الأبنودى.. صور مع «درويش ومحفوظ وفاطنة قنديل» على حيطان منزله
عبد الرحمن الأبنودي
بين شوارع المهندسين العتيقة منزل لا تخطئه عين، يطل عليك بين الشجيرات بمشربياته التراثية، وما إن تخطو داخله حتى تشعر كأنك دخلت آلة الزمن وصولاً لمنزل من العصر العثمانى.. أشعار من السيرة الهلالية منحوتة على خشب يؤطر حوائط المنزل بجوار أشعار نادرة للشيخ الأبنودى، الأب، تجاور عشرات الصور لرموز الزمن الجميل تستوقفك فى ضيافة الخال عبدالرحمن الأبنودى فى جلسات الفكر والفن والثقافة بمنزله وصور لـ«فاطنة قنديل»، والدته ومعشوقته الأولى، وصورة وحيدة حديثة أهدتها إحدى صديقات بنتيه، آية ونور، ممهورة ببيت شعر كان من أواخر ما قاله الخال: «فأما آية ونور دول آيتين فى آية.. ما تزعلوش يا بنات واخد صورتكم معايا».
«نهال»: متحف السيرة الهلالية حلم سعى «الأبنودى» لتحقيقه
«شهد منزل المهندسين أحلى أيام حياتى، كل قطعة من هذا الأثاث شهدت ذكرى لنا، كان هذا المنزل مفتوحاً دائماً للأصدقاء، فى هذا الركن دندن بليغ الأشعار وها هو عوده لا يزال شاهداً على ليالى الإبداع.. وهنا كان مكتبه، وهناك جلست آية لتلقى دروس البيانو، ما زلت حريصة على تنفيذ وصية الخال وعلى استكمال ما بدأه، وأكبر أحلامى أن تدرس سيرته الذاتية فى المناهج».. هكذا قالت نهال كمال، أرملة الشاعر الكبير، وتابعت: «شقة المهندسين، أو بيت المهندسين كما كان يحب أن يقول عليه عبدالرحمن، وهو البيت الذى تزوجنا فيه واحتفظنا به وهو غال جداً عندى وعنده لأن به كل ذكرياتنا وتاريخنا، وأنجبت نور وآية هنا ولولا مرض عبدالرحمن ونصيحة الأطباء له بالبقاء خارج القاهرة وبعيداً عن التلوث ما كان ترك هذا المنزل أبداً، وأتذكر كل صورة على جدران حائط الصالون، اختارها بنفسه وبروزها وعلقها بيده فى مكانها، وهى بالطبع أقرب الصور لقلبه مثل صورته مع والدته ومع الشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش، ومع الأستاذ نجيب محفوظ». منزل الإسماعيلية، بحسب «نهال»، كان محبباً للأبنودى، لأنه بناه كما كان يحلم دوماً، حيث جعل فيه ديواناً ومضيفة، ولحبه للأرض والزرع والأشجار كان يحرص على اختيار الشتلات وغرسها بيديه، ويصبح فى قمة السعادة عندما يرى ما زرعه قد أثمر، ولا يزال مكتبه ومكتبته وجلسته المحببة تحتضن صورته والنظارة والسبحة وعصا يوماً توكأ عليها وسندته خلال أيامه الأخيرة، لكن منزل المهندسين به ذكريات الشعر واللقاءات الفنية بين جدرانه وجلسات العمل الشاهدة على زمن ولى ولن يعود.
«كان للأبنودى حلم سعى كثيراً لتحقيقه ولم يمهله القدر لرؤيته، وهو متحف السيرة الهلالية، الذى افتتح عقب وفاته بقرية أبنود، التابعة لمركز قنا، ويضم المتحف السيرة الهلالية التى جمعها الشاعر على مدار ثلاثين عاماً فى مجلدات كاملة ومجموعة أشرطة كاسيت بصوت شاعر الربابة، جابر أبوحسين، ومعها شرح تفصيلى لمربعات السيرة بصوت الشاعر الراحل موثقاً ذلك بمجموعة لوحات تمثل رحلة بحث الشاعر خلال هذه السنوات إلا أن هذا المتحف لا يعبر عن الخال وتاريخه الثرى الممتد»، وتابعت «نهال»: «الأبنودى ليس السيرة الهلالية فقط وإن كانت من أهم أعماله، فإنتاجه كان غزيراً من أغان لكتب لمؤلفات لأشعار، من منا ينسى جوابات حراجى القط أو مرثية يامنة أو أشعار رشدى فى أدهم الشرقاوى، وأغانى العندليب، وأيامه الحلوة، التى تعتبر تأريخاً لتراث الصعيد، كل هذا يحتاج إلى أن يتم جمعه فى متحف واحد».
أكثر ما يؤرق أرملة الشاعر الكبير هو توثيق تسجيلاته، سواء تلك التى تحوى أشعاره بصوته أو لقاءاته التليفزيونية: «هذا أمر يحتاج لمجهود جبار لا أستطيع أن أقوم به منفردة».