مؤرخون ومثقفون: إعادة تمثال ديلسيبس للقناة إنكار لتضحيات المصريين
مؤرخون ومثقفون:اعادة تمثال دليسيبس للقناة انكار لتضحيات المصريين
رفض عدد من المثقفين والمؤرخين وأساتذة الجامعة محاولات إعادة تمثال فرديناند دليسيبس إلى موقعه القديم في مدخل قناة السويس، قائلين إنها محاولة لإنكار التضحيات المصرية لحفر القناة ونسبها بدلا من ذلك للاستعمار، والانتصار للعدوان الفرنسي الذي تم دحره ضمن العدوان الثلاثي في عام 1956.
وأكد محمد الشافعي رئيس تحرير كتاب الهلال السابق، أن جمعية أصدقاء دليسيبس تنسب له فضل حفر قناة السويس، وتحاول إقناع بعض محافظي بورسعيد بوضع تمثاله بمدخل قناة السويس بعد أن أزاله المصريون خلال حرب 1956 قبل تأميم قناة السويس وبناء السد العالي.
وشدد الشافعي، الذي أدار الندوة التي نظمت بنقابة الصحفيين مساء اليوم بمناسبة مرور 150 عاما على افتتاح قناة السويس للملاحة الدولية في عام 1869، على أن دليسيبس لم يكن إلا لصا، سرق فكرة مشروع حفر القناة التي تنسب لأتباع سان سيمون ومات محكوما عليه بالسجن في قضية متعلقة بقناة بنما.
كما رأى أن دليسيبس تمكن من أن ينهب نصف الدولة المصرية بخداعه الخديوي سعيد، وكان دليسيبس السبب الأهم في دخول الاحتلال الإنجليزي لمصر عبر قناة السويس، بعد خداعه للقائد أحمد عرابي وإقناعه بفتح القناة لمرور البوارج الحربية الإنجليزية.
وواصل قائلا في تقديمه للندوة التي أقيمت للرد على الأكاذيب التي تطلقها جمعية أصدقاء دليسيبس ضد مصر والمصريين إنه "لا يمكن أن نمجد جلادينا بوضع تمثال دليسيبس في مدخل قناة السويس، فتلك خيانة لكل دماء الشهداء منذ حفر المصريين قناة سيزوستريس وحتى حرب 1973"، مضيفا "لا مانع لدينا أن نضع التمثال في داخل منزل دليسيبس في الإسماعيلية أو في أحد المتاحف، ردا على كل من يزعمون أن إعادة تنصيبه ستأتي بالسائحين".
وفِي كلمته أعرب الدكتور سيد فليفل رئيس لجنة الشؤون الأفريقية بمجلس النواب السابق، عن تعجبه الشديد مما يتم من إجراءات في محافظة بورسعيد لإعادة تمثال دليسيبس في مدخل قناة السويس، قائلا إن وضع التمثال في هذا المكان محاولة خسيسة ودنيئة لإعادته لمكانه القديم بعد أن دمره الشعب المصري.
ونوه فليفل بكفاح الشعب المصري في حفر قناة السويس وقبلها قناة سيزوستريس، مستشهدا بأن الفلاحين المصريين الذين حفروا ترعة المحمودية كانوا إذا أنهكهم العمل بسبب ضعف التغذية، وضعت رؤوسهم في الطين واهيل عليهم تراب الحفر حتى يموتوا، ومن ثم فإن هؤلاء الأجانب لم يفعلوا سوى النهب الاستعماري لمصر، وكان على رأس الأفاقين منهم "هذا الدليسيبس"، وفقا لتعبيره ، واختتم بقوله "نحن مستعدون أن نتخذ جميع الإجراءات الكفيلة بالتصدي لهذا التمثال ولو بأرواحنا".
ورأى فليفل أن من سمات كل حاكم فاشل في تاريخ مصر أن يقبع في داخل البلاد ويستسلم للإملاءات الخارجية، أما من يخرج ويتفاعل مع الخارج يخلده التاريخ على مدار العصور، نظرا إلى أن أمن هذه البلاد يصنع في المشرق البعيد والمغرب البعيد والجنوب البعيد، وعدم تفكير الحاكم في الخارج يجعل مصر لا مكان لها على الخريطة.
مِن جهتها؛ قالت الدكتورة هدى زكريا عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إن تاريخ مصر موضع هجوم اكثر من حدودها.
