هل رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة ممكنة؟
صورة أرشيفية
يتساءل كثير من المسلمين حول مدى إمكانية رؤية رب العالمين في الدنيا والأخرة، وهو ما أوضحته دار الإفتاء، مستشهدة بسؤال موسى (عليه السلام) ربه أن يراه، فقال له ربه "لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا" ۚفلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين".
وبينت دار الافتاء، في تقرير لها، أن الرؤية في اللغة هي النظر بالعين أو بالقلب.
وقال العلامة الزبيدي في "تاج العروس": الرؤية بالضم هي إدراك المرئي، وذلك أضرب بحسب قوى النفس
الأول: النظر بالعين التي هي الحاسة، وما يجري مجراها، ومن الأخير قوله تعالى "وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُم ورَسُولُه"، فإنه مما أجرى مجرى الرؤية بالحاسة، فإن الحاسة لا تصح على الله تعالى، وعلى ذلك قوله "يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ".
والثاني، بالوهم والتخيل؛ نحو أرى أن زيدًا منطلق.
الثالث: بالتفكر؛ نحو "إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ".
والرابع بالقلب، أي بالعقل، وعلى ذلك قوله تعالى "مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىط، وعلى ذلك قوله "وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى".
واختلف المتكلمون في تحديد معنى الرؤية، والذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة بأنها: "قوة يجعلها الله تعالى في خلقه، لا يشترط فيها اتصال الأشعة، ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك، فإن الرؤية نوع من الإدراك يخلقه الله تعالى متى شاء ولأي شيء شاء".
ومسألة رؤية الله تعالى من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتردية، وبين غيرهم من الفرق الإسلامية الأخرى؛ كالمعتزلة والشيعة والإباضية.
أما أهل السنة فأجمعوا على أن رؤية الله تعالى مما يدخل في الممكنات، وأن العقل لا يحيل رؤية العباد لربهم، وهي من المسائل التي لا يُعدّ الخلاف فيها مستوجبًا للكفر والردة، وإن كانت مخالفة أهل السنة والجماعة تستوجب الفسق والجنوح عن الحق.
والنافون للرؤية قالواك إن الرؤية هي انطباع صورة المرئي في الحدقة، ومن شرط ذلك انحصار المرئي في جهة معينة من المكان حتى يمكن اتجاه الحدقة إليه، ومن المعلوم أن الله ليس جسمًا ولا تحده جهة من الجهات، وبذلك يكون مرادهم من الرؤية هو المعنى الحاصل بين المخلوقات الذي يلزم منه اشتراط وجود الجهة والمقابلة وغير ذلك من الأمور التي تستدعي التشبيه الذي ينزه عنه الله عز وجل.أما الكرامية والمجسمة، فإنهم جوزوا رؤيته تعالى بالمواجهة؛ لاعتقادهم كونه تعالى في الجهة والمكان، وهذا مخالف لما عليه اعتقاد المسلمين قاطبة.
ومذهب الأشاعرة، قال إنه لا تلازم بين الرؤية والتشبيه، فيثبتون رؤية الله لكن ليست كرؤيتنا للأشياء في الدنيا، فإن الكيفية التي تحصل الرؤية بها اليوم ليست إلا كيفية من كيفيات كثيرة، كان الله عز وجل ولا يزال قادرًا على ربط حقيقة الرؤية بما شاء منها.
وحسب دار الإفتاء، فإن رؤية الله تعالى في الآخرة معناها: انكشافه لعباده المؤمنين في الآخرة انكشافًا تامًا، ولا يلزم من رؤيته تعالى إثبات جهة -تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا- بل يراه المؤمنون لا في جهة كما يعلمون أنه لا في جهة، يقول الدكتور محمد البوطي في "كبرى اليقينيات الكونية":على الرغم من أن الله تعالى ليس جسمًا ولا هو متحيز في جهة من الجهات، فإن من الممكن أن ينكشف لعباده انكشاف القمر ليلة البدر كما ورد في الأحاديث الصحيحة، وأن يروا ذاته رؤية حقيقية لا شبهة فيها، وستحصل هذه الرؤية إن شاء الله بدون الشرائط التي لا بد منها للرؤية.
واستدل أهل السنة على إمكان رؤية الله في الآخرة بالكتاب والسنة والإجماع، أما استدلالهم بالقرآن فبعدة آيات:
- أولًا: قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾، ووجه الدلالة: أن النظر إما أن يكون عبارة عن الرؤية بالمعنى المراد عند أهل السنة، أو عن تقليب الحدقة نحو المرئي طلبًا لرؤيته، والأول هو المطلوب، والثاني تعذر حمله على ظاهره؛ لأن تقليب الحدقة إلى المرئي يستلزم أن يكون في الجهة والمكان، فيحمل النظر على الرؤية التي هي كالمسبب للنظر بالمعنى الثاني، وإطلاق السبب وإرادة المسبب من وجوه المجاز البليغة.
- ثانيًا: قوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾، ووجه الدلالة: أنه تعالى أخبر عن الكفار على سبيل الوعيد في هذه الآية أنهم لا يرونه؛ عقوبة لهم، وذلك يدل على أن المؤمنين يومئذ غير محجوبين عن ربهم، وإلا لم يكن في الإخبار عن الكفار على سبيل الوعيد بهذا التعبير فائدة.
- ثالثًا: قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾، فإن الحسنى: هي الجنة، والزيادة: هي النظر لوجهه الكريم كما قال جمهور المفسرين.
أما من ادعى رؤية الله تعالى في الدنيا يقظة فهو ضال، وذهب بعض العلماء إلى تكفيره، كما أنه لا نزاع في وقوعها منامًا وصحتها.
وبناء على ما سبق، فإنه يجوز عقلًا وشرعًا رؤيته عز وجل في الآخرة باتفاق أهل السنة والجماعة، أما في الدنيا فلا نزاع في وقوعها منامًا وصحتها، أما يقظة فاختلف الصحابة ومن بعدهم في حصول ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) من عدمه، أما غيره "صلى الله عليه وسلم) فلا تصح دعواه الرؤية في اليقظة، ومن زعمها كان من الضالين.