائى، ولم تتصاعد المواجهة إلا بعد رحيل البابا شنودة، وتحولت من مواجهة أكاديمية لاستهداف أشخاص فى محاولة لخلخلة موقع البابا البطريرك بعد أن جاء من خارج دوائرهم على غير توقعهم، مشيراً إلى أن المكان الطبيعى لما يقولون به أروقة الكليات اللاهوتية، واجتماعات المجمع المقدس، بوصفه المكلف بمراقبة التعليم الكنسى واللاهوتى، وليس صفحات الفضاء الإلكترونى، «التى نسمع فيه ضجيجاً ولا نرى طحناً».
"أسعد": تدفع الشباب إلى الإلحاد.. و7 خطوات للعلاج
وأكد مينا أسعد، الباحث فى اللاهوت الدفاعى، أن محاولة أصحاب التعاليم الخاطئة نشر تعاليمهم أمر معتاد ومكرر منذ بدء المسيحية، والكتاب المقدس وكل تعاليم آباء الكنيسة الأولى الذين تتلمذوا على يد رسل المسيح مباشرة، وأضاف أسعد لـ«الوطن»، أنه يوجد تراث ضخم منذ القرن الأول الميلادى وحتى اليوم يطلق عليه «الكتابات الدفاعية»، وأطلقت الكنيسة لقب «الآباء المدافعون» ولقب «حماة الإيمان» على شخصيات بعينها من الرسل والبطاركة والأساقفة والكهنة وحتى من خارج الإكليروس على مدار ألفى عام، وتابع «أسعد»، وهو مؤسس حركة «حماة الإيمان» المعنية بالرد على التعاليم الخاطئة داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أن ما يحدث فى الآونة الأخيرة من محاولة البعض تقديم تعاليم خاطئة أمر اعتادته الكنيسة، كما اعتادت التصدى له، ويثبت التاريخ أنه بلا تأثير فى نهاية الأمر، وإن ارتفع ضجيجه قليلاً عن السابق فى ظل استخدام مواقع التواصل الاجتماعى وشبكة الإنترنت، ويرى أن التعاليم الخاطئة قد تؤثر على بعض الشباب الصغير وتدفعه إلى الإلحاد مباشرة، مشيراً إلى أنه بالأسماء والمتابعة نجد أن بعضاً من المعاصرين الذين بدأوا بكونهم محدثين ومستنيرين تحولوا للإلحاد الكامل وإنكار وجود الله نهائياً، وتابع: «اعتاد أصحاب الأفكار الغريبة وصف أنفسهم بالمستنيرين والمجددين وأصحاب الحكمة، منذ أيام الغنوسيين الذين ظهروا فى القرن الأول الميلادى يرون فى أنفسهم الحكمة والاستنارة مروراً بآريوس ونسطور اللذين ألفا أكاذيب عن من سبقوهما من الآباء دون ذكر أسماء تحديداً».
وقال إنه فى ظل اعتماد أصحاب التعاليم الخاطئة على فلسفات مغلوطة ومغالطات منطقية أو نسب لآباء الكنيسة ما لم يقولوه أو تأويل واقتصاص النص من الكتاب المقدس من سياقه فإن كل الاستنادات التى يرتكنون عليها تنتهى فى النهاية إلى لا شىء، مشيراً إلى أن الكنيسة تقوم حسب تاريخها بعدة إجراءات لمواجهة التعاليم الخاطئة، تتمثل فى الرد على التعاليم بالحجة والبرهان ودحض حجج المخالف، والتواصل الشخصى مع المخالف لإثنائه، وسماع وجهات نظره ومناقشتها، والتحذير للتراجع، ثم تحذير المجتمع من تعاليمه، وأخيراً القطع والحرمان واعتباره هرطوقياً.
المواد الدراسية "الإكليريكية"
تدرس الكلية الإكليريكية العديد من المواد على مدار 4 سنوات دراسية، وتتضمن المواد التى تدرسها الكلية حسب الإكليريكى أثناسيوس إبراهيم ما يلى:
عهد قديم: دراسة أسفار العهد القديم.
عهد جديد: دراسة العهد الجديد.
مقدمات عهد قديم: تشمل مادة المقدمات دراسة كاتب السفر، وسنة الكتابة، ولغة الكتابة، ومكانة الكتابة، وأقسام السفر، والعادات والتقاليد، والأبعاد الزمنية والمكانية، والتمهيد لفهم السفر.
مقدمات عهد جديد وتشمل:
جغرافيا الكتاب المقدس: الأماكن الجغرافية للكتاب المقدس.
لاهوت نظرى: محوره إثبات وجود الله دون استخدام آيات الكتاب المقدس ويشرح أفكار الإلحاد القديم والحديث.
لاهوت عقيدى: يشرح العقيدة المسيحية وفكر الكنيسة فى الله.
لاهوت رعوى: يشرح الجانب الرعوى للمسيح وكيف ترعى الكنيسة أولادها.
لاهوت مقارن: ينقسم لقسمين مقارن قديم يناقش الهرطقات القديمة وفكرها والرد عليها، والحديث يكون مناقشة مقارنة بين الطوائف المسيحية المختلفة.
اللاهوت الروحى: وهو خاص بالفضائل واكتسابها والتحلى بها وأمثلة عن قديسين اكتسبوا هذه الفضائل ومعالم الطريق الروحى والجهاد الروحى.
اللاهوت الطقسى: هو علم دراسة طقوس الصلوات.
اللاهوت الأدبى: علم يدرس المشكلات المعاصرة وكيفية التعامل معها مثل الإجهاض - تعاطى المخدرات.