نيفين مسعد: المادة 102 من الدستور الجزائرى تطيح بالرئيس «بوتفليقة» وفرص الإسلاميين ضعيفة.. والشعب لن يسمح لهم بـ«ركوب الموجة»
الدكتورة نيفين مسعد
قالت المدير العام السابق لمعهد البحوث والدراسات العربية، أستاذ النظم السياسية بجامعة القاهرة الدكتورة نيفين مسعد إن الوضع فى الجزائر تأزم مع إصرار الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على تطبيق خريطة طريق، تبدأ بحوار وطنى ثم تعديلات دستورية فانتخابات رئاسية، قبل انسحابه من المشهد.
رئيس "البحوث والدراسات العربية" السابق: 4 سيناريوهات لحل أزمة الجزائر.. أخطرها "الفوضى" و"التدويل" وأفضلها "خروج آمن وحكم انتقالى"
وأضافت «مسعد» أننا الآن أمام 4 سيناريوهات، أولها أن يتولى رئيس مجلس الأمة السلطة إعمالاً لنص المادة ١٠٢ من الدستور، أو خروج بوتفليقة ورجاله خروجاً آمناً، ليشكل الحراك الشعبى مجلساً انتقالياً للحكم، أو تمسك كل طرف بموقفه حتى يفاجأ الجميع باختفاء الرئيس دون اتفاق، وتندلع الفوضى ويضطر الجيش للنزول للشارع، وأخيراً سيناريو تدويل الأزمة وهو الأسوأ.
وأوضحت «مسعد»، فى حوارها لـ«الوطن»، أن معضلة الحزب الحاكم تتمثل فى أنه ما زال يستمد شرعيته من حرب التحرير، وهذا المصدر لم يعد كافياً لتبرير احتكاره للسلطة.. إلى نص الحوار:
كيف ترين الموقف الآن بعد مطالبة قايد صالح، رئيس أركان الجيش الجزائرى، بإعمال المادة ١٠٢ من الدستور، أى عزل الرئيس عملياً؟
- بداية، تنص المادة ١٠٢ من الدستور على أنه فى حال مرض رئيس الجمهورية، يحل محله رئيس مجلس الأمة لمدة ٤٥ يوماً، فإن استمر المرض بعد هذه المدة يتم إعلان شغور منصب الرئيس بالاستقالة، وبإعلان استقالة الرئيس يتولى مهام السلطة رئيس مجلس الأمة لمدة ٩٠ يوماً تنظم خلالها الانتخابات الرئاسية. لكن لأن المدة الباقية لـ«بوتفليقة» فى السلطة (حتى يوم ٢٧ أبريل القادم) أقل من ٣٠ يوماً، فإن انتظار مرور ٤٥ يوماً حتى يتم الإعلان عن شغور منصب الرئيس لا تنطبق، وبالتالى فإن المطروح من الآن هو إعلان استقالة «بوتفليقة»، وتولى رئيس مجلس الأمة ٩٠ يوماً تنظم فيها انتخابات رئاسية.
أما بالنسبة لموقف الجيش، فقد تصرف كما تصرف فى كل الأزمات السياسية السابقة، حيث لم يحكم بنفسه، لكنه تحكم فى اختيار صيغة الحكم. وفى الأزمة الحالية شهد آخر بيان لرئيس الأركان تغييراً فى لهجته يوحى بتفهّمه مطالب الحراك، الذى دعا الجيش للوقوف إلى جانبه. لكن من المهم أيضاً أن ندرك أن الصيغة المطروحة بإعمال المادة ١٠٢ دستورية من حيث مضمونها، لكنها غير دستورية من حيث مصدرها، لأن الجيش ليس له دور سياسى. واقع الأمر أن الوضع فى الجزائر تأزم وأصبح أكثر غموضاً مع إصرار الرئيس على تطبيق خريطة طريق، تبدأ بحوار وطنى، ثم تعديلات دستورية فانتخابات رئاسية، قبل انسحابه من المشهد. وهو ما ترفضه المعارضة.
النظام يريد إدارة المرحلة الانتقالية بنفسه.. والحراك يريد حلاً سياسياً وليس دستورياً فحواه استقالة "بوتفليقة" وتولى مجلس حكم السلطة لفترة يضع خلالها خارطة طريق للمرحلة المقبلة
وهل يمكن أن يرحب الشارع بتفعيل المادة 102؟
- لا، لسببين، الأول أنها تسلم السلطة لأحد أركان نظام الرئيس بوتفليقة، والثانى أن رئيس مجلس الأمة الحالى، أى عبدالقادر بن صالح، توجد عليه -هو شخصياً- ملاحظات، منها التشكيك فى أنه من أصول مغربية. ولذا أرجح عدم توقف المظاهرات وتمسك الحراك بحل سياسى وليس دستورياً، بمعنى استقالة «بوتفليقة» وتولى هيئة رئاسية أو مجلس حكم، يمثل الحراك، السلطة، على أن يضع هذا المجلس خارطة طريق للمرحلة القادمة. وهذا الحل سيكون بعيداً عن الجيش إلا لو تم إشراك أحد جنرالات الجيش فى الهيئة الرئاسية، مما يضمن أن يشرف الجيش على العملية الانتقالية.
