التحول الرقمي يصل مرحلة "الرَكنة": الجراج مُميكن والسايس ذكي
"الوطن" مع أبو صفارة وموظف الكارت.. الكل "سايس"
صورة من جراج روكسي أول جراج اتوماتيك في مصر
"السايس" تلك الوظيفة التي يمقتها الكثيرين ويعتبرونها "دفع بالإجبار"، بدأت تتلاشى في مناطق استبدلتهم بالأدوات الإلكترونية وبالكروت الذكية، بعدما دخلت مصر عصر الجراجات الذكية والاستفادة بتقنيات التكنولوجيا الحديثة في حل المشاكل المرورية، والتي تمّ تطبيقها في جراج روكسي "أول جراج ذكي في مصر والأكبر في الشرق الأوسط"، والذي يُعد بمثابة نقلة نوعية وحضارية في عالم الجراجات الذكية، ويقلل الاعتماد على العامل البشري ليصل إلى موظف واحد فقط هو من يتعامل معه الجمهور، وذلك وفقًا للدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء في أثناء افتتاحه أمس.
"الوطن" مع أبو صفارة وموظف الكارت.. الكل "سايس"
رحلة أتوماتيكية تستغرق 60 ثانية تقطعها السيارة بنفسها منذ أن يتركها مالكها في مدخل أحد بوابات الجراج، حتى تصل إلى أقرب "باكية" للانتظار، و90 ثانية هي المدة اللازمة لخروج السيارة أتوماتيكيا دون تدخل أي عامل بشري حتى تخرج من باطن الأرض من جراج روكسي الممتد إلى 4 أدوار في أسفل الأرض وحتى الوصول إلى خارج الجراج,
وتعتمد السيارة خلال هذه الرحلة على "أسانسير" يسحبها إلى الأسفل صعودًا وهبوطًا بعد أن يرتجل عنها سائقها، ثم رحلة أخرى على رافعات ومحركات "متروترانس" وهي المسؤولة عن حركة السيارة من الأسانسير إلى "باكية" الانتظار، ليكون الظهور الوحيد للعامل البشري متمثلًا في موظف يعمل داخل المبنى الإداري للجراج، يستلم الكارت، الذي كان أخرجه العميل لنفسه قبل أن تدخل السيارة للأسانسير، ثم يعرفه الموظف عبر جهاز الكمبيوتر لتحديد القيمة المادية مقابل فترة الانتظار والمحددة بـ15 جنيهًا للساعة، حسبما ذكر العميد المهندس ماجد ظريف مدير تشغيل الجراج.
وتستعرض الوطن في السطور التالية، كيف تحول ركن السيارة من سايس الشارع الذي ظهر في مصر منذ عشرات السنوات، ومرورًا بجراج العتبة الذي يتمّ العمل به يدويا من خلال 3 موظفين، ثم تطور ذلك إلى جراج التحرير الإلكتروني الذي يتعامل فيه العميل مع موظفين اثنين، وذلك قبل الانطلاقة التكنولوجية الكبيرة بجراج روكسي الإلكتروني.
سايس شارع "معروف": اشتغلتها مضطر.. شغلنا مش حق مكتسب واللي يدفعه الزبون بقوله شكرا
عند تقاطع حي معروف مع شارع شامبليون، يقف أشرف معروف، 55 عامًا، الذي "هبط اضطراريًا" وفق وصفه على مهنة السايس، ففي عام 2000 وبعد أنَّ أرهقه عمله في تركيب ألوان دهانات السيارات وما بها من مواد بتروكيماوية تؤثر على جلده وتضر بجهازه التنفسي، قرر تركها، ليصبح نصيبه من شارع شامبليون هو مساحة تناسب ركن 6 سيارات بالتبادل، فتغادر سيارة وتركن أخرى، بمواقيت عمل معروفة، فالمنطقة عامرة بالمحلات والورش، يأتي إليها زبائن كُثر، لذلك يختار أن يمارس عمله طوال أيام الأسبوع بعد الساعة الثامنة مساءً وحتى منتصف الليل "أي بعد أن تغلق المحلات أبوابها" حتى يعطي للزبائن فرصة الحركة بكل أريحية، ولأن يوم الأحد عطلة لمعظم التجار في المنطقة فيبدأ "أشرف" عمله في الصباح الباكر.
