حيثيات وقف قرار "الصناعة" بفرض رسوم على "البليت".. غير قانوني
"الإدارية": سلطة التحقيق اعتمدت على ما قدمه الشاكين من مستندات فقط
مجلس الدولة
ذكرت محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار منير غطاس نائب رئيس مجلس الدولة، أن قرار فرض رسوم على خامات حديد "البليت" الذي أصدره وزير الصناعة والتجارة، صدر على خلاف ما استلزمه المشرع من ضوابط وشروط قانونية لازمة لصدوره، وأنه غير قائم على سندٍ سليمٍ وسديدٍ من الواقع أو القانون.
جاء ذلك بحيثيات محكمة القضاء الإداري بحكمها، المتضمن وقف قرار فرض تدابير وقائية مؤقتة لمدة 180 يوماً على استيراد خام "البليت"
وأضافت المحكمة أن تقرير سلطة التحقيق تناول كل منتجات الحديد والصلب محل الشكوى، فاعتبرتها منتج واحد عند تحديد النسبة المتطلبة قانوناً في الشكوى، بالمخالفة لأحكام القانون، والذي اشترط أن يكون المنتج محل الشكوى مثيل للمنتج بالصناعة المحلية، فورد بتقرير سلطة التحقيق أن الصناعة المحلية مقدمة الشكوى بما فيها شركة قنديل للصلب تمثل 51% من إجمالي الإنتاج المحلي من المنتج المثيل، وذلك عن كامل المنتجات محل الشكوى، وكان يتعين عليها لقبول الشكوى توافر النسبة المقررة لكل منتج على حده.
ولم تقتنع المحكمة بما بررته جهة الإدارة، فلا يوجد ما يمنع قانوناً من أن يتم تقديم الشكوى على أكثر من منتج من نفس الفصائل والبنود الجمركية، وأنه قد تم اتخاذه من قبل العديد من الدول الأعضاء؛ وتم فرض رسم واحد عليهم جميعاً، وذكرت المحكمة أنه لا مانع من تقديم الشكوى على أكثر من منتج، وسيتم فرض رسم واحد أو مختلف على كل أو بعض هذه المنتجات، إلا أنه يتعين واحتراماً لأحكام القانون مراعاة التماثل بين المنتجات محل الشكوى، والمنتجات محل الصناعة المحلية لتطبيق الأحكام والشروط التي أوردها المشرع، خاصة وأن منتج خام "البليت" يوجد مثيل له بالصناعة المحلية، كما أنه محلاً للتجارة العالمية والمحلية.
وأضافت المحكمة أن سلطة التحقيق لم تحدد نسبة المؤيدين للشكوى، وما إذا كانت أقل أم أكثر من 25% على النحو الذي تطلبه المشرع، كما أن سلطة التحقيق قد اعتمدت فقط على ما قدمه الشاكين من مستندات، وكان من المتعين عليها مخاطبة الجهات المختصة بموضوع الشكوى والأطراف المعنية والأطراف ذات المصلحة لبيان صحة المستندات المقدمة.
وأوضحت المحكمة أسباب الحكم، بأن تقرير سلطة التحقيق قد خلط بين الإغراق وبين الزيادة غير المبررة في الواردات، وأورد التقرير أن الظروف الدولية الاستثنائية تدفع المصدرين الكبار إلى بيع إنتاجهم بأسعار لا تعبر عن التكلفة الحقيقية، وإنما تعبر عن الرغبة في تصريف الفائض من الإنتاج، وهو ما يدخل في مفهوم الإغراق وليس الزيادة غير المبررة في الواردات وفقاً لنص المادتين 32 و79 من اللائحة التنفيذية، ولكل منهما أحكامه الخاصة التي تنظمه من حيث كيفية تحديدها وكيفية تقدير الضرر الناتج عنها، فضلاً عن الإجراءات والتدابير المؤقتة الواجب اتخاذها لمواجهة كل صورة، وكذلك التدابير النهائية لمواجهتها، ومن ثم لم يكن التقرير واضحاً في بحث الشكوى المعروضه عليه.
كما لم تقم سلطة التحقيق بإخطار الأطراف المعنية بالشكوى المقدمة للرد عليها إلا بعد صدور القرار المطعون فيه، بالمخالفة لحكم القانون المنظم في هذا الشأن، وأوضحت أن سلطة التحقيق لم تنتهي إلى التوصية بشئ، بل ذكرت النتيجة بالصفحة رقم 22 أنه تبين لسلطة التحقيق في ضوء البيانات المقدمة من الصناعة المحلية، أن هناك أدلة مبدئية على توافر علاقة السببية بين الزيادة الكبيرة في حجم الواردات من صنف بعض منتجات الحديد والصلب، دون أن تقر أنها أثرت بأضرار فادحة على المنتج المحلي بشكل مباشر، كما استندت فقط إلى البيانات والمعلومات المقدمة من الشاكين.
