م الآخر| يوميات ست بيت قهرا (8).. حمّام سلف يا جماعة
بعد المعارك الضارية الطبيخية والمواعينية والغسيلية، التي حدثت مؤخراً بيني وبين والدي الحبيب، كانت هناك معركة أخرى شرسة تدور بيننا، بدأت في الازدياد مؤخرًا، بعد أن وضع أبي في الجبس، وأصبحت حركته قليلة (إوعوا تصدقوا)، ألا وهي معركة الحمّام.
فأصبح دخولي أنا أو أخي إلى الحمّام كدخول الإنجليز إلى مصر، غير مرغوب فيه بتاتًا، ويتم الخروج منه مهزومين أو مضروبين، وفي بعض الأحيان مشدودين!، لا أعلم ما هو سر تعلق أبي الشديد به وما سر غيابه الرهيب بداخله، فهو يدخله ومعه الجريدة وكوب من الشاي، وفي بعض الأحيان الراديو لكي يستمع إلى أغانيه المفضلة، وتكون السهرة حينها صبّاحي.
ونطرد أنا وأخي منه أشنع طردة إذا لا قدر الله تأخرنا لمدة تزيد عن الدقيقتين بداخله، ويبدأ أبي في الصراخ والتهديد بحرمنا من الميراث، إذا جن أحد منّا وتجرأ أن يتأخر لا سمح الله 5 دقائق كاملة، ويبدأ أبي في وضع بروتوكول جديد وفريد من نوعه، تنسيقًا لدخول كل فرد فينا مع مراعاة الأقدمية والأحقية لكل فرد منّا، وكان نصيب الأسد بالطبع لأبي بما أنه هو رجل البيت الآمر الناهي، وصاحب القرار الوحيد في هذا المنزل، وكان أخي الثاني بما إننا في مجتمع ذكوري برجوازي (آي والله)، وكنت أنا الغلبانة أخر فرد أكيد، وكان الجدول الموضوع كالتالي:
من 9 الصبح إلى 10 ونصف (أبي العزيز منفرداً مع الراديو ومج النسكافيه)
5 دقايق بريك
من 10.40 دقيقة إلى 11 ونصف ( أبي مرة أخرى مع الجريدة هذه المرة)
3 دقايق بريك ( من نصيب أخي (ابن المحظوظة) )
من 11.33 إلى 12 ونصف (أبي مرة ثالثة مش عارفة بيعمل إيه الحقيقة!!)
دقيقة ونصف بريك (من نصيبي أنا وحسبي الله ونعم الوكيل)
وهكذا يستمر الجدول على هذا الحال، وصولًا إلى صباح اليوم التالي، نظرت له في دهشة واعتراض: يعني يا بابا هندخل الحمّام بالدور، لأ وكمان دقيقة ونص؟، ليه الظلم ده؟، وإشمعنى الواد ده واخد 3 دقايق بحالهم، ليه الافتراء ده!، ردّ في جزل: والله لو كان عاجبكم!! بيتي وأنا حر فيه، حمّامي أدخله وأنام فيه، نظرت له نظرة لم يفهم معناها ولا حتى أنا وقلت: على فكرة، أنا هأبلغ عنك منظمة حقوق الإنسان، رد: والله لو بلغتي الإنتربول بذات نفسه، ارتضيت بقضاء ربنا ودخلت لكي أنام، استيقظت على صوت غريب صادر من خارج غرفتيأ فتحت الباب لأجد أخي يتسلل على أطراف أصابعها متجهًا إلى الحمام، حذرًا من أن يقوم بإيقاظ أبي، فسألته وأنا أهمس: بتعمل إيه يا واد؟!، ردّ في همس هو الآخر: رايح الحمّام، مش قادر أمسك نفسي أكثر من كده، هأموت والنعمة، رديت وأنا أتطلع من حولي في خوف: بس ده مش دورك!، ردّ وهو يتلوى: يعني أعمل إيه طيب؟، أنا كده مش هأعرف أتجوز يا بُعدا!، طب أدخل وربنا يستر، وأول ما تخلّص قولي علشان أدخل أنا كمان.
وبدأ أخي في التحرك بحذر أكثر صوب الحمّام، وأنا أكاد أسمع صوت دقات قلبه منتفضًا من شدة الخوف، وأنا أشاهد من بعيد لا أستطيع الاقتراب، ويصل أخي أخيرًا ويفتح الباب بهدوء شديد وصبر فظيع، ويبدأ في الدخول رويدًا رويدًا، وفجأة أسمع صوت صراخه فزعًا، خرجت وأنا أصرخ على صراخه، أتساءل ماذا حدث؟، لأجد أبي العزيز مفترشًا البانيو نائمًا على لحاف وماسكًا عصى كبيرة ينظر لنا في بهجة، قائلًا: كنت عارف إنكوا هتخونوا العهد، وهتعملوا انقلاب يا خونة.. يلا كل واحد على أوضته، قال أخي: يا بابا حرام عليك والنعمة.. كده أوفر أووووفر، بابا: وكمان بتشتم!، طيب محروم من الدخول يومين، ولو فتحت بُقك ثاني هيبقوا أسبوع.. هااااا.