وقالت زكريا إن كلمة "دليسيبس" رمز للانتصار على التبعية والاحتلال، حيث استخدمها جمال عبد الناصر كإشارة للانطلاق نحو مكاتب قناة السويس لتأميمها.
ولفتت إلى أنه من أمثلة تشويه التاريخ المصري ما شاهدناه في مسلسل يوسف الصديق، عندما وجدنا زليخة امرأة العزيز وهي تعبد الإله آمون على هيئة تمثال، بينما الحقيقة أن مصر لم تعبد أصناما، ولَم تتعرف على الله من خلال التماثيل، بل المصريون هم من صنعوا التاريخ، ولا يمكن أن يتعرفوا على تاريخهم من خلال الكتابات العبرانية له، محذرة من أن هدف العبث بالتاريخ أن ينظر المصريون لأنفسهم نظرة دونية وإحساس بالمهانة.
بدوره، قال الدكتور جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس إن أهالي بورسعيد لم يسمحوا بإعادة هذا التمثال إلى مدخل قناة السويس، لكن "جمعية أصدقاء دليسيبس" لم تترك محافظا إلا وبذلت محاولات لاستدراجه في محاولات إعادة التمثال، وتقوم الجمعية بتقديم رشاوى لبعض العاملين في سبيل ذلك، كما لفت زهران إلى أنه تم في الخفاء ترميم التمثال الذي كان في مخازن هيئة قناة السويس بعد أن دمره المصريون خلال حرب 1956، لتجري إعادته إلى الهيئة التي كان عليها، وتابع: "نحن نتساءل من الذي سمح بترميم هذا التمثال لاستكمال هذه المؤامرة الخفية لمحاولة تزييف الوعي؟".
وأوضح أن هذا التمثال تم تنصيبه في عام 1899 بمؤامرة بهدف إشاعة أن فرنسا لها حق السيادة على قناة السويس، وأنه حتى اليوم ما يزال الصراع مستمرا بين مصر وبين الاستعمار الذي يسعى من أجل إثبات الحق الفرنسي في القناة.
وأشار إلى أن الجمعية الفرنسية المغرضة لها وجود في بورسعيد لتدعيم الثقافة الفرنسية ولديها مدرسة هي الليسيه، وهي تسعى إلى أن تستميل من المحافظين من لديه الجرأة على وضع التمثال مجددا، مشددا على أنه من حق جمال عبد الناصر، الرجل الذي أمم قناة السويس أن يوضع له تمثال بلا حرج في مدخل قناة السويس، فهو صنع إضافة حقيقية لهذا الشعب عندما أسس العدالة الاجتماعية واكتسب ثقة الشعب المصري، وكانت لديه الجرأة لمواجهة الاستعمار لتنتصر مصر في حرب 1956 ويجبر العدوان على الخروج من بورسعيد وتخرج بريطانيا وفرنسا من زعامة النظام العالمي لتحل محلهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، ويتغير النظام الدولي.
وتابع أن مع قدوم كل محافظ يثار هذا الموضوع، ولا ينجح السعي لإعادة تمثال دليسيبس "اللص الحقير المزيف والمطلوب من العدالة الفرنسية حتى وفاته"، وطالب بوضع تمثال عبد الناصر على هذه القاعدة وعدم الخجل من ذلك.
من جهته قال المؤرخ الدكتور جمال شقرا إن الأسرة العلوية نهبت ثروات مصر وخربتها والآن تعمل على تشويه تاريخها، متعهدا بالتصدي لكل محاولات إعادة تمثال دليسيبس.
من جهته قال هيثم طويلة منسق عام حملة أصدقاء قناة السويس المصرية، إن أهل بورسعيد تعودوا على إثارة بناء تمثال ديلسبس كل خمس سنوات على طريقة بالونات الاختبار .
وأضاف أنه تم تجميع مستندات أجنبية موثقة من ديلسبس ذاته وفرنسا تؤكد أن هذا الشخص لا يستحق التكريم ولكن يستحق المحاكمة، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات قانونية وأكاديمية وشعبية بعد صدور قرار من رئيس مجلس الوزراء رقم 446 لسنة 2019 باعتبار تمثال ديلسبس أثرا وتمت إقامة دعوى قضائية استندت لعشرات الوثائق.
وتابع أن جمعية أصدقاء ديلسبس خططت لإعادة تمثال ديلسبس لمدخل قناة السويس يوم 25 أبريل الماضي إلا أن القضية عطلت هذا الأمر.