إذاً ما السيناريوهات المحتملة لتطور الأزمة هناك؟
- تفرض التطورات الجزائرية المتلاحقة تعديلاً فى السيناريوهات المتصورة بناء على توازنات القوة فى الداخل ومواقف الأطراف فى الخارج. وفى حدود المنظور يمكن القول بوجود أربعة سيناريوهات ممكنة، السيناريو الأول هو أن يتولى رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح السلطة إعمالاً لنص المادة ١٠٢ من الدستور التى تنظم الأوضاع فى حالة عجز الرئيس عن أداء مهامه، لكن هذا السيناريو لا يقبل به الحراك الشعبى لأسباب مختلفة، منها ما يتعلق بالتحفظ على شخص بن صالح. والسيناريو الثانى هو خروج بوتفليقة ورجاله خروجاً آمناً بينما يشكل الحراك مجلساً للحكم على شاكلة المجلس الأعلى للدولة الذى حكم الجزائر بين عامَى ١٩٩٢ و١٩٩٤، وهذا السيناريو وارد لكنه يتطلب توافق الحراك الشعبى على آلية لتشكيل مجلس الحكم الذى يدير المرحلة الانتقالية، بدءاً من تنظيم الحوار الوطنى، مروراً بتعديل الدستور، وانتهاء بإجراء الانتخابات الرئاسية. السيناريو الثالث هو أن يستمر التأزم الحالى حتى يُفاجأ الجميع باختفاء بوتفليقة من المشهد دون الاتفاق على ترتيبات خلافته، هذا السيناريو قد يؤدى لتفجير التناقضات داخل مؤسسات الدولة وإشاعة الفوضى، خاصة مع احتمالات وجود مندسين فى الحراك، ويترتب على ذلك إعلان حالة الطوارئ ونزول الجيش إلى الشارع. والسيناريو الرابع والأخير هو سيناريو التدويل وهو الأسوأ على الإطلاق.
لو لم يترشح "بوتفليقة" للعهدة الرابعة لاحتفظ بصورته البراقة كمجاهد أخرج بلاده من "العشرية السوداء" بالمصالحة الوطنية والوئام المدنى
وما لب الخلاف بين المتظاهرين والنظام إذا كان كلاهما يسعى لتأجيل الانتخابات؟
- يوجد اختلافان أساسيان بين الطرفين، الاختلاف الأول هو أن النظام يريد أن يدير المرحلة الانتقالية بنفسه وأن يُخضعها لإشرافه، فى حين أن الحراك الشعبى يصر على إخراج كل أركان النظام من المشهد السياسى وألا تكون لهم أى علاقة بإدارة المرحلة الانتقالية، وهنا نلاحظ أن مطالب الحراك قد تطورت بمرور الوقت، فبعد أن كان الحراك يحصر مطالبه فى عدم ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة لم يعد يقنع بذلك، وأصبح يطالب بألا يتدخل النظام فى صياغة مستقبل الجزائر. الاختلاف الثانى، وهو مرتبط بالأول، أن بوتفليقة لم يحدد أى سقوف زمنية لخارطة الطريق التى طرحها فى الرسالة التى أعلن فيها عن سحب ترشحه. ولقد اعتبر الحراك الشعبى أن هذا يعنى التمديد للولاية الرابعة بشكل غير دستورى، لأن الدستور لا يعرف التمديد للرئيس إلا فى حالة الحرب.
وما سبب غضب الشارع من الرئيس بوتفليقة؟
- لو أن بوتفليقة لم يترشح للعهدة الرابعة التى شهدت التدهور فى حالته الصحية لكان احتفظ بصورته البرّاقة كمجاهد قديم فى حرب التحرير الوطنى، والرجل القوى الذى أخرج الجزائر من العشرية السوداء بالمصالحة الوطنية والوئام المدنى، لكن الإصرار على وجود بوتفليقة على قمة النظام رغم مرضه، وإدراك الشعب الجزائرى أن هناك أطرافاً أخرى هى التى تقرر وتُسيّر الأمور وتصنع السياسات هو الذى فجّر غضب الشارع، يساعد على ذلك الاستشراء الكبير لظاهرة الفساد السياسى فى الجزائر، والربط بين هذه الظاهرة وبين بعض المحيطين بالرئيس بوتفليقة.
