"جمعة" بندوة "قضايا الدولة": نحتاج لقراءة جديدة للسنة.. ومشاركون: التشدد في الدين فتنة
جانب من ندوة مجلس الدولة
شارك الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، في ندوة تثقيفية لمناقشة قضايا الدين والمجتمع، أمس، بنادي مستشاري قضايا الدولة تحت عناون "التأسي بأخلاق النبي الكريم".
وأعرب الوزير، عن سعادته بمشاركة نادي مستشاري هيئة قضايا الدولة في حملة "رسول الإنسانية" التي أطلقتها وزارة الأوقاف، مؤكدًا إجماع علماء الأمة وفقهائها على حجية السنة المشرفة.
وأشار الوزير، إلى أنَّها المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله، مؤكدًا أنّ طاعة رسول الله من طاعة الله، مبينًا أنَّ السنة النبوية المشرفة مكملة ومتممة وشارحة ومفسرة ومبينة لما جاء في القرآن الكريم، مبينًا أنه "يجب أن نفهم السنة فهمًا صحيحًا من خلال مقاصدها ومراميها، وألا نجمد أو نتحجر عند ظواهر النصوص دون فهم أبعادها ومقاصدها".
وأكّد الوزير، أنّ أعداء السنة وأكثر الناس صدًّا عنها صنفان، الأول المتاجرون بدين الله والمحرفون لسنة رسول الله، والذين يلوون أعناق النصوص لخدمة إرهابهم وتطرفهم ، فيقتلون ويحرقون ويسفكون الدماء ويخربون العمران باسم الدين، والدين منهم برآء.
أما الصنف الثاني، حسب الوزير: "فهم الجهلة الذين لم يأخذوا بنور العلم وأدواته ولَم يجهدوا أنفسهم في تحصيله ولَم يستجمعوا أدوات فهم السنة النبوية المشرفة، ولَم يعملوا عقولهم في فهم مراميها ولَم يدركوا أو يتعلموا أن هناك ما يسمى بفقه المقاصد، فدين الله يؤخذ من العلماء المتقنين وليس الجهلة ولا المتاجرين بالدِّين".
وبيّن وزير الأوقاف، أنّه لا خلاف حول ثبوت النصوص الصحيحة، وإنما الخلاف مع أصحاب الأفهام السقيمة الذين لا يفرقون بين النص الثابت والفكر البشري المتغير الناتج عن فهم النص، متابعًا "نجزم أنَّ هذا الفهم وذاك التطبيق فيما يتصل بالمتغيرات والمستجدات ليس قرآنا ولا نصًّا مقدسًا، إنما هو فهم أو تطبيق ناسب عصره وزمانه، مقدمًا نموذجًا بسهم المؤلفة قلوبهم، فإن النبي أعطى المؤلفة قلوبهم حين كانت المصلحة في إعطائهم وتآلفهم، وحين انتفت العلة في إعطائهم فهم الصحابة الكرام النص ومقاصده ومراميه فلم يعطوا هؤلاء الذين كانوا مؤلفة قلوبهم لزوال علة إعطائهم".
وأوضح "جمعة"، أنَّ بعثة الرسول كامنة في إتمام مكارم الأخلاق، مشيرًا إلى أنَّه لا بد من تصحيح الصورة الذهنية للمسلم بأن يكون مثالاً للأخلاق والسلوكيات، بتقديم صورة إنسانية راقية عن الإسلام، بالتطبيق العملي للأخلاق والسلوك وتحويلها من قضايا محفوظة إلى واقع ملموس، مضيفًا: "النبي جاء ليخرج الإنسانية من الظلمات إلى النور ويخلصها من دركات الظلم إلى درجات العدل والرحمة، وأن الرسول جاء بكل معاني الرحمة والإنسانية حتى مع مَن جانب الصواب في فعله أو قوله.
واستشهد "جمعة"، بحديث عن أبي هريرة قال فيه: (بال أعرابي في المسجد، فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي: دعوه، وأريقوا على بوله سَجْلاً من ماء، أو ذَنوبا من ماءِ، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين).
وتابع "جمعة"، أنّ "النص المقدس قرآنا كان أو سنة صحيحة ثابتة لا طاقة لأحد بتعطيله أو حتى مجرد القول بذلك، ولا يوجد مسلم عاقل على ظهر البسيطة يقول به، إنما الأمر يتعلق بفهم النص ومناط تطبيقه، فيطلق فيما ينطبق عليه".
