معهد واشنطن: القوات المسلحة تدير الحياة السياسية فى مصر لكنها ليست «الصانع الوحيد» للقرارات
أصدر معهد واشنطن ورقة بحثية تحت عنوان «مراكز القوى المتعددة فى مصر» أكدت أن التصويت الكاسح بـ«نعم» فى الاستفتاء على الدستور المدعوم من الجيش، استناداً إلى نسبة إقبال لافتة تبلغ نحو 40٪، دفع بعض المراقبين إلى الاستنتاج بأن «الجيش وحده هو الذى يدير الحياة السياسية فى مصر فى الوقت الراهن». وأضافت الورقة، التى أعدها الباحث عادل العدوى، أن الجيش لا يزال الركيزة الأساسية لجميع مؤسسات الدولة وسط الاضطرابات المستمرة، لكنه ليس صانع القرار الوحيد، ومنذ الثورة التى أطاحت بالرئيس محمد مرسى فى 30 يونيو، اتخذ فاعلون آخرون -إلى جانب الجيش- قرارات سياسية كبرى، مثل تعيينات مجلس الوزراء وتشكيل لجنة الدستور المكونة من خمسين عضواً وصياغة الدستور الجديد نفسه. وفى الواقع، تميز عهد ما بعد «مبارك» بظهور مراكز قوى عديدة لا تزال تؤثر على المسار السياسى فى البلاد. وأوضح الباحث أن «مبارك» كان يقود عملية صنع قرارات مركزية محكمة تدفعها السلطة التنفيذية بشكل كامل تقريباً، وحتى عام 2005، كان مبارك هو الرجل القوى فى مصر، لكنه فقد بعض السيطرة لصالح أفراد عائلته أثناء السنوات الخمس الأخيرة من رئاسته، فيما كانت التوترات المؤسسية والشخصية تتراكم داخل السلطة التنفيذية، وسط استهجان واسع لخطة توريث الحكم لنجله جمال، لكن ذلك كله تغير بشكل حاد عقب الإطاحة به فى فبراير 2011. ومن بين التحديات التى واجهها «المجلس الأعلى للقوات المسلحة»، حسب الورقة البحثية، الذى سيطر على السلطة عقب تنحى «مبارك»، ضرورة التكيف مع الواقع السياسى الجديد دون إعداد مناسب، ولم تكن السلطة التنفيذية تحظى بسيطرة كاملة على النظام السياسى، وخلال فترة حكمه العاصفة التى استمرت 18 شهراً، كافح «المجلس العسكرى» من أجل العمل فى بيئة حظيت فيها مراكز القوى الجديدة (الشارع والفاعلون من غير الدولة ووسائل الإعلام والأحزاب السياسية الجديدة ومجتمع رجال الأعمال... وغيرهم) بنفوذ هائل على التطورات السياسية. وقاد المشير طنطاوى وسامى عنان عملية انتقالية لاقت كثيرا من الانتقادات بل جعلت بعض كبار المسئولين فى الجيش يشعرون بالقلق. لكن منذ الصيف الماضى، استوعب الجيش وتقبل فى ظل قيادة وزير الدفاع عبدالفتاح السيسى الحقيقة الجديدة التى تتمثل فى ممارسة مراكز القوى الأخرى للنفوذ والتأثير.
وأضاف الباحث أن من بين المجموعة القليلة من مراكز القوة الحالية فى مصر، هناك بعض الفاعلين الذين هم أكثر أهمية من غيرهم، لكنهم جميعاً يؤثرون على عملية صنع القرار فى القاهرة والوضع السياسى العام. ويمكن تقسيم مراكز القوى هذه إلى 3 فئات: مؤسسات الدولة، والسلطة التنفيذية، والفاعلون المجتمعيون من غير الدولة. وتمثل التفاعلات المعقدة بين هذه التكتلات عاملاً رئيسياً لفهم ديناميات القوة فى مصر ما بعد «مبارك». وقسمت مراكز القوى إلى فئات: فى الفئة الأولى الفاعلون الرئيسيون وهم مؤسسات الدولة التى تتعامل مع الأمن والاقتصاد وسيادة القانون والشئون الخارجية. وتشمل الفئة التنفيذية الرئيس وحكومته. أما فئة الفاعلين من غير الدولة فتشمل الشارع، والمنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام، ومجتمع الأعمال، والأحزاب أو التنظيمات السياسية المختلفة، والمؤسسات الدينية. وكانت مراكز القوى هذه تتغير باستمرار على مدى السنوات الثلاث الماضية، كما كانت تتوافق فى بعض الأحيان مع رفقاء يتسمون بالغرابة. وفى عشية ثورة 30 يونيو الأخيرة، كانت معظم مراكز القوى فى مصر متحدة ضد حكومة «الإخوان»، و«مرسى» فقد السيطرة الكاملة، وتحولت جميع مؤسسات الدولة ومعظم الفاعلين من غير الدولة ضد «مرسى»، وأصيبت الشرطة والمخابرات والجيش بحالة من الإحباط بشأن ما اعتبروه عدم كفاءة الرئاسة، فمن وجهة نظرهم، كان «مرسى» يضر بالأمن القومى من خلال تجاهله للمظالم الداخلية الخطيرة، وسماحه للجهاديين بإقامة معقل لهم فى سيناء، وانتهاجه سياسة خارجية تنفر حكومات الخليج. وعلى نحو مماثل، اعتقد القضاء أنه يتعرض للهجوم، حيث أصدر «مرسى» إعلاناً دستورياً فى نوفمبر 2012 جعل نفسه بمقتضاه فوق سيادة القانون وعين نائبا عاما اعتبره عديدون غير شرعى، وشعرت مؤسسات الدولة المدنية بالتهميش الكامل أيضاً، فعلى سبيل المثال كان عصام الحداد، مستشار مرسى، هو وزير الخارجية الفعلى، ما أثار استياء وزارة الخارجية المصرية.