مرتديًا قبعة بيضاء برسومات فرعونية، لا يجلس الرجل الخمسييني على مقعد كباقي "سُياس الشوارع" ولكنه يظل طوال الوقت في حركة مستمرة، ينشر بهجة بين المارة وأصحاب السيارات، مستخدمًا كلمات ترحيب ووداع وكلمات أخرى من لغات مختلفة، كان تعلمها جراء تعامله مع السياح المارين بالمنطقة، رغم أن ظروف المعيشة اضطرته لعدم الحصول على شهادة تعليمية وترك المدرسة من الصف الرابع الابتدائي.
"بعامل الناس باحترام جدا، لأن ده مش حق مكتسب واتعودت إني مرفضش أي فلوس الزبون يعرضها عليا.. مش مشكلة لما الزبون يديني 2 جنيه، هيجي زبون بعده يديني فلوس أكتر تعوض اللي فات"، كلمات ساقها "معروف" رافضًا ما يقوم به أقرانه في المهنة من معاملة سيئة إذا كان المقابل المادي ضعيف، مشيرًا إلى أنَّ ركن السيارة حق أصيل من حقوق المارة، لكن ظروف عدم وجود عمل آخر تضطر البعض لدخول المهنة، فهي بسيطة ولا تحتاج دراسة.
يقابل "معروف" صاحب السيارة بابتسامة وإشارات الترحيب ثم يحاول مساعدته في ركن السيارة بسهولة وبطريقة آمنة حتى لا يصطدم بشجرة أو رصيف وتهيئة أماكن الركن، ثم يتحرك جيئة وإيابًا بين السيارات كحارس أمن، رافضا أن يستلم مفتاح أي سيارة كما يفعل غيره حتى لا يثير ذلك شكوك في نفس مالكي السيارات إذا حدثت سرقات.
محمد خنافس: معايا عقد إيجار من الحي لمنطقة أسفل جراج العتبة.. والساعة بـ10 جنيه
يُلازم محمد محمود الشهير بـ"محمد خنافس"، 68 سنة، عقد إيجار لاستغلال مدخل جراج العتبة أسفل مقر حي الموسكي، يُخرجه كلما رفض أحد راكني السيارات دفع قيمة الإيجار، واصفًا عمله كـ"سايس" بالبلطجة، فيبرز عقده كي يبرهن قانونية ما يفعله.
كان "خنافس" ترك العمل بائعًا للكشري في المنطقة المحيطة بجراج العتبة منذ عام 2001 وذلك بعد أن ارتفعت الأسعار "طبق الكشري لقيت سعره بيرتفع كل شوية وقولت دة شوية وهيوصل لـ10 جنيه، مين هيقدر يشتريه في منطقة العتبة"، لذلك قرر أنَّ يتخذ من مدخل الدور الأرضي لجراج العتبة منطقة فرض سيطرته، وسعى في سبيل ذلك إلى تحرير عقد إيجار مع منطقة حي الموسكي، يدفع 3 آلاف جنيه شهريًا مقابل قيامه على تأجير مساحة تتسع لركن من 7 إلى 10 سيارات في مدخل الجراج، محددًا الأسعار بـ"الساعة الأولى بـ10 جنيهات والثانية بـ5 جنيهات ولكل ساعة أخرى".
ممسكًا بقلم ألوان وناظرًا في هاتفه المحمول لتحديد الوقت الذي تصل فيه كل سيارة، ويدوّن ذلك على زجاجها كي يستطيع أن يحدد قيمة أجر الانتظار ليقوم هو على حراستها وتأمينها، ودون تعنت يحاول الرجل الستيني مراعاة ظروف الزبائن "فيه زباين مش هتقدر تدفع دة بعرفهم وبسيبهم يدفعوا اللي يقدروا عليه والمرة الجاية يدفعوا الباقي، ولو زبون اتخانق بسيبه يمشي وأسجل رقم العربية وتتسجل له غرامة بـ1200 جنيه في المرور".
