جنود الاستفتاء المجهولون.. قاضٍ وشرطى وموظف ومسعف: «عملنا اللى علينا»
رشا محظوظ.. قاضى لجنة مدرسة السلام ببولاق أبوالعلا
ثلاثة أيام من العمل المتواصل، التزام صارم واهتمام شديد، من بداية فتح اللجان وحتى إغلاقها، يأتى المصوِّتون ويرحلون بينما هم فوق المقاعد تارةً وحول اللجان تارةً أخرى يقومون بدورهم دون كلل أو ملل، فقط يرغبون فى أن تمر الأمور بسلام، وينتهى التصويت بخير.
13 ساعة عمل متواصلة فى اليوم الواحد على مدار ثلاثة أيام، تجلس سحر محمد، مشرف من وزارة العدل، لمساعدة المواطنات بلجنة السيدات بإحدى لجان دائرة بولاق أبوالعلا، تجيب عن استفساراتهم وتتابع خطوات الإدلاء بأصواتهن فى التعديلات الدستورية: «فيه ناس بتيجى مش فاهمة المفروض يعملوا إيه بنشرح ليهم»، بذلت السيدة الأربعينية جهداً مضاعفاً فى شرح المواد وتبسيطها للعديد من المصوِّتين، خاصة كبار السن: «فيه ناس جاية تنتخب الريس». تأتى يومياً من المريوطية فى الثامنة صباحاً وتغادر فى التاسعة والنصف مساء، مؤكدة سعادتها رغم الإرهاق «كله يهون عشان البلد» تقولها بينما تمارس عملها من ملء بيانات المواطنين والتأكد من هوياتهم وتسجيلها فى الكشوف، انتهاء بتوقيع قاضى اللجنة.
وسط مجموعة كبيرة من رجال الشرطة والجيش أمام لجنة مدرسة «المحمدية» فى الدرب الأحمر وقفت رحمة إمام، عريف شرطة، تقوم هى الأخرى بدورها فى تأمين وتفتيش اللجنة: «دورى هو تأمين اللجنة من حيث تفتيش السيدات إن كنَّ فى حاجة للأمر، ومساعدتهن إذا كنَّ من كبار السن فى الدخول إلى اللجنة، والإجابة عن أى استفسار بخصوص العملية الانتخابية».
تتحدث ثم تذهب للإجابة عن أسئلة إحدى السيدات بخصوص موعد التصويت، بدأت «رحمة» العمل من خلال مستشفى الشرطة بمدينة نصر، ليست هذه هى المرة الأولى لها التى تشارك خلالها فى تأمين عملية الانتخابات، فقد شاركت من قبل فى تأمين الانتخابات الرئاسية الأولى عام 2014 بإحدى اللجان فى منطقة روض الفرج.
لا تنكر العريف الشابة حالة الخوف من جانب أسرتها خلال مشاركتها فى العمليات الميدانية، لكنها من ناحيتها تتفهَّم هذا الخوف: «فى النهاية الأهل هم الأهل، القلق والرغبة فى حماية أولادهم بأى ثمن، ومع ذلك هم يشجعوننى دوماً فى عملى». وقوف متواصل على قدمَيها، من التاسعة صباحاً وحتى التاسعة مساء، لم يمنعها من الاهتمام بمظهرها كى تبدو بشكل لائق أمام الجمهور: «ليس معنى أن المرأة تعمل فى قطاع حيوى ومهم مثل الشرطة أن تُهمل نفسها أو شكلها، بل على العكس عليها أن تبدو بمظهر معتدل دوماً، لكى تكون مثالاً للتوازن المطلوب فى حياة المرأة المصرية، وأن يدرك مَن يتعامل معها ذلك الأمر».
أكثر ما أثار تعاطف «رحمة» خلال أيام الاستفتاء على التعديلات الدستورية، السيدات العجائز اللائى قررن النزول رغم المتاعب للإدلاء بأصواتهن رغم ظروف مرضهن القاسية: «فيه ستات كبار جداً فى السن بيكونوا عدّوا الـ70 والـ 80 سنة، ورغم الأمراض المزمنة اللى أصيبوا بيها وعدم قدرتهم على الحركة، إلا أنهم بيصمّموا على القدوم إما لوحدهم أو بمساعدة ذويهم». تُشرف رشا محظوظ، القاضية بمحكمة استئناف القاهرة، على لجنة السيدات بإحدى لجان الاستفتاء على التعديلات الدستورية ببولاق أبوالعلا، على مدار ثلاثة أيام، تصل ساعات عملها فى اليوم الواحد إلى ١٣ ساعة وأكثر، خاصة بعد إلغاء فترة الراحة فى آخر يومين. مهام ليست من اختصاصها كمشرف عام، لكن الأمر كان مقبولاً بالنسبة لها من أجل خدمة الوطن بمساعدة موظفى اللجنة: «فيه ناس بتجيلى مطلّعة أرقامها الانتخابية غلط، بادخل على الموقع وأجيب لها الرقم الصحيح، لازم نرشدهم ونسهَّل الدنيا عليهم».
تحكى أن هذه ليست المرة الأولى التى توجد فيها داخل منطقة شعبية: «الجهل للأسف مش قراية وكتابة، الناس ما عندهاش وعى، رُحت الشرقية ونجع حمادى وقنا، للأسف عندنا مشكلة وعى محتاجين نحلها».
يقفون بملابسهم الحمراء المميزة أمام اللجان بمنطقة الزمالك، إسعاف الناخبين والحفاظ على أرواحهم مهمتهم الأولى، أحمد عزت، مسئول فرق التدخل أثناء الطوارئ بفريق الهلال الأحمر المصرى، والذى يوجد وفريقه على مدار ١٢ ساعة كاملة أمام اللجان بالمنطقة. على مدار ثلاثة أيام مدة الاستفتاء، قام الفريق بإنقاذ بعض الناخبين ممن أصيبوا بحالات تمزُّق بالأربطة أو إنهاك حرارى: «دى أكتر الإصابات اللى تعرض ليها عدد قليل جداً من الناخبين، لكن عموماً العملية الانتخابية مشيت بشكل طبيعى جداً ومنظم».
حالة من اليقظة تتواصل طوال ساعات الاستفتاء بفضل تقسيم العمل: «بنعمل شيفتات، كل ٦ ساعات شيفت جديد عشان نفضل بنفس حالة النشاط طول اليوم، ونقدر نساعد الناس وإحنا فى أفضل طاقة عندنا». وبحسب «عزت»، فإن الفريق يتكون من مسعفين وعربة إنقاذ: «الفريق مش كله أطباء، فيه متطوعين مدرَّبين على الإسعافات الأولية».