وعن العوامل الرئيسية المحفزة لثورة 30 يونيو، حسب الورقة السياسية، تمثلت فى الفاعلين من غير الدولة الذين تحولوا ضد حكومة «الإخوان» قبل ذلك بأشهر، وانضم ملايين المصريين إلى حركة «تمرد» للمطالبة بعزل «مرسى»، وشجع أطياف عريضة من القوى السياسية والمنظمات غير الحكومية وقادة الأعمال ومنافذ الإعلام الخاص، الناس على النزول للشوارع فى 30 يونيو، بل إن المؤسسات الدينية الكبرى مثل الكنيسة القبطية والأزهر ساندوا خارطة المستقبل بعد الإطاحة بـ«مرسى» فى 3 يوليو. وبطبيعة الحال، فإن الجهاز الأمنى شجع حركة «تمرد» بشكل غير مباشر أيضاً استناداً إلى شكوكه بشأن نوايا «الإخوان» وأفعالها، ومع ذلك، فإن الحقيقة هى أن معظم مراكز القوى تحولت فعلياً ضد الحكومة، الأمر الذى جعل من المستحيل عملياً استمرار «مرسى» فى الحكم.
ويضيف الباحث أن تغير تشكيل مراكز القوى فى مصر بشكل كبير منذ 30 يونيو، ولا تزال مراكز القوى الرئيسية مناهضة لـ «الإخوان»، لكن هناك معسكرين أيديولوجيين يقاتلان بعضهما البعض أيضاً: معسكر قومى ومعسكر «ليبرالى». فالمعسكر الأول يفضل دولة قوية تمثلها مؤسسة أمنية وجيش قويان، بينما يعارض المعسكر الثانى فكرة لعب المؤسسة الأمنية والعسكرية دوراً كبيراً فى الحكم. وكلا المعسكرين يحظيان بتمثيل جيد فى هيكل السلطة الحالى. فرئيس الوزراء حازم الببلاوى ونائبه زياد بهاء الدين ووزير الخارجية نبيل فهمى يُعتبرون جميعهم جزءاً من المعسكر «الليبرالى»، فى حين يضم الفصيل القومى مسئولين مثل وزير الإسكان إبراهيم محلب ووزير الداخلية محمد إبراهيم ووزير التنمية المحلية عادل لبيب ووزير الطيران عبدالعزيز فاضل. وتنقسم وسائل الإعلام هى الأخرى، حسب الباحث، حيث يعتبر عبدالرحيم على وعادل حمودة وتوفيق عكاشة وأحمد موسى جزءاً من «المعسكر القومى» بينما يُعرف باسم يوسف ولميس الحديدى ومنى الشاذلى ومحمود سعد بأنهم فى «المعسكر الليبرالى».
ومن بين الفاعلين من غير الدولة، تعتبر حركة «تمرد» من «المعسكر القومى»، بينما تنتمى حركة «6 أبريل» وبعض الفصائل الاشتراكية إلى «المعسكر الليبرالى»، كما تتراكم توترات وإحباطات قوية بين هذين المعسكرين فى جميع مراكز القوة بمصر، وهو ما تعكسه عملية صنع القرارات، على سبيل المثال، فأثناء اجتماع مجلس الوزراء فى نوفمبر، اندلع خلاف شديد بين نائب رئيس الوزراء بهاء الدين ووزير الداخلية بشأن قانون التظاهر المقترح، مما أدى إلى حدوث تأخر فى إصداره، إذ كان المعسكر القومى يدعم القانون بشكل كامل، بينما كان «الليبرالى» أكثر تردداً بشأنه، والنقطة الأخرى محل الخلاف هى فكرة المصالحة مع جماعة «الإخوان»، التى يرفضها المعسكر القومى كلية، فى تناقض حاد مع نظيره الليبرالى، وأخفق رئيس الوزراء فى جسر الفجوة بين المعسكرين، الأمر الذى أفقده فعاليته فى الحكم.