وأكّد وزير الأوقاف ثبات الحكم وتغير الفتوى، قائلَا: "حين تكون الحاجة ماسة لتآلف قلوب البعض لصالح الدين والدولة تكون الفتوى بإعطائهم، وحين تزول العلة تكون الفتوى بعدم إعطائهم، وهو أمر مرده إلى أولى الأمر، وليس إلى آحاد الناس أو عامتهم، فهو من شؤون الدول لا الأفراد، وذلك في ضوء ما قرره أهل العلم من أن الفتوى قد تتغير بتغير الزمان أو المكان أو الأعراف والعادات والأحوال ، مع الإيمان الكامل بالنص والتسليم بقدسيته وثباته".
وأشار الوزير، إلى أنَّ النبي لم يكن نبينًا فحسب، وإنما كان نبيًّا ورسولًا وحاكمًا، وقائدًا عسكريًّا، فما تصرف فيه باعتباره نبيًّا ورسولًا فيما يتصل بشؤون العقائد والعبادات والقيم، والأخلاق، وصح نسبته إليه (صلى الله عليه وسلم) أُخذ على النحو الذي بينه لأصحابه، ولا يختلف أمر البيان فيه باختلاف الزمان أو المكان، كونه من الأمور الثابتة، سواء اتصل بأمر الفرائض أم اتصل بأمر السنن الثابتة عنه.
واستطرد "جمعة": "فرق العلماء بين فقه الجماعة وفقه الدولة، وأفردوا لذلك مباحث وأبوابًا"، ضاربًا المثل بقول النبي: "من أحيا أرضًا مواتًا فهي له"، وتصرف في ذلك بصفته رئيس دولة وفق مقتضيات عصره، فلا يأتي الآن من يضع يده على مئات أو آلاف الأفدنة ويقول: "أحييتها فهي لي وبيني وبينكم حديث رسول الله"، ونقول له: "النبي تصرف في ذلك بصفته رئيس دولة، فهو من الشأن العام الذي لا يترك أمر التصرف فيه إلى الأفراد بعيدًا عن سلطة الدولة، ولابد من عدم الخلط بين ما كان من شؤون العقائد أو العبادات وما هو من شؤون نظام الدولة وإنزال هذا منزلة ذلك خلل في الفهم وضرب من الجهل".
وفي بداية كلمته، قال المستشار سعيد عبدالوهاب الزهوي أن الرسول جاء ليبني السلام الاجتماعي بين أفراد المجتمع، ليعيش الجميع في سلام وأمان، مستشهدًا بحديث النبي: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ”،.
واستكمل نائب رئيس هيئة قضايا الدولة الأسبق، خلال كلمته "إنها عبقرية النص وبراعة الأسلوب، فكلمة الأخ المراد بها الأخوة الجامعة، إخوة الإنسانية"، موضحًا أنَّ رسول الله عالج السلام الاجتماعي في جميع مراحله، حتى في البيع والشراء.
واستشهد "الزهوي"، بموقف النبي حينما مر على صُبْرَة طعام، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟)، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: (أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غشّ فليس مني).
وثمّن الدكتور سالم أبو عاصي العميد الأسبق لكلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر، الدور الكبير الذي يقوم به وزير الأوقاف في تجديد الخطاب الديني، مبينًا أنَّ كل منصف لابد أن يعترف بأنه صنع صنيعًا غير مسبوق في تجديد الخطاب الديني، مؤكدًا أنَّ رسالة رسول الإنسانية جعلها الله رحمة للعالمين، بقوله "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ".
واستدل "أبو عاصي"، بما أخرجه مسلم في صحيحه وغيره عن أبي مسعود البدري، قال: "كنتُ أضرِب غلامًا لي بالسَّوط، فسمعتُ صوتًا من خلفي: (اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود)، فلم أفهم الصوت من الغضب، فلمَّا دنا مِنِّي إذا هو رسولُ الله فإذا هو يقول: (اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود)، فسقط السَّوْطُ من يدي من هَيْبَتِه، فقال: (اعلم أبا مسعود أنَّ اللهَ أقدَرُ عليك منك على هذا الغلام)، فقلت: يا رسول الله