كان وجود محمد بالجراج وفقًا لوصفه؛ أمر واقع للعاملين بالحي "لاقوني شغال هنا فقرروا ينزلوا لي ويقولوا أعمل عقد، وأنا لقيتها مصلحة ليا حتى لو بقيت بدفع إيجار للحي.. بقيت بقف بقلب جامد غير الأول الناس تقول أننا بلطجية فبطلع العقد.. إنما البلطجي هو صاحب العربية اللي ما يرضاش يدفع".
ينقسم العمل في المساحة المخصصة للرجل الستيني إلى ورديتان يقوم عليهما ابناؤه الثلاثة من الساعة 7 صباحا وحتى 3 عصرا ومن 3 حتى 12 ليلا، لكنه هو مَن يتدخل لحل أي أزمة قد تنشب حيث إن عقد الإيجار الذي يتم تجديده كل عام، مسجلا باسمه، وإذا حدث ظرف طارئ يكون له نصيب من الوردية.
كانت تلك هي الحالة بالنسبة لانتظار السيارات في الشوارع، فهناك طرق أخرى استبدلت "السايس" على رأسها الانتظار في جراج بدائي خاص داخل اثنين من أهم جراجات القاهرة، وهما جراج العتبة اليدوي وجراج التحرير الإلكتروني.
عادل فايز: مش معايا مؤهل.. بشتغل سايس بعد الشركة ما رفدتني
في شارع نجيب الريحاني بمنطقة العتبة، 4 جدران متحطمة وسقف خشبي، لكن القوائم الحديدية هي دعائمه الأساسية في وجه الانهيار الموشك، ليكون ذلك جراج خاص لا يسع سوى لـ6 سيارات فقط، يجلس أمامه عادل فايز، 48 سنة، قادمًا من الصعيد ليعمل بأحد شركات المياه المعدنية، لبعض الوقت ثم يسافر كل فترة إلى عائلته، لكن الشركة منذ 4 سنوات قررت أن تُصفي العمالة بها منذ 4 أعوام، وكان من أوائل الذين تمّ الاستغناء عن خدماته، ولأنَّه لم يتحصل على أي مؤهل تعليمي لم يكن أمامه سوى العمل مع أخيه في جراج خاص، يمتلكه آخرون، ويعمل معهما اثنان آخران "بنبدأ الشغل الساعة 6 الصبح، نستقبل العربيات والزبون اللي عايز نغسله العربية بنغسلها، ونفضل كدة طول اليوم ونتبادل الورديات على مدار 24 ساعة وعنينا على العربيات"، متابعًا أنَّ هناك عملاء للجراج منذ سنوات وآخرون جدد، لكن رسوم الدفع متروكة لتقدير العميل.
جراج العتبة يعمل يدويًا.. و3 موظفين للتأمين والدخول والخروج
بين المحلات والباعة المتجولين وباعة الشوارع، يقع جراج العتبة الذي أُنشأ منذ ثمانينات القرن الماضي، وتمّ استبدال "سايس الشارع" بموظفين مؤهلين حاصلين على درجات تعليمية أكثر تخصصًا، حتى يمكن تقديم خدمة بديلًا تغني عن زحام الشارع وعن بلطجة "السياس" وفقًا لأحد موظفي الجراج؛ الذي رافق "الوطن" في رحلة "ركن السيارة" بداخله.
تبدأ رحلة السيارة داخل جراج العتبة بصعودها على "رامب" مخصص حتى تصل إلى موظف في الدور الأول يعمل بجانب بوابة يفتحها يدويًا بعد أنَّ يعطي مالك السيارة "كارت ذكي" كان قد عرفه على نظام تشغيل خاص بهم، لتحديد الوقت الذي دخلت فيه السيارة، ثم يستلم العميل الكارت وتبدأ رحلته بداخل الجراج وصولًا إلى منطقة الانتظار التي يختارها، ليجد موظف أمن، يفحص السيارة والتأكّد من سلامتها وتسجيل أي عيب أو كسر بها في دفتر، ويعمل على تعريف مالك السيارة بملحوظاته هذه بغرض توخي الحذر من حدوث أي مشكلة لاحقة عند استلام العميل لسيارته "ممكن الزبون يقول المراية اتكسرت واحنا أصلا مستلمينها مكسورة منه".
