صحف غربية: الإرهاب اليميني خطر داهم.. ويتبنى منهج داعش
الحادث الارهابي في نيوزيلندا
أبرزت الصحف العالمية حالة الهلع التي سيطرت على الجاليات المسلمة في الدول الغربية بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجدين للمسلمين في نيوزيلندا، ووصف الصحافة البريطانية "الإرهاب اليميني" بأنه بات يمثل خطرا بالغا على أوروبا، ما يستوجب مواجهة حاسمة، فيما اعتبرت الصحافة الأمريكية أن الحادث أظهر عنصرية الجنس الأبيض البغيضة، وتجاهلت بعض الصحف الغربية وصف الهجوم بالإرهابي حيث وضعته في إطار "حادث إطلاق نار".
وسلطت الصحافة الغربية الضوء على التهديدات الأمنية التي مثلها الحادث لكل العواصم الغربية واستجابة العديد من البلدان للحادث بتعزيز الحماية الأمنية للمساجد والتأهب الأمني لاحتمالية وقوع أحداث مشابهة، فضلا عن التدابير الواجب اتخاذها والقرارات المتخذة والمطلوبة لمواجهة انتشار الأسلحة الآلية ونصف الآلية القادرة على إسقاط هذا الكم من الضحايا في عملية إرهابية واحدة.
وأفردت الصحف البريطانية الكبرى مساحات كبيرة وخصصت افتتاحيات لتناول الهجومين المروعين على المسجدين في مدينة كرايست تشيرتش في نيوزيلندا.
وتكاد تقارير الصحف وكتابها والمحللون الذين أسهموا بمقالات فيها يجمعون على أن "الإرهاب اليميني" بات خطرا داهما يهدد الغرب ما يستدعي مواجهة حاسمة، بحسب تقرير لهيئة الاذاعة البريطانية.
كما ظهر إجماع على أن شركات التكنولوجيا العملاقة لا تفي بواجباتها في الحيلولة دون استغلال وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لأفكار اليمين المتطرف.
ونبه جيسون بروك، في الجارديان، إلى أن إرهاب اليمين المتطرف كان في تصاعد في العقد الأخير من القرن العشرين.
ويقول، في مقال تحليلي، إن "إرهاب اليمين المتطرف" يشبه من حيث الأصول التطرف الإسلامي"، غير أنه يعتقد بأن إرهاب اليمين أكثر تهديدا، وضرب عدة أمثلة لذلك.
وشبهت العديد من الصحف الغربية الهجوم الارهابي بجرائم تنظيم داعش الارهابي اللإنسانية، وقالت شبكة "سى.إن.إن" أن اليمين المتطرف فى الدول الغربية بات يتبنى نموذج داعش، ربما ليس فقط على صعيد شن الهجمات العنيفة ولكن السرد الداعشى بشأن الصراع المحتوم بين الغرب والإسلام، والدوافع للهجمات الوحشية ضد المدنيين.
وكشفت صحيفة "إن زى هيرلد" النيوزيلندية، أن مكتب رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن، أنه تلقى نسخة من "بيان" مكون من 73 صفحة، أرسله مرتكب هجوم المسجدين بمدينة كرايست تشيرتش، قبل أقل من 10 دقائق من بدء الهجمات يوم الجمعة، ولفتت إلى إن قائمة "المرسل إليهم" التي ضمت ما يقرب من 70 متلقيا آخر ضمت أيضا مكتب البرلمان، وبعض وسائل الإعلام المحلية والدولية.
وأفردت صحيفة التايمز تسع صفحات إضافة إلى افتتاحية لمتابعة تفاصيل الجريمة المروعة، وانفردت بالكشف عن أن جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني "إم آي 5"، وليس شرطة مكافحة الإرهاب، هو الذي يقود ما وصفته بتحقيق في علاقات "الإرهابي برنتون تارانت"، المتهم في مجزرة كرايست تشيرتش، وصلاته في بريطانيا.
وهناك إجماع بين الصحف العالمية على إلقاء اللوم على وسائل التواصل الاجتماعي والدعاية الرقمية للتطرف والإرهاب، وفي مقال افتتاحي، تقول التايمز البريطانية إن جريمة كرايست تشيرتش المروعة هي "ثمار التعصب".
وتشير إلى أن القتل الشنيع لعشرات المصلين المسلمين في كرايست تشيرتش هو "مثال على ثقافة كراهية الأجانب السامة التي تنمو مع وسائل الدعاية الرقمية".
وتطالب الصحيفة شركات التكنولوجيا العملاقة بأن "تقضي بسرعة على القدرة (إمكانية) على استخدام منصاتها لتحقيق أغراض لا إنسانية".
وكانت صحيفة فايننشال تايمز أكثر صراحة في انتقاد "تجاهل صعود المتطرف لفترة أطول من اللازم". وتشير الصحيفة، في مقال افتتاحي، إلى أن المتطرفين اليوم "يلقون التشجيع من الزعماء الشعبويين". وتقول إن أتباع اليمين المتطرف "يستمدون القوة من السياسيين في الديمقراطيات الغربية الذين غيروا حدود النهج السياسي المقبول". وتحذر الصحيفة بشدة من أن "القوميين الراديكاليين قد حولوا أيضا وسائل الإعلام، جديدها وقديمها، إلى أسلحة". وتضيف أنه "لم يعد يمكننا أن نقلل من شأن أيدولوجيتهم المفجرة أو العوامل التي تقف وراء انتشارها".