وحيث أنه عن اللجنة الاستشارية التي صدر بناء على توصيتها القرار المطعون فيه، فهي مشكلة بالمخالفة لأحكام القانون، كما أن محضر اجتماعها مع فرض صحة تشكيلها لم يستوف الإجراءات والضوابط المقررة قانوناً، كما استندت المحكمة أن اللجنة الاستشارية الذي استند القرار المطعون فيه إلى توصيتها مشكلة وفقاً لقرار وزير التجارة والصناعة رقم 1023 لسنة 2018، والذي لم يعمل به حتى تاريخه لعدم نشره بالوقائع المصرية، وما زال يُعمل بالقرار الذي حدد أعضاءه بعدد 21 عضواً، بخلاف اللجنة الاستشارية التي أصدرت توصيتها والمحدد عدد أعضائها بـ16 عضواً، فتكون اللجنة الاستشارية والتي بناء على توصيتها صدر قرار فرض رسوم على خامات حديد البليت غير مختصة قانوناً بنظر تقرير سلطة التحقيق، وغير مختصة بإصدار أي توصية في شأنه.
ويضاف إلى ذلك أنه يتعين قانوناً أن يكون محضر اجتماع اللجنة الاستشارية وما تنتهي إليه من توصيات كاشفة عن توافر شروط صحة اجتماعاتها، وصحة ما اتخذته من توصيات، وفقا للشروط المتطلبة بقرار وزير التجارة والصناعة الصادر بتشكيلها، مما يمكن السلطة القضائية من بسط رقابتها القانونية على صحة تشكيلها وما انتهت إليه من توصيات، وبالتالي فانه يبنى على إغفال هذا الإجراء بطلان القرار الصادر استناداً إليها.
وخلى محضر اجتماع اللجنة الاستشارية لمناقشة بدء التحقيق في الشكوى والمتضمن التوصية، من أية إشارة تدل على وجه دقيق عدد الأعضاء الموافقين على القرار، وعدد الأعضاء الرافضين له، بالرغم من اعتراض 4 أعضاء، ومنهم المستشار الفني ودعم السياسات باتحاد الصناعات المصرية، وذكرت: "أننا بصدد 57 بند جمركي فلا يجب أخذ قرار لمنتج دون باقي المنتجات"، وأعربت عن رغبتها في التروي للدراسة المفصلة، وعدم فرض أي رسوم وقائية مؤقتة، وتأجيل اتخاذ القرار لحين موافاة اتحاد الصناعات بالرأي في الموضوع لجهاز مكافحة الدعم والوقاية والإغراق.
وكذا رأي رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، أن فرض الرسم سيؤدي إلى ممارسات احتكارية، وإلى ارتفاع الأسعار، وإلى زيادة معدلات التضخم، ومدى تحمل المستهلك المصري أعباء ونتائج قرارات الحكومة.
كما أن اللجنة الاستشارية قد تعجلت في إصدار توصيتها دون بحث دقيق ومتعمق لموضوع الشكوى، ورأت المحكمة أن قيام معظم الشركات الشاكية والمؤيدة للشكوى باستيراد كميات كبيرة من حديد "البليت"، بعد تقديم شكواها وقبل صدور قرار فرض الرسوم، ينبئ على عدم توافر خام "البليت" بالأسواق المحلية، وكذلك عدم جدية الشكوى المقدمة.
كما أن القرار الصادر قد جاء معيباً، إذ أن تقرير سلطة التحقيق قد تضمن أن الواردات من "البليت" زادت بصورة كبيرة، كما أن الواردات من مسطحات الصلب قد زادت بصورة ملحوظة خلال عام 2018 في تسعة أشهر حتى سبتمبر، حيث بلغت 385 ألف طن بزيادة 11.6% عن نفس الفترة العام الماضي، مما من شأنه الإضرار بالصناعة المصرية، فاستحوذت الوارادات من المسطحات على حصة مؤثرة من السوق المحلي وصلت إلى 35% هذا العام، إلا اأن السلطة المختصة استبعدت حديد المسطحات من قرارها بفرض رسوم وقائية، ولم توافق على فرض رسوم على صنف المسطحات من حديد وصلب، وأن التحقيق اقتصر على منتجين فقط دون بيان مبررات ذلك على الرغم من مطابقة الحال مع حديد "البليت".
ولم تقتنع المحكمة بدفاع الجهة الإدارية من أن السلطة المختصة تتمتع بسلطة تقديرية في إدراج منتج حديد المسطحات أو عدم إدراجه بالقرار، فمردود عليه بأنها ليست سلطة مطلقة أو تحكمية خالية من أي رقابة، بل تظل سلطة تقديرية تخضع لرقابة القضاء، ويجب أن يكون قرارها في هذا المجال له ما يبرره، وقائماً على أسباب مقبولة ومنطقية، كما أن الاستمرار في تنفيذ القرار له نتائج يتعذر تداركها، وهي غلق مصنع الشركة المدعية وتشريد العمالة.