على الدين هلال: الإدارة الأمريكية تتعامل مع العرب بنظرية «بص العصفورة».. والنظام الدولى لم يعد له من يحميه
الدكتور على الدين هلال، وزير الشباب والرياضة الأسبق
قال الدكتور على الدين هلال، وزير الشباب والرياضة الأسبق، أستاذ العلوم السياسية البارز إن إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تتعامل مع العرب بنظرية «بص العصفورة» فى محاولة لإلهائهم عن بعض الأمور وشغلهم بأمور أخرى لتمرير ما تريده هى، مشيراً إلى أن «صفقة القرن» ستكون عبارة عن ترضية اقتصادية للفلسطينيين من خلال تقديم أموال إلى المناطق التى سيقيمون بها فى محاولة لإجبارهم على التنازل عن حقوق سياسية فى أراضيهم.
وأكد «هلال» فى حوار لـ«الوطن» أن تنازل مصر عن جزء من أراضيها، كما يحاول أن يروّج البعض أمر مرفوض، كما أن أى حل يقترح حكماً ذاتياً بديلاً عن الدولة سيكون غير مقبول فلسطينياً، موضحاً أن دعم دول الخليج لمصر خلال ثورة 30 يونيو كان أحد أسباب استهداف «مجلس التعاون» كما أن الغرب يعتبر قطر مفيدة له بسبب علاقتها بالجماعات المتطرفة وينظر لها على أنها يمكنها أن تكون قناة خلفية للتفاوض معهم.
أستاذ العلوم السياسية لـ"الوطن": دعم دول الخليج للقاهرة أحد أسباب استهداف "مجلس التعاون".. وعلاقات "الدوحة" بالإرهابيين مفيدة للغرب
وأضاف أن العالم يمر بمرحلة اضطراب عميقة والرئيس الأمريكى «ترامب» يخوض «المعركة الأخيرة» للحفاظ على نفوذ أمريكا، مؤكداً أن دور الجيوش حاسم فى مسار أى حراك شعبى والحاكم يسقط لحظة تخلى القوات المسلحة عن دعمه والناس تنزل الشارع لحظة تساوى الحياة مع الموت، وأشار إلى أن النظام الدولى الحالى لم يعد له من يحميه وروسيا والصين تخوضان «حرباً ناعمة» ضد المصالح الأمريكية وبكين بارعة فى إدارة علاقات جيدة مع الخصوم والأعداء.. وقال إن الرئيس التركى والإخوان احترما الخطين الأحمرين للغرب وتعهدا بعدم المساس بإسرائيل والنظام الرأسمالى، واعتبر أن السودان أقرب للوصول إلى الاستقرار من الجزائر، لكن المراحل الانتقالية فيها مفاجآت، ومن الوارد أن يتحول أصدقاء الأمس إلى أعداء الغد، مشيراً إلى أن ثورة 30 يونيو فى مصر كانت ضربة قاصمة لـ«مشروع أردوغان» وأسقطت أحزاب الإسلامى السياسى وهذا الأمر أربك حساباته وأفقده صوابه.. إلى تفاصيل الحوار:
الأوضاع فى العالم بوجه عام والمنطقة العربية والشرق الأوسط بشكل خاص مضطربة وتزداد اضطراباً.. ما السبب فى تقديرك؟
- العالم دخل مرحلة اضطراب عميقة لم يخرج منها بعد، وهذه المرحلة تلقى بظلالها على الأوضاع الإقليمية والسياسات الخارجية للدول، وجوهر الاضطراب العالمى هو ازدياد الفجوة بين القدرة العسكرية والسياسية للولايات المتحدة وقدرتها الاقتصادية والتكنولوجية التى تدهورت، مع عجز أمريكى مطرد على دفع تكاليف قيادتها للعالم، فبعد الحرب العالمية الثانية امتلكت أمريكا وقتها مصادر القوة الشاملة، تسهم بنحو 50% من الناتج المحلى العالمى، والآن مساهمتها فى حدود 20% فقط وتطاردها الصين، القوى العالمية الثانية، وحالياً أمريكا هى أكبر دولة عليها ديون فى العالم والصين أكبر دائن لها.