وأفردت صحيفة ديلي تليجراف سبع صفحات تقريبا لتغطية الحادث المروع. واعتبرته في عنوان قصتها الرئيسية بالصفحة الأولى "أول هجوم إرهابي بوسائل التواصل الاجتماعي"، في إشارة إلى بث المتهم في الحادث لأفعاله على الهواء مباشرة عبر فيسبوك في بث حي استمر حوالي 17 دقيقة، ما أثار غضبا عالميا، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي عربي".
وفي تحليل كتبه للصحيفة بعنوان "صعود اليمين المتطرف"، نبه مارتن إيفانز إلى أن الشرطة البريطانية "منعت على الأقل أربع مؤامرات لليمين المتطرف منذ شهر مارس عام 2017".
ولم يختلف كثيرا تناول الصحف العربية للهجوم الإرهابي الدموي على المسجدين في نيوزيلندا، فقد انعكست مشاعر الحزن والغضب على عناوين الصحف الصادرة السبت، التي وصفت الحادث ﺑ"المذبحة" و"المجزرة". ورأى كتاب عرب أن الحادث يشير إلى انتشار نسخة جديدة من "الإرهاب"، تمثل المقابل لما وصفوه بجرائم القاعدة وداعش. غير أن كتاب آخرين اتهموا المتطرفين الغربيين بالإرهاب بسبب الإسلاموفوبيا - أو الخوف المرضي من الإسلام - ليرتكبوا بذلك جرائم لا تختلف عن جرائم تنظيم داعش. وأبدى كتاب تخوفا من انتشار أيديولوجية وأفكار اليمين المتطرف والتفوق الأبيض، بحسب تقرير لهيئة الاذاعة البريطانية.
أكدت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية أن الإرهاب لا يعرف حدودا، وقالت تايمز في افتتاحيتها، إن عنصرية الجنس الأبيض تطل برأسها البغيض في نيوزيلندا، وأن ملابسات الحادث تقول إن هذا الجاني جسّد عنصرية الجنس الأبيض العنيفة وأن "المهاجم" حاول إرسال رسالة مفادها أنه لم يعد ثمة مكانٌ آمن وحُرّ يلجأ إليه المهاجرون، والمفارقة في الأمر، هي أن هذا المهاجم نفسه هو مهاجر أسترالي المَولد وافدٌ إلى نيوزيلندا، إلا أنه لم يرَ الأمر على هذا النحو؛ وإنما رأى نفسه مدافعا عن ثقافة أوروبية في مواجهة مهاجرين مسلمين يمثلون خطرا على تلك الثقافة.
وأشارت الصحيفة إلى أن ارتكاب الفظائع تحت راية سيادة الجنس الأبيض، ليس أمرا جديدا على العالم بشهادة التاريخ مثل اعتقاد هتلر والنازيين بسيادة الجنس الآري، ولفتت إلى معاناة الولايات المتحدة من هجمات إرهابية على أيدي متعصبين للجنس الأبيض أكثر مما تعانيه من هجمات ينفذها أجانب. واعتبرت الصحيفة أن مواقع التواصل الاجتماعي تدعم أعمال القتل، من خلال الدعاية المتطرفة، وخاصة أن القاتل العنصري أيضا له جمهوره على تلك المواقع، حيث يستطيع أي شخص بحوزته كاميرا ولديه حساب أن يعمل كمحطة اخبار عالمية. واختتمت الصحيفة الأمريكية افتتاحيتها بالقول: "إن متطرفين مسلمين يرتكبون فظائع، ومتطرفين مسيحيين يقترفون جرائم مروعة، ومتطرفين هندوسا وبوذيين يأتون أيضا فظائع وجرائم – ولكن كلمة واحدة تجمع بينهم هي "التطرف"، ليبقى قتلى نيوزيلندا الـ49 اليوم أحدث ضحايا هذه اللعنة البشرية القديمة".
وكشفت صحيفة "ذا هيل" الأمريكية، عن وجود حالة تأهب بين المجتمعات المسلمة في الولايات المتحدة، على خلفية الحادث الإرهابي موضحة أن مسئولي إنفاذ القانون في بعض المدن الأمريكية، قاموا بتعزيز التواجد الأمني في المساجد الإقليمية والمراكز الإسلامية الأخرى.
وسادت حالة استهجان شديدة في الصحافة الغربية بمحاولات بعض المتطرفين مثل احد اعضاء البرلمان الاسترالي المتطرفين، لتبرير الهجوم على المهاجرين المسلمين، كما ربطت العديد من الصحف بين هجوم نيوزيلندا وخطاب الارهابي القاتل وبين الخطاب اليميني المتطرف للعديد من الزعماء الغربيين الشعبويين مثل الرئيس الأمريكي ترامب، وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" اﻷمريكية، إن مذبحة نيوزيلاندا، سلطت الضوء على انتشار أيديولوجية اليمين المتطرف، وقالت الصحيفة الأمريكية أن الهجوم الإرهابي استند إلى ما يعرف بـ"التطرف اﻷبيض" واعتناق فكرة "التفوق الأبيض" كما عبر عنها العديد من المتطرفين اليمينيين في هجمات خلال السنوات الأخيرة، كما أشارت إلى إشادة الإرهابي الاسترالي بالرئيس اﻷمريكي دونالد ترامب، وصفه بأنه رمز لتجديد الهوية البيضاء والهدف المشترك. وقالت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية أيضا أن هجوم نيوزيلندا مستوحى من أفكار مؤيدة لترامب، وقال الإرهابي برينتون تارانت في بيانه حول الهجوم إن الهجوم مستوحى من كلمات كانديس أوينز، الناشطة السياسية الأمريكية، والمعروفة بتأييدها المطلق لرئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب رغم كونها سمراء.