"تليجراف": الحرب في جنوب السودان نتيجة 100 عام من تجاهل مشاكلها
ذكرت صحيفة "تليجراف" البريطانية، في تقرير اليوم، أن الحرب المشتعلة في جنوب السودان حاليا هي نتيجة 100 عام من التجاهل لمشاكلها ومعاناتها. وأوضحت: "المعركة التي اندلعت منذ ثلاثة أسابيع بين القوات الحكومية والمتمردين الموالين لنائب الرئيس السابق رياك مشار، أدت إلى ترك نحو 200 ألف شخص لمنازلهم وهروبهم خوفا من الموت:"، لافتة إلى أن "ما بدأ على أنه صراع سياسي بين سلفاكير ومشار، تحول سريعا إلى مواجهة وصراعا قبليا بين قبيلة الدنيكا التي ينتمي لها سلفاكير وقبيلة نوير التي يتبع لها مشار"، مؤكدة أن أي شخص ينكر أو يتشكك في النزاع القبلي المشتعل حاليا في جنوب السودان، عليه أن يسأل الـ17 ألف شخص من قبيلة نوير الذين لجأوا إلى مقر الأمم المتحدة في جوبا طلبا للحماية.
وقال مراسل "تليجراف" في جنوب السودان، إن "كل من تحدثت إليهم يعتقدون أنه سيتم قتلهم على الفور، عندما يرونهم رجال قبيلة الدنيكا، إذا تخطت أقدامهم الأسلاك الشائكة التي تحيط بهم حاليا. في الواقع لقد أصبحوا سجناء داخل بلادهم حاليا".
وتسائل مراسل الصحيفة عن سبب اندلاع هذه الحرب، وقال: "للإجابة عن هذا التساؤل يجب العودة إلى تاريخ جنوب السودان والسودان نفسه"، مشيرا إلى أن هذه البلاد لديها عادة بتجاهل أكثر مشاكلها إيلاما حتى تتحول إلى صراع.
وأضاف: "بريطانيا كانت القوة المسيطرة على البلاد حتى الأول من يناير عام 1956. وهناك حقيقة ملفتة للنظر أنه في تلك الفترة لم يكن هناك أكثر من 130 مسؤولا بريطانيا يحكمون ما كانت أكبر دولة في إفريقيا في ذلك الوقت. نعم 130 مسؤولا يديرون دولة تتخطى مساحتها مليون متر مربع. كانوا أعضاء فيما كان يسمى بجهاز الخدمات السياسية السودانية، وهي هيئة وجدت من النخبة لتحكم السودان. وإجمالي من عمل بهذه الهيئة 400 شخص فقط منذ بداية الاحتلال البريطاني وحتى استقلال السودان".
وتابع: "كانت فترة سلام وليست تنمية، وخاصة فيما يتعلق بالجنوب. وبدأ الانجليز في بناء شبكة السكك الحديدية في الشمال من بور سودان على البحر الأحمر حتى مدينة الأبيض في كردفان، وبدأوا برنامج جزيرة القطن الضخمة. بينما في الجنوب لم يفعلوا سوى القليل الذي يتخطى المحافظة على السلام القائم".
وأشار الكاتب الى أن مصر كانت ترغب دوما في سودان موحد، رافضة أي محاولة لتقسيمها، رغم اختلاف اللغة والديانة بين الشمال المسيطر عليه المسلمين والذين يتحدثون العربية وبين الجنوب الذين لا يدينون بالإسلام".
وأضاف: "ببريطانيا قررت في عام 1947 أن السودان ستصبح دولة مستقلة وموحدة، تاركة للسودانيين تقريروضع الجنوب. ومع مرور الوقت وازدياد الاضطرابات وأعمال العنف تم الاتفاق مع الدكتور جون جارانج على إعلان استقلال جنوب السودان في عام 2011، لتنقسم السودان إلى دولتين"، مشيرا إلى أن ذلك أوجد مشاكل أخرى ومنها الحدود بين الدولتين، وكيف يمكن تقسيم البترول المكتشف في الجنوب ولكنه يتم تصديره من خلال الأنابيب التي تمر في أراضي الشمال وحتى البحر الأحمر والخرطوم؟ وأهم شيء هو كيفية التمثيل السياسي في الجنوب وكيفية استيعاب كافة المجموعات الاثنية التي تعيش في هذه الدولة الوليدة؟
وقال الكاتب: "مثلما تجاهل سياسيو السودان الإجابة عن هذه الأسئلة عند الاستقلال في عام 1956، تجاهل المسؤولون أيضا إجابتها عند استقلال الجنوب في عام 2011"، مؤكدا أنه لم يتم تسوية هذه الأمور أبدا.
واختتم قائلا: "سلفاكير ومشار ليسا قادة عاديين، ولكنهما رجال حرب، عركتهما الحياة الصعبة والصراع من أجل نيل الاستقلال، ومثل هؤلاء الرجال فإنهما يشتركان في غريزة مهمة وهي الميل نحو إنهاء الصراع بالعنف أو عدم إنهاءه على الإطلاق".