8 ساعات و50 دقيقة.. مدة أقصر برلمان في تاريخ مصر 1925
افتتاح الملك فؤاد للبرلمان 1924 ويقف بجواره سعد زغلول
في ثماني ساعات وخمسين دقيقة بدأت وانتهت حياة أقصر برلمان في تاريخ مصر، وربما في العالم كله، كان ذلك يوم الاثنين 23 مارس 1925.
كان العام السابق قد شهد فجرا جديدا للحياة النيابية المصرية بعد ثورة 1919 في ظل دستور 1923، وجرت انتخابات البرلمان في يناير 1924، وتم افتتاحه في 15 مارس 1924، وتولى سعد زغلول رئاسة الوزارة، ليكون أول رئيس مجلس وزراء مصري يستند إلى أغلبية برلمانية.
وشهد 23 نوفمبر 1924 أول صدمة لهذا الفجر الجديد، حين اضطر سعد زغلول لتقديم استقالة وزارته أو وزارة الشعب كما سميت آنذاك، بعد الإنذار البريطاني الذي أعقب مقتل «لي ستاك»، السردار البريطاني للسودان، وفي اليوم التالي كلف الملك فؤاد، أحمد زيور باشا برئاسة الوزارة، وأصبح البرلمان يقف في الميدان وحده بغير حكومته الوطنية.
وفي 22 ديسمبر رفع أحمد زيور باشا رئيس الوزراء مذكرة للملك فؤاد بطلب بحلّ البرلمان، ودعوة المندوبين الناخبين لإجراء انتخابات جديدة للنواب في 24 فبراير 1925، ودعوة المجلس الجديد للانعقاد في 6 مارس، ووافق الملك.
واتخذ الملك التدابير للحيلولة دون عودة «الوفد» إلى السلطة، فألغى قانون الانتخاب على درجة واحدة الذي أقره برلمان 1924، وأعد قانون جديد يمزج بين هذا القانون وقانون الانتخاب الصادر 1923، وأخذت من أحكامها ما يوافق هواها.
وفي 12 مارس 1925 أجريت الانتخابات في ظل توقعات متفائلة من جانب الملك وأحزاب الأقلية في أن تسفر عن اندحار «الوفد» الذي يرأسه سعد زغلول، وانعقد المجلس الجديد صباح 23 مارس في الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق، وبعد مداولات تقرر فتح باب الترشح لمنصب رئاسة المجلس، وتقدم سعد زغلول في مواجهة عبدالخالق ثروت.
أجري الاقتراع السري على رئاسة المجلس، وكانت المفاجأة المربكة، حيث فاز سعد زغلول بـ123 صوتا هي أغلبية أعضاء المجلس المكون من 214 عضواً، في حين حاز مرشح الملك على 85 صوتاً، كما فاز كل مرشحو «الوفد» بانتخابات أعضاء هيئة مكتب المجلس، ليكتسح أفنديات «الوفد»، باشوات الملك.
الصدمة كانت قوية، وأصبح الموقف من وجهة نظر الملك مستحيلا، ورفعت وزارة «زيور» استقالتها إلى الملك بصيغة تحريضية، جاء فيها: «بمجرد انعقاد المجلس الجديد، وقبل بحث برنامج الوزارة الذي تضمنه خطاب العرش، ظهرت في المجلس روح عدائية تدل على الإصرار على تلك السياسة، التي كانت سببا لتلك النكبات التي لم تنته البلاد من معالجتها، وقد بدت تلك الروح جلية في أن المجلس اختار لرئاسته زعيم تلك السياسة والمسؤول الأول عنها».
رفض الملك فؤاد استقالة الحكومة، وعلى خلاف الدستور الذي يمنع حلّ المجلس مرتين لنفس السبب، تقرر الحلّ، ودعوة المندوبين لإجراء انتخابات جديدة لأعضاء مجلس النواب 23 مايو، وعلى اجتماع المجلس الجديد أول يونيو 1925.
وزيادة في الاحتياط أصدرت الوزارة في 26 مارس 1925 مرسوماً بوقف عملية الانتخاب لأجل غير مسمى إلى حين إعداد قانون جديد للانتخاب يفي بالغرض وهو عزل «الوفد».
ولم يقف «الوفد» ساكناً، وشرع في إجراء تعبئة سياسية، وخرجوا النخبة والطلبة في مظاهرات بقيادة سعد زغلول للتنديد بالقرار المعارض لإرادة الأمة التي انتخبت أعضاء البرلمان بإرادة وحرية.