العالم يمر بمرحلة اضطراب عميقة والرئيس الأمريكى يخوض "المعركة الأخيرة" للحفاظ على نفوذ بلاده و"واشنطن" صديق غير موثوق به
وهل هذا التراجع هو السبب الرئيسى لسياسات «ترامب» المرتبكة؟
- «ترامب» يعتقد أنه يخوض «المعركة الأخيرة» للحفاظ على هيمنة أمريكا على العالم، وفى سبيل تحقيق ذلك تحلل من التزامات دولية كثيرة، وخرج على القانون الدولى وأصبح متمرداً على النظام الدولى الذى أرسته أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية، فقد انسحب من معاهدة الأمم المتحدة لتجارة الأسلحة التقليدية، واتفاقية الصواريخ النووية متوسطة المدى، ومن اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووى مع إيران، وخرق قرارات صريحة لمجلس الأمن متعلقة بالقدس والجولان، وفرض عقوبات على عدد كبير من الدول، مثل فنزويلا والصين وروسيا، بل وفرض عقوبات على دول أوروبية حليفة لواشنطن، وأمريكا تقول علنا إنها تعتبر روسيا والصين خصوماً لها، فى هذا السياق اهتزت الأنماط التى كانت سائدة فى النظام القديم واختلطت الأوراق وما يجرى فى تركيا مثال جيد لهذا الخلط.
إذن، «ترامب» يسعى لضرب أسس النظام العالمى؟
- النظام الدولى القائم لم يعد هناك من يحميه، فترامب يتمرد عليه والصين وروسيا تسعيان لتغييره ليكون أكثر شمولاً ومشاركة وعدالة، و«بوتين» يدافع عن ديمقراطية النظام الدولى، ويرفض هيمنة الدولة الواحدة، والصين تطرح عولمة بديلة من خلال مبادرة الحزام والطريق وهى تصور آخر لشكل العالم، يشبه مشروع «الاتحاد الأوراسى» الذى يطرحه بوتين. الفرق بين الاثنين أن روسيا تطرح مشروع تعاون نطاقه أوروبا والجزء الذى يعنيها من آسيا، أما الصين فمشروعها يشمل كامل قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا بحكم قدراتها الاقتصادية الأكبر، ولعل أحد أسباب جاذبية المشروع أن الصين تقول لشركائها: «لا شأن لى بالنظم السياسية والاقتصادية التى تتبعونها، المهم المصالح المشتركة»، وهى بارعة فى إدارة علاقات جيدة بين دول خصوم، وأحياناً أعداء مثل علاقات العرب وإسرائيل ومصر وإثيوبيا ولا تقبل أن يطلب منها أحد بأن تنحاز لطرف على حساب طرف ما لم يصب ذلك فى مصلحتها.
قطر دفعت 25 مليار إسترلينى لبريطانيا مقابل حماية أجوائها أثناء كأس العالم.. والعلاقات الدولية فيها ما لا يصدقه عقل
من وجهة نظرك.. كيف تعكس سياسات تركيا نظاماً عالمياً مأزوماً؟
- تركيا عضو فى حلف شمال الأطلسى ولا تريد الخروج منه، لكنها أيضاً حليف لإيران وروسيا فى سوريا وتصطدم بأمريكا حول عدة قضايا منها رغبتها فى شراء منظومة الصواريخ الروسية إس 400، بالإضافة إلى أنها تطمح فى دخول الاتحاد الأوروبى، لكنها تبتز أوروبا باللاجئين، فهى تفتح «الحنفية» وحين تقبض الثمن تعيد إغلاقها بإحكام مرة أخرى، وعلاقتها بروسيا تغيرت 180 درجة، فمنذ 3 أعوام، أسقطت طائرة روسية وأظهرت لها موسكو العين الحمراء وقتها، وبعدها بعدة شهور حوكم الضباط الذين أسقطوا الطائرة بتهمة أنهم تحركوا بدون أوامر وتحولوا من أبطال لمجرمين.
