انتقادات واسعة لأردوغان بعد "إعادة انتخابات إسطنبول": ديمقراطية زائفة
أردوغان
بدأت الانتخابات المحلية التركية التي أجريت في نهاية مارس الماضي، كحالة استفتاء على شعبية أردوغان في ظل تراجع أداء حكومته اقتصاديا، ودخول الاقتصاد التركي في حالة ركود هي الأولى منذ أكثر من عقد، لتتحول في نهاية المطاف بعد قرار إعادتها إلى آخر انتخابات ذات مصداقية في تركيا، بعد أنّ حقق الرئيس التركي توعداته وتهديداته بتعيين رؤساء بلديات من حزبه، حتى إذا فازت المعارضة بهذه البلديات.
لم يعد النظام التركي يراعي صورته في الخارج، ولا يشغل باله بتجميل ما كان يُطلق عليه "النموذج الديمقراطي التركي"، ففي ظل العزلة الإقليمية والدولية التي يعاني منها نظام العدالة والتنمية والارتباط الداخلي والخارجي الذي هوى بسمعة النظام إلى الحضيض، بات قرار مثل إعادة الانتخابات في المدينة التي فازت بها المعارضة، قرارا عاديا بل خرج أردوغان للدفاع عنها، متجاهلا الانتقادات الداخلية والخارجية لهذه الخطوة التي أوصلت نظامه لحافة الجنون وخيانة كل المبادئ الديمقراطية حسب ما وصفته المعارضة.
وقرر نظام الرئيس التركي إعادة الانتخابات البلدية في مدينة إسطنبول، كبرى المدن التركية التي يقال عنها في السياسة التركية، "من يحكم إسطنبول يحكم تركيا"، إذ ألغى أردوغان نتائج الانتخابات التي جرت في نهاية شهر مارس الماضي، ما أثار انتقادات واسعة من جانب المعارضة والدول الأوروبية التي أكدت أنّ تركيا لم تعد شريكا بعد للاتحاد الأوروبي.
وعلى خلاف الجميع رحب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقرار إلغاء نتائج الانتخابات التي جرت في إسطنبول، معتبرا أنّ خطوة إعادة الانتخابات "مهمة نحو تعزيز الديمقراطية" في البلاد، وذلك خلال كلمة له أمام أعضاء الكتلة البرلمانية لحزبه اليوم، معتبرا أنّ انتخابات إسطنبول شابها "فساد منظم"، كما انتقد أردوغان رجال أعمال عبروا عن رفضهم قرار إعادة الانتخابات البلدية في مدينة اسطنبول.
وبدأ حزب العدالة والتنمية مسلسل الانقلاب على الديمقراطية، بمجرد ظهور المؤشرات الأولية، ليؤجل ظهور النتائج في محاولة للتلاعب بها، لكن بعض مندوبي الحزب الذي نشروا صور عملية الفرز المعتمدة داخل حواسيب العدالة والتنمية، أظهرت اعتراف الحزب بداية بالهزيمة، ليفاجئ المشهد لاحقا بالطعن في نتائج الانتخابات، زاعما "وقوع مخالفات" أدت إلى فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو، الذي وصف قرار إعادة الانتخابات بأنّه "خيانة"، بعد أنّ كان قد أعلن فوزه في أبريل الماضي.
وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية، نظمت احتجاجات في المدينة عقب إعلان إعادة الانتخابات في 23 يونيو، وتجمع المئات من سكان إسطنبول في عدد كبير من أحياء المدينة يقرعون الأواني ويرددون هتافات ضد الحكومة، وأثار القرار انتقادات دولية عديدة، وذكر البرلمان الأوروبي أنّ قرار إعادة الانتخابات البلدية في إسطنبول يقضي على مصداقية الانتخابات الديمقراطية في تركيا.