ما الأسباب التى دفعت النظام إلى التشبث برئيس مريض وعاجز؟
- إنها المصالح الكبيرة التى تحققها الأطراف المختلفة بوجود بوتفليقة رمزاً للحكم فى الجزائر. وهنا يجب أن نذكر نقطتين، النقطة الأولى هى أن هناك صراع مصالح بين عدة أجنحة فى الجزائر هى: أسرة الرئيس بوتفليقة (وبالأساس أخواه سعيد وناصر)، والجيش الجزائرى، والمخابرات الحربية، ورجال الأعمال. والنقطة الثانية هى أنه رغم الإقرار بهذا الصراع فإن بقاء بوتفليقة على رأس السلطة يحافظ على حد أدنى من المصالح لكل الأجنحة التى لا تعرف بالضبط ماذا ستكون عليه توجهات الرئيس الجديد إن ذهب بوتفليقة، ولذلك فإنها تستميت فى الدفاع عنه ريثما تتوصل لشخص تتوافق عليه فيما بينها.
لا أتوقع أن يرحب الشارع بتفعيل هذه المادة لأنها تعيد السلطة للنظام القائم.. وهناك إصرار على إخراج كل أركان السلطة الحاكمة من المشهد السياسى
وهل هذا هو سبب الإقالات المفاجئة لبعض الشخصيات النافذة فى الدولة أو الجيش مؤخراً؟
- كما قلت هناك صراع بين عدة أجنحة فى الجزائر، وهذا الصراع يؤدى إلى محاولة كل طرف تحجيم وضع الأطراف الأخرى. بدت ذروة هذا الصراع فى عام ٢٠١٥ عندما تمت تنحية الجنرال محمد مدين، الذى كان يُعرف إعلامياً بالجنرال توفيق، هذا الرجل كان من القوة إلى الحد الذى وصفته مجلة جون أفريك بأنه «إله الجزائر»، وفعلاً خرج الرجل رسمياً من المشهد السياسى منذ إقالته، لكن نفوذه متغلغل فى البيروقراطية والمخابرات وغيرها من الأجهزة. ومثل هذا النموذج فى التعامل مع كل مركز من مراكز القوة، خذ عندك سعيد بوحجة رئيس المجلس الشعبى الوطنى الأسبق الذى مُنع من دخول المجلس بالجنازير، وعبد المجيد تبون رئيس الوزراء السابق الذى أطيح به بعد اصطدامه برجال الأعمال، وهكذا.
لكن لماذا تفضّل رؤوس هذه الأجنحة البقاء فى الصفوف الخلفية بدلاً من تصدر المشهد؟
- لأن هذا يجعل الشخص الموجود فى الواجهة هو الذى يتحمل المسئولية فى حالة الفشل، بالإضافة إلى أن هناك بعض الأشخاص لا يصلحون إلا لأداء الدور الثانى، وهم يجيدون هذا الدور تماماً، أما إذا تقدموا للواجهة فإنهم لا يحققون نفس النجاح.
لكن أليس مقبولاً فى الجزائر أن يملأ وزير الدفاع فراغ السلطة لحين عقد الانتخابات؟
- لقد أرسى الجيش الجزائرى تقليداً معيناً قوامه عدم ممارسة السياسة بنفسه مع البقاء على أهبة الاستعداد فى الوقت نفسه لتصحيح المسار السياسى إذا لزم الأمر، فالجيش الجزائرى صانع الرؤساء دون أن يجلس فى مقاعدهم، ولقد كان الجنرال اليمين زروال هو آخر من تولى منصب الرئيس فى الفترة من ١٩٩٤ حتى ١٩٩٩، أى منذ انتهاء تجربة القيادة الجماعية ممثلة فى المجلس الأعلى للحكم التى استمرت من ١٩٩٢ حتى ١٩٩٤، ثم جرى انتخاب الرئيس بوتفليقة فى عام ١٩٩٩.
إذاً نحن أمام معارضة ضعيفة وحزب حاكم معزول ومأزوم؟
- بالفعل، فلا الحزب الحاكم نجح فى إعداد بديل لبوتفليقة، ولا الحراك الشعبى نجح فى تقديم كوادر أو بدائل قادرة على تصدر المشهد السياسى، وهو يكتفى بإعلان رفضه لبوتفليقة ونظامه.
لكننا لم نلحظ أى بوادر تعبر عن رغبة التيار الإسلامى فى استغلال اللحظة؟
- فى اللحظة الراهنة، وفى إطار الحراك الشعبى، نعم لا تظهر هذه البوادر، خصوصاً أن الشعب الجزائرى رأى وسمع عن تجارب حكم الجزائريين فى دول الربيع العربى وما تسببت فيه من أزمات سياسية طاحنة، وبالتالى فإنه لن يسمح للإسلاميين بركوب الموجة الاحتجاجية. لكن هذا لا يمنع من أن تتطلع هذه التيارات لحكم الجزائر فيما بعد.