وبعد أن يُنهي العميل عمله أو التسوق أيًا ما جعله يترك سيارته بالجراج، يأتي لاصطحاب سيارته وعندما يُوشك على الخروج إلى المنزل "رامب الخروج" يجد بوابة أخرى يتمّ فتحها يدويًا بواسطة موظف يُمرر الكارت الخاص بمالك السيارة على جهاز موصول بنظام التشغيل، لتخرج أمامه المدة التي قضتها السيارة بالجراج والقيمة المدفوعة والتي تبلغ من 4 جنيهات وحتى 2 جنيه، بحسب موظف بالجراج طلب عدم ذكر اسمه، فيما يتراوح الاشتراك الشهري من 468 إلى 32 جنيه".
"العربية عندنا متأمنة ضد حوادث السرقة وحوادث الاصطدام وحوادث الحريق بواسطة وجود طفايات في كل الأدوار الستة" وإذا تعرضت السيارة لحادثة في أثناء الانتظار بواسطة عميل آخر، يكتب حارس الأمن تقريرًا بالواقعة ويوقع عليه العميل المتسبب ويضع به كل بياناته؛ بما يُمكّن العميل المتضرر من التواصل معه للوصول لحل وسط، كما أن حارس الأمن يتمّ تدريبه على إجراءات الأمن والسلامة المتعلقة باستخدام طفايات الحريق؛ ما يجعل استخدام الجراج وفقا للعاملين به أكثر أمنًا وإن كان لا يزال يدويًا وينقصه الكثير من أساسيات البنية التحتية.
جراج التحرير إلكتروني ونظام الإطفاء ذاتي وعمومي ويدوي.. وكلب يفحص السيارة
في عام 2014 كان افتتاح جراج التحرير الإلكتروني نقلة نوعية، فهو يمتد إلى 4 أدوار تحت الأرض بسعة تصل إلى 1750 سيارة، كما أنَّه قلل الاعتماد على العامل البشري ليصبح عاملين هم من يمكن للعميل أن يتعامل معهم أحدهما ببوابة الدخول والآخر بالخروج، ثم تأتي مهمة المراقبة والتأمين على كاميرات مراقبة ونظام تأمين متمثل في إنذارات الحريق ونظام الإطفاء الذاتي بجميع أنواعه لكل أنواع الحرائق، كما أنَّ الجراج به طريقة تواصل مباشر بالإطفاء العمومي، بالاضافة إلى إطفاء يدوي، وذلك وفقًا لأحد موظفي الجراج، طلب عدم ذكر اسمه.
كلب على بوابة الدخول يحوم حول كل سيارة قبل دخولها لفحصها والتأكّد من خلوها من المتفجرات والمخدرات، بجوار البوابة "كشك" به موظف يتأكد من هوية قائد السيارة وأنه مالكها وذلك من خلال الكشف عن الرخص، ومن مسؤولياته أيضًا أنَّ يرفض دخول السيارات بدون لوحات معدنية، بحيث إذا حدثت مشكلة لن يكون من السهل الوصول إلى مالك السيارة من خلال كاميرات المراقبة وأرقام السيارة.
"كوين" أو دائرة بلاستيكية تشبه العملة المعدنية ولكنها مصصمة بطريقة ذكية بحيث يتم تعريفها على جهاز "إنفرا"، والتي يستلمها العميل بمجرد أن يضغط على جهاز مجاور لبوابة الدخول، لينزل إلى أحد أدوار الجراج وركن سيارته، وبعد أن تنتهي رحلته يأتي لاستلام السيارة، وبمجرد أن يصل إلى بوابة الخروج يكون في انتظاره موظف آخر هو "كاشير"، يعمل على تعريف "الكوين" على جهاز "إنفرا" وبذلك يتمّ حساب مدة إقامة السيارة بالجراج والتي تتحدد بـ5 جنيهات للساعة الأولى و4 جنيهات ونصف لكل ساعة تالية.