رصيد «زكى» فى الحياة: نصبة شاى متر x متر
محمد زكى
جاء إلى القاهرة طفلاً متحدياً، بعدما ترك بيت أسرته فى بنى سويف، واستقر عند خاله وهو فى عمر الـ8 سنوات، لم يكن لديه أى خيار سوى مواجهة الحياة رغم صغر سنه، فأمسك بالسيجارة ظناً أنها تمنحه سنوات إلى عمره وخبرة، وبنى «نصبة» «متر فى متر» بالطوب الأحمر لبيع الشاى والقهوة بأحد شوارع وسط القاهرة، لا تسع إلا فرداً واحداً.
أشعل محمد زكى سيجارة، وأخذ نفساً عميقاً، خرجت معه أحلام تطايرت فى الهواء مع الدخان، لم يتخيل أن يمر 70 عاماً، وهو يقف فى المكان نفسه، لم يتغير شىء سوى أن الطفل الصغير بات عجوزاً، يبيع الشاى ويشرب السيجارة: «كان نفسى المكان يكبر، لكن ماعرفتش أحقق حاجة».
يدخل «زكى» العتبة بقدمه اليمنى مرتدياً جلبابه وعمامته، يرفع رأسه للسماء ويقول «يا رب»، الجملة التى يردّدها يومياً طوال 70 عاماً، عندما كان كوب الشاى بتعريفة، ووصل حالياً إلى جنيه ونصف: «باقدم المشاريب من الفتحة الصغيرة دى»، وكلما يمر الزمن، تقل زبائنه بسبب إغلاق الكثير من الورش فى الشارع الذى يقف فيه.
لـ«زكى» ولدان، الأول مريض والثانى سافر خارج البلاد: «القرشين اللى باكسبهم من بيع الشاى، بآخدهم لمراتى، وأقول لها مشّى نفسك». يشرب «زكى» عدداً كبيراً من أكواب الشاى: «كل ما يقل الشغل أشرب شاى وعلبة سجاير كاملة، وأفكر فى الحياة، هى مالهاش لازمة، وباطلب من ربنا يريحنى منها، نفسيتى تعبت».