فقدت مصر وفقد العالم الإسلامى يوم الاثنين 19 نوفمبر 2018م علماً من أعلام القُرَّاء هو القارئ الشيخ «محمود أبوالوفا الصعيدى»، جوهرة القُرَّاء وعمدتهم، وكانت جريدة «الوطن» موفقةً حين أبرزت خبر وفاته باهتمام فى صفحتها الأولى، وقالت إن مدرسة التلاوة فقدت أحد رموزها وأعلامها.. نعم فقدت مدرسة التلاوة هذا الصوت النقى الندى صوت القارئ «محمود أبوالوفا الصعيدى».
نزل القرآن الكريم فى مكة، وكُتب فى تركيا، وقُرئ فى مصر، فكما كانت مصر حاضنة لمراقد آل البيت الكرام، وحاضنة للجيش العظيم الحامى لها من الخونة والإرهابيين، كانت حاضنة لأنغام السماء التى تشدو بخير الذكر وأطيب النغم، ومن هذا النغم صوت الشيخ «أبوالوفا الصعيدى».
ولد -رحمه الله- عام 1954م فى قرية «كلح الجبل» بمحافظة أسوان بصعيد مصر، وحفظ القرآن على يد والدته، وختمه على يد شيخ الكُتَّاب «محمد أبوالعلا»، وانضم للإذاعة المصرية عام 1994، وقرأ للمرة الأولى عبر الأثير عام 1995 من مسجد السيدة زينب -رضى الله عنها- وانتشرت تلاوته وذاعت شهرته فى مصر وخارجها، ولم يكن الشيخ «الصعيدى» مقلداً فى تلاوته، بل كان صاحب صوت متفرد، ونغم خاص منذ بدأ أول قراءة أمام الجمهور فى قريته عام 1976، وتأثر-رحمه الله- بأئمة القُرَّاء أمثال عبدالباسط، والمنشاوى الابن، ومصطفى إسماعيل، والبهتيمى، وكان مثلهم، طالت أسفاره شادياً بما يحمل صدره من كلام الله.
انتمى الفقيد إلى مدرسة التصوف، وأحب وطنه مصر، وكان خير ممثل لوطنه فى الخارج، وعُرف بحسن الخلق، وطيب النفس، والمروءة والوفاء، والتعبير عن كرامة أهل القرآن، حتى احتل مكانة سامية بين مستمعيه، لا لصوته فقط، ولكنه لأخلاقه التى كانت مستمدة من القرآن، حتى قال عنه القارئ الدكتور «عبدالفتاح الطاروطى»: «كان الشيخ أبوالوفا لا يغتاب أحداً فى مجلسه، وتعلمتُ منه ألا أذكر أحداً بسوء»، وغير ذلك من السمات والمآثر التى امتلأت بها صفحة الفقيد، وأورثها لأسرته وتلاميذه، لهذا تلقى مستمعوه خبر وفاته بحسرة كاوية، وفجيعة كارثة، لرحيل فقيد القُرآن وخادمه، وقد ترجم الأستاذ «أبوطالب محمود» للفقيد فى كتابه الماتع: «القرآن بصوت مصر»، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2016م.
إن الفقيد عاش يردد أهم حدث فى تاريخ الكون كله وهو نزول القرآن على رسول الإنسانية، وهو عضو فى كتيبة القُرَّاء الذين أشاعوا أنغام السماء فى آذان الخلق، فكانوا الصدى الحلو من كلام الله، ومنهم استقبل العلماء ما فسروا، وأخذ الفقهاء ما اجتهدوا، وأخذ الأدباء ما دبجوا، فهنيئاً لهذه الكتيبة التى شدت بألحان السماء، ولم يكونوا مكررين، لا أداء ولا صوتاً ولا لحناً، بل لكل واحد منهم نغم يخدم النص. رحم الله الفقيد.
وبعد أيام قلائل من وفاة القارئ الجليل فقدت محافظة سوهاج عالماً من علمائها الأجلاء، وأحد أعلام الأزهر الشريف، وواحداً من الدعاة البارزين ذى النبالة والخلق بوزارة الأوقاف، هو العالم الكبير الشيخ «عبدالرحمن عبدالحليم القاضى»، الذى تلقى تعليمه على أيدى كبار علماء الأزهر فى القاهرة، ثم عاد إلى الصعيد حاملاً على كتفيه مهمة الدعوة إلى الله بالحسنى، وكانت دعوته تركز على المقاصد لا الفروع، والكليات لا الجزئيات، وأدمن النظر فى فقه الواقع، فالتزم التيسير فى الفتوى، فضلاً عما تميز به من رزانة نفس، وحسن خلق، ووقار فى الطلعة، وصفاء فى المشرب، ووجاهة فى المظهر والهيئة تليق بعالم الدين، وحامل لواء الدعوة.. أسأل الله أن يصب عليه شآبيب الرحمة والغفران.