ونقلت "بي بي سي" عن رجب أوزيل، أحد مندوبي حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية، أنّ قرار إعادة الانتخابات جاء نتيجة لوجود عدد من المسؤولين غير المدنيين أثناء العملية الانتخابية، كما كانت بعض أوراق الاقتراع غير موقعة، لكن أونورسال أديجوزيل، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، قال إنّ القرار يظهر أنّه "من غير القانوني أنّ يفوز أحد على حزب العدالة والتنمية".
وكتب أديجوزيل عبر حسابه على "تويتر"، واصفا القرار بأنّه "دكتاتورية واضحة". وأضاف: "النظام الذي يرفض إرادة الشعب ولا يحترم القانون لا يمكن أنّ يكون ديمقراطيا أو شرعيا".
وفي خطاب نُشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أدان إمام أوغلو قرار لجنة الانتخابات، قائلا إنّها خاضعة لتأثير الحزب الحاكم، وتابع: "لن نقبل المساومة على مبادئنا، فهذه البلاد بها 82 مليون وطني سوف يقاتلون حتى اللحظة الأخيرة من أجل الديمقراطية".
وانتقد ساسة ألمان قرار إلغاء نتائج انتخابات إسطنبول، وذهبت رئيسة قائمة الحزب الليبرالي للانتخابات الأوروبية إلى أنّ "تركيا لم تعد شريكا للاتحاد الأوروبي"، حسب ما ذكرت شبكة دويتش فيله الألمانية، التي لفتت إلى أنّ القرار اثار حالة غضب واسعة، وأعربت كلاوديا روت، نائبة رئيس البرلمان الألماني "البوندستاج"، وعدد من الساسة الألمان من أحزاب المعارضة عن غضبهم حيال قرار لجنة الانتخابات التركية بإلغاء نتيجة انتخابات بلدية إسطنبول وإعادتها في الشهر المقبل.
كما وجّهت المرشحة الرئيسية للحزب الديمقراطي الحر "الليبرالي" للانتخابات الأوروبية، نيكولا بير، انتقادات لقرار لجنة الانتخابات، وكتبت بير على "تويتر": "أردوغان لا يقبل بالهزيمة، وبالتالي فإنّ تركيا لم تعد شريكا للاتحاد الأوروبي".
ووصفت ألمانيا اليوم الثلاثاء قرار السلطات التركية القاضي بإعادة انتخابات بلدية إسطنبول، بعد أنّ خسرها الحزب الحاكم بـ"غير المفهوم".
من جانبه، قال كرم سعيد الباحث في الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إنّ قرار إعادة الانتخابات تحمل عدة دلالات، وأولها انهيار النموذج التركي الذي كان محل اعتبار من القوى الدولية والإقليمية، ورغبته المستمرة في تفصيل المشهد السياسي حسب رغباته في النفوذ والحكم المنفرد، ومواصلة النهج العقابي والإقصائي ضد المعارضة وتسخير مؤسسات الدولة ومقدراتها لصالح بناء نفوذ خاص لأردوغان وحزب العدالة والتنمية، وتكريس حكم الفرد، وتلك القرارات تعني أيضا أنّ كل الانتقادات والتوبيخات التي تعرضت لها تركيا خلال الفترة السابقة هي في محلها وصحيحة.
وتابع: "رد الفعل التركي على هذه الانتقادات مجرد محاولة فاشلة لتصدير صورة زائفة عن النظام، وهناك سيناريو واحد وهو حسم هذه الانتخابات لصالح حزب العدالة والتنمية، ولا يمكن أنّ يكون لديه نية لإجراء انتخابات تعيد المعارضة من جديد، ومنذ بداية إعلان نتائج الانتخابات، كل التصريحات كانت في اتجاه إعادة الانتخابات ليفوز مرشح العدالة والتنمية، ما يعني وجود إصرار على الإقصاء والإمساك بكل مفاصل الدولة التركية، ومصادرة إرادة الناخب التركي وتجريده من حقه الانتخابي وصوته الحر".