م الآخر| مقام الحسين
في هذه الحجرة المزركشة بآيات قرآنية في جهاتها الأربعة، يدخل بأولى خطواته، وسط تواشيح متعالية الأصوات.. "حي"، "لا إله إلاالله"، "حبيبي يا رسول الله".. الأصوات تتعالى.. وصوت من في الغرفة يعلو بالدعاء، بدفعات روحية متتالية تهفو على كل من في المكان.. شيخ يجلس القرفصاء يمسك بيديه سبحة 33 حبة، يفرطها بين كفيه المتشققين في خفة ومهارة فائقة، وشفتاه تتمم بكلمات غير واضحة وهو يهز جسمه للأمام في همة ونشاط لا تتناسب مع شعره الأبيض وجسمه النحيل.. بينما يقف آخر ممسكاً بهذا السور الحديدي الأبيض ذو الملمس الناعم والبارد، وهو منكب أمام هذا المقام يدعو باندماج، وهو في حالة انفصال عن الواقع، ودموعه الساخنة تنسدل على وجنتيه في خشوع، بالتأكيد لن يشعر به من هو خارج هذا المكان.
"اذكر الله".. شخص يرددها بصوت جهوري ليوقظني من حالة الوصف المنمق لهذا المشهد، فأردد ومعي الحاضرين "لا إله إلا الله".. ومع كل نفس في هذا المقام تسنتشق رائحة عطرة تملأ رئتيك، تجد البعض يدهن بها سور المقام وكأنه عمل خاص يقومون به في كل دقة وحزم، وربما عليك فرد كفيك عند الدخول حتى تحصل على المسك - كما يسمونه - في يديك.. إنها بركة "الحسين".
وفي نفس المحيط، تجد هذا الباب الزجاجي الموصد، ويتراص أمامه مجموعات كبيرة من البشر في تسابق، منتظرين أن ينظروا عبر الزجاج إلى سيف وحذاء النبي محمد، ينظرون بشغف، بينما تجد بعضهم يقبل هذا الباب الزجاجي.
وبعد رحلتي القصيرة داخل المقام، خرجت وأن أفكر في هذا الاختلاف والتناقض بين ما شاهدته في هذه الحجرة وبين العالم الخارجي، ربما الأمل في عيون البعض، ربما الندم في عيون آخرين، ربما التقوى والإيمان، أيا كان المسمى.. لكنها تبقى في النهاية حالة فريدة.. في مقام "الحسين".