رمضان في أفريقيا| الصومال.. 100 يوم استعداد و3 وجبات وبطيخ بديل العصير
عبدالرزاق مع أصدقائه
لأنه لا يفصلها عن أرض الشعائر المقدسة سوى بحر، عرفت الصومال الإسلام في سنواته الأولى.
الدولة التي تقف بأقصى شرق القارة السمراء، وسماها الفراعنة "بلاد بونت" أحيانا، و"مصر العليا" شراكة مع اليمن أحيانا أخرى، تمتاز بحدود بحرية طويلة جعلتها أكثر انفتاحا.
تطل على خليج عدن والمحيط الهندي، كانت مطمعا للاستعمار.. الإيطالي والبريطاني والفرنسي، حتى استقلت على دولتين، الأولى حملت الاسم نفسه.. الصومال على الأراضي التي كانت محتلة من إيطاليا وبريطانيا، وجيبوتي.. الأرض التي كانت محتلة فرنسيا، حتى استقلت الاولى عام 1960، والثانية 1977.
الصومال.. تتمتع بموقع مميز للغاية، جعلها أحد أهم مراكز التجارة قديما، وأحد المتحكمبن في أهم ممر مائي حاليا.. قناة السويس.. وارتبط بها الفراعنة ثم العرب بشدة للحصول على البخور والتوابل والمستكة.
كان طبيعيا أن تعرف الإسلام في أعوامه الأولى، لموقعها، ولأنها متداخلة جغرافيا وعرقيا مع الحبشة، لتكون عاصمتها مقديشيو منارة للإسلام على الساحل الشرقي بأفريقيا.
مراحل عدة مرت بها الدولة الأفريقية التي يتنوع سكانها بين أعراق الكوشي، السامي، النيلي، الصحراوي. لغتها الرسمية الصومالية، ومنها لهجة "عفار" التي يتحدثها قطاعات من إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي، وأورومو التي يتحدث بها قطاعات من إثيوبيا وكينيا.
أسس سلطنة عدل كمجتمع تجاري، لتتحول لمبراطورية واسعة، بين 1150 وحتى 1250، لتلعب دورا بالغ الأهمية في التاريخ الإسلامي، وفقا للمؤرخين ياقوت الحموي وعلي بن موسى بن سعيد المغربي.
الإسلام هو الديانة الرسمية، وشريعته هي المصدر الرئيسي للتشريع وفقا للدستور ما بعد الاستقلال. أغلب سكانها يتبعون المذهب الشافعي، مع قلة من الشيعة، ورغم الاستعمار والصراعات الداخلية المتفاقمة وهيمنة فروع الجماعات الإرهابية على مناطق منها وأزماتها مع أثيوبيا وكينيا، إلا أن أهلها مازالوا متمسكة بالعادات العربية والدينية السمحة، أكثر ما تتجلى في الشهر الكريم.
عبدالرازق عبدالعزيز حسن، المولود بمدينة نقال الصومالية، يدرس في تجارة عين شمس منذ 2016، حمل معه من مسقط رأسه مظاهر الشهر المبارك، تبدأ بإعلان وزارة الشؤون الدينية استشارف أولى أيامه.. قبلها بـ100 يوم، حتى يتمكن المواطنون من الاستعداد له.
مع اقتراب موعده، يسارع المواطنون بشراء خزينه.. بخاصة مواد وجباتهم المحببة، وتهيئة المنازل نظافة وبزينة الأنوار المضيئة وتخصيص ركن أشبه بـ"القعدة العربي"، حسب الإمكانيات المتاحة لدى الأسر، ليجتمعوا بها وقت الإفطار واللقاءات العائلية والاستمتاع بالأجواء الروحانية.
مع أول أيام رمضان يتخلل المنازل عبير البخور المشهورة بها بلدهم، وروائح الأكلات الشعبية التي تتصدر المائدة الطعام، على رأسها "عنجيلو" وهو أقرب للـ"كريب".. عجينة تحشى باللحم والخضار وتتشرب بالمرق، وأيضا "السمبوسك" الأكبر حجما والمحشو بالأرز واللحم أو الدجاج.
أذان المغرب يعلن كسر الصيام، لا يعرفون مدفع الإفطار أو الفوانيس. يتناولون، سريعا، البطيخ كبديل عن المشروبات لارتفاع درجات الحرارة، بجانب قطعة أو أكثر سمبوسك، ويتوجهون لصلاة المغرب، وتهيئة المعدة للطعام، الذي يعودون له عقب ذلك، وفقا لـ"حسن".
ويواصل طالب التجارة لـ"الوطن" أن الصوماليون يتهافتون على أداء صلاة التراويح وقراءة وحفظ القرآن بالمساجد والاعتكاف في رمضان، بجانب التنزه في الحدائق والملاهي.
بعد 5 ساعات على الإفطار يتناولون وجبة غداء، غالبا مكرونة مسلوقة مع اللحم أو الفراخ والخضروات، وجبتهم الثالثة.. السحور بطله الـ"فرين"، أشبه بالشوربة ويعادل الزبادي وهو قمح مطحون مخلوط بالمياه، وموز حجمه أكبر وطعمه ألذ مما عرفه "حسن" في القاهرة.
الاستعداد لعيد الفطر، يبدأ الأسبوع الأخير بشراء الملابس الجديدة. يوضح الشاب العشريني: "نشتري للأطفال 3 أطقم، واحد لصلاة العيد والتاني للهو نهارا وثالث لزيارات الأهل والجيرات مساء". يواصل: "فور رؤية هلاله تشتعل السماء بالألعاب النارية بخاصة على شواطئ المحيط والبحر الأحمر، إيذانا بأيام بهجة مميزة".
لاحظ "حسن" أن القاهرة تكاد تفرغ من سكانها في أيام العيد، والسبب هو زيارة الأهل في الأقاليم. في الصومال العكس.. يغادر أهل الأرياف مقار سكانهم لزيارة أهلهم في العاصمة والمدن الكبرى، لقضاء أيام العيد معهم.