ولماذا أصبحت تركيا «دولة مارقة»، إذا جاز التعبير، عن المعسكرين الغربى والعربى؟
- عندما وصل أردوغان للسلطة عام 2003، نجح فى أن يروج لفكرة الإسلام المعتدل أمام أمريكا، الغريب أنه نجح فى ذلك وفى الأعوام 2011 و2012 و2013 حكمت أحزاب إسلامية الكثير من العواصم العربية، وبدا وكأنه حقق ما أراد، لكن قيام ثورة 30 يونيو فى مصر كان ضربة كبيرة لمشروعه وانعكس ذلك سريعاً على الوضع فى تونس، حيث تراجعت حركة النهضة عن إصرارها على الانفراد بالسلطة، وتتابع بعد ذلك سقوط أحزاب الإسلامى السياسى ومعها حلم أردوغان الذى كان يشعر بأن عامى 2011 و2012 كانا فرصة ذهبية لإنشاء شرق أوسط تلعب فيه تركيا دور الدولة الكبرى، وهذا الأمر أربك حساباته وأفقده صوابه.
أضف إلى ذلك أن تركيا تغيرت لأن أمريكا تغيرت، فعندما سئل أوباما عن الزعماء الذين يثق فيهم اختار 5 من بينهم أردوغان، وهذه العلاقة المميزة لم تعد موجودة، لأن «أمريكا أوباما» ليست هى «أمريكا ترامب»، كما أن محاولة الانقلاب الفاشل فى يوليو 2016 لعبت دوراً كبيراً فى توجهات أردوغان، فطموحات الأكراد فى سوريا والعراق دفعته للتحالف مع أحزاب قومية ما أثر أيضاً على خطابه وجعله أكثر حدة وتشدداً.
روسيا والصين تخوضان "حرباً ناعمة" ضد المصالح الأمريكية.. و"بكين" بارعة فى إدارة العلاقات مع الخصوم.. والرئيس التركى والإخوان تعهدا بعدم المساس بإسرائيل والنظام الرأسمالى
لكن كيف أقنع أردوغان الأمريكان بمشروعه وبدد مخاوفهم من الإسلاميين؟
- أقنعهم بأن إيران المارقة المشاغبة ليست هى الصورة الوحيدة للإسلام وذكّرهم أن المسلمين كانوا حلفاء لهم منذ عام 1953 فى حربهم ضد الشيوعية، وأقنعهم بأن الاعتماد على حكومات ذات توجه إسلامى وذات قبول وشعبية تصل للحكم بانتخابات نزيهة أفضل من الاستمرار فى التعامل مع النظم العسكرية والملكية القائمة وقتها، وأمريكا والغرب كله لديهما خطان أحمران الأول إسرائيل والثانى نظام السوق الحرة، و«أردوغان» طمأنهم أن أحداً لن يمس إسرائيل والنظام الرأسمالى هو خيار هذا التيار، وجماعة الإخوان قبل رحلة صعودها للسلطة فى 2011 قدمت نفس العرض للدول الغربية وكلنا نذكر طبعاً خطاب الرئيس الإخوانى المعزول محمد مرسى لرئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق شيمون بيريز، والذى قال فيه «صديقى العزيز».
وكيف تنظر إلى طبيعة العداء المتزايد بين إيران ومعظم دول الخليج؟
- إيران، مثل تركيا، دولة إمبراطورية ولها طموحات للهيمنة لكن الغرب باع لنا وهم الهلال الشيعى والصراع مع السنة، وهذه فى تقديرى أفكار فاسدة تحول دون التحليل العلمى السليم، والدليل على ذلك هو أننا كيف نتعامل مع إيران من منظور أنها قوة شيعية فى حين أن أقرب حليفين لها هما تركيا السنية وروسيا الأرثوذكسية؟ الأقرب للمنطق أن بين العرب وإيران عداء سياسياً له طابع قومى، لأن القومية الفارسية تسعى للتمدد على حساب المجتمعات الأضعف وتستخدم فى سبيل ذلك عدة وسائل منها الخطاب الطائفى لكنه ليس الخطاب الوحيد، فهى تستخدم أيضاً خطاب معاداة أمريكا وإسرائيل بالحديث عن «الاستكبار العالمى» ويجب أن نتعامل معها على هذا الأساس، أما البعد الطائفى فهو مدخل فاسد لأنه يدخلك فى صراع مع الشيعة فى كل مكان فى العالم ويفتت الوحدة الداخلية لدول المنطقة التى تضم أعداداً كبيرة من الشيعة مثل سلطنة عمان والكويت والمنطقة الشرقية فى المملكة العربية السعودية، ثم إن هذا الحديث يخالف مفهوم الدولة الوطنية، ونحمد الله أننا فى مصر لم ننجرف إليه.
الغرب باع للعالم العربى "وهم الهلال الشيعى" وهذا مدخل فاسد يفتت المنطقة لكن مصر لم تنجرف إليه.. والسودان الأقرب للوصول إلى الاستقرار من الجزائر.. والمراحل الانتقالية فيها مفاجآت ومن الوارد أن يتحول أصدقاء الأمس إلى أعداء
هل تتفق مع من يقول إن المنطقة تشهد ميلاد معسكر يضم قطر وإيران وتركيا مقابل حلف يضم السعودية والإمارات ومصر وتدعمه أمريكا؟
- لا أتفق معهم أو على الأقل أرى أن هذا استنتاج سابق لأوانه، فأنا لا أرى أن أمريكا تدعم السعودية والإمارات، فكيف تدعمهما وتحرجهما بأكثر من طريقة منها العبث والمماطلة فيما يعرف بـ«صفقة القرن» وإهدار الحقوق العربية الثابتة، كما أننى لا أتفق مع وصف المعسكر الآخر بالمنبوذين، لأنه كيف تكون قطر منبوذة بعد هذا القدر الهائل من الصفقات مع الغرب، ومنها دفع 25 مليار أسترلينى لبريطانيا مقابل حماية أجوائها أثناء كاس العالم وتركيا رغم كل خلافاتها ما زالت دولة مهمة فى حلف شمال الأطلسى، وعلى الجميع أن يدرك أن العلاقات الدولية فيها ما لا يصدقه عقل من مفارقات وما يظهر للعيان ليس دائماً هو الحقيقة.
ما توقعاتك لتفاصيل صفقة القرن التى يبشر بها «ترامب» منذ عامين؟
- حتى هذه اللحظة لم تعلن الإدارة الأمريكية رسمياً الخطة لكن كل ما تسرب منها ضلال وإملاق وأتفق مع زميلى الدكتور محمد كمال الذى يرى أن إدارة ترامب تطبق نظرية «بص العصفورة»، حتى تتجه بنظرك نحو عصفورة وهمية، وأثناء إلهائك بشىء غير موجود يقوم هو بعمل شىء آخر، هذا ما يفعله «ترامب» بالحديث الدائم عن قرب إعلان صفقة القرن، أو «عصفورة القرن»، وشغل العرب بالتطلع إليها، وفى نفس الوقت تقوم بتمرير العديد من السياسات الكفيلة بالقضاء على أى مضمون يمكن التفاوض بشأنه، وهو نفس ما ذهب إليه دانيال كارتيزر سفير أمريكا السابق فى مصر عن عنصر الإيهام فى الخطة، وفى رأيى هناك خطوط حمراء لا يمكن لأحد تجاوزها، فأى كلام عن تنازل مصر عن جزء من أرضها مرفوض، فمصر حريصة على حل الدولتين والقدس الشرقية عاصمة لها، وأى حل يقترح شكلاً من أشكال الحكم الذاتى بديلاً عن الدولة مرفوض بداهة من الفلسطينيين، لكن المؤكد أن خطة فى جوهرها عبارة عن ترضية اقتصادية للتنازل عن الحقوق السياسية، من خلال إغراق الفلسطينيين بأموال واستثمارات من دول مانحة فى الخليج وأوروبا تجعل حياتهم، فى المناطق التى ستعطى لهم، رغداً، وهى بهذا تشبه «مشروع جونستون 1953 - 1955» الذى قدمه أيزنهاور أيام عبدالناصر ورفضه العرب، ويبدو أنه أراد أن يمهد لهذا المضمون بضغوط شديدة مثل إغلاق مقر منظمة التحرير فى واشنطن وقطع المساعدات عن منظمة الأونروا، آملين فى دفع الفلسطينيين لليأس بحيث يقبلون أى عرض.
القومية الفارسية تسعى للتمدد على حساب المجتمعات الأضعف.. وآلياتها الخطاب الطائفى ومعاداة أمريكا وإسرائيل والحديث عن "الاستكبار العالمى"
هل تعد ثورتا الجزائر والسودان موجة ثانية للربيع العربى؟
- أى تفسير أو توصيف لما يجرى هناك هو إسقاط لما يريده الباحث، المهم هنا ماذا يقول السودانيون والجزائريون عن أنفسهم؟ الشباب الذى يقود الحراك فى البلدين لا يتحدثون عن ثورة أصلاً ولكن يتحدثون عن تغيير وإصلاح ويفضلون كلمة «حراك» كما أنهم يتجنبون كلمة «مليونية» والمسكوت عنه هو حرص هذا الشباب على قطع الطريق أمام الإسلام السياسى، بل إن «قوى الحرية والتغيير» طالبت بحكومة مدنية انتقالية لمدة 4 سنوات وهدفها الرئيسى فى ذلك استئصال الإسلاميين.
لماذا تطورت الأحداث فى الجزائر سريعاً من مجرد مطالبة بوتفليقة بعدم الترشح لولاية خامسة إلى إسقاط النظام كله؟
- الجزائر بلد غنى لكنه عانى من الفساد، والرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بدأ حكمه عام 1999 بداية قوية، لكن كالعادة عندما يتقادم العهد بالحاكم تنشأ حوله مجموعة مصالح فاسدة خصوصاً مع غياب أدوات الرقابة، فالملاحظ أنه لا أحد يتحدث عن فساد بوتفليقة وإنما فساد أشقائه ومن حوله، والمسألة كلها بدأت بمطلب واحد هو عدم ترشح بوتفليقة لفترة خامسة وعدم الاستجابة لهذا المطلب فجرت غضباً شعبياً ما زالت فصوله تتوالى، فلو كان النظام استجاب لهذا المطلب مبكراً لربما سارت الأمور فى اتجاه آخر، ومن المهم أن نعرف أن النزول للشارع ليس أمراً سهلاً، وما يحدث أن النظام يظل يضغط على الناس يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام وفى لحظة معينة تستوى فيها الحياة والموت، وينفد صبر الناس وينزلون إلى الشارع. وعندما ينزلون تبدأ آليات جديدة تتحكم فى مسار الأحداث أهم هذه الآليات تصاعد المطالب.
الشباب الذى يقود الانتفاضة فى الجزائر والسودان لا يتحدثون عن "ثورة" ولكن عن التغيير والإصلاح ويفضلون كلمة "حراك"
وهل هذا ينطبق على السودان أيضاً؟
- نعم، فقد بدأت الاحتجاجات هناك بمطالب اقتصادية أساسية هى «خبز وبنزين» لكن لم يستجب لهم أحد فتصاعدت المطالب حتى وصلت لإسقاط النظام.
وما الفرق بين مسار الأحداث فى البلدين؟
- الحراك السياسى فى الجزائر ليست له قيادة أو على الأقل لم تظهر له قيادة بعد لأن الأحزاب التقليدية كانت بشكل أو بآخر موالية للنظام والجيش الآن يتفاوض مع من تبقى من هذه الأحزاب، وشباب الحراك لم يلجأوا لأسلوب الاعتصام الثابت إنما النزول كل يوم جمعة والمغادرة بعد عدة ساعات مع التأكيد على الطابع السلمى.
أما من قاد الحراك فى السودان فهو تجمع المهنيين أى النقابات، وهى من القوى المدنية الحديثة تمييزاً لها عن الأحزاب التقليدية، «الأمة والاتحاد»، وهؤلاء قرروا فى لحظة حاسمة الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش وفتح لهم أحد الضباط الأبواب حماية لهم وكانت هذه نقطة القطيعة بين الجيش والبشير فالجيش لم يتقبل فكرة فتح النيران على الشعب وبدأ يعتبر الرئيس عبئاً عليه فغسل يده منه، والجيوش الوطنية، فيما عدا الجيوش العقائدية أو القبلية، لا تضرب الشعب بالرصاص.
وأى من البلدين مرشح للوصول للاستقرار بشكل أسرع؟
- فى السودان هناك طرف يمكن التفاوض معه، ما يجعل الموقف هناك أقرب للحل من الجزائر، لكن المراحل الانتقالية فيها مفاجآت والذين اتحدوا بالأمس قد يختلفون فى الغد، أضف إلى ذلك أنها بطبيعتها مراحل صعبة فالفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس العسكرى الانتقالى قال إن القوى السياسية قدمت لهم «أكثر من 100 رؤية» للعبور من المرحلة الانتقالية، وحين تسمع للمتظاهرين، تعرف أنهم ثاروا لأنهم يريدون تلبية احتياجاتهم الاقتصادية الأساسية أى يجدون كلاً من فرصة عمل ومسكن مناسب وأكل وشرب وكهرباء ووقود، لكن يبقى السؤال إلى أى حد يمكن أن يؤدى الإطاحة بنظام مستبد وإقامة نظام ديمقراطى إلى تحقيق هذه المطالب؟ هذه المطالب مرتبطة بعوامل هيكلية أخرى مثل حجم الاستثمار ومهارات العمالة ومستوى البنية التحتية وكفاءة أجهزة الدول، ما يعنى أن تحقيق هذه المطالب مهمة صعبة أمام الحكم الجديد.
كيف تفسر موقف الدول الكبرى من الأزمة القطرية أو بمعنى أدق خلاف الرباعى العربى مع الدوحة؟
- لم تؤيد دولة كبرى واحدة موقف الرباعى العربى من قطر، وهذا يعنى أمرين أولهما أن هذه الدول تدير سياساتها وفقاً لمصالحها المباشرة غير معنية بالتأثير السلبى والضار لسياسات قطر بجيرانها، والأمر الثانى أنها لا يعنيها إضعاف دول مجلس التعاون الخليجى، بل ربما يكون ذلك هدفاً لها.
ولماذا تسعى لضرب مجلس أسهمت فى تأسيسه لاحتواء الخطر الإيرانى؟
- هذا ما أقوله إن العالم تغير، وهذه الدول تريد ضرب آخر «تجمع ملصّم نفسه»، تحسباً لأى ضرر قد يسببه لمصالحها مستقبلاً، ولا تنس أن السعودية والإمارات خالفت أمريكا بدعم ثورة 30 يونيو 2013 وأمريكا لا ترد بالضرورة فى نفس اللحظة لكنها مع إدراكها أن هذه الدول يمكن أن يكون لها القدرة على تعطيل سياساتها قررت فيما يبدو إضعاف المجلس.
هل دعم بعض دول مجلس التعاون لمصر سبب استهدافه؟
- أحد الأسباب وليس كل الأسباب فهم يريدون إضعاف مجلس التعاون من باب أنه «قد يزعجنا فى يوم من الأيام» لذلك يفضلون وجود قطر كبؤرة خلاف، ثم إن الدوحة تلعب دوراً مفيداً لهم من خلال صلاتها القوية بالجماعات المتطرفة ما يمكنها من أن تكون قناة خلفية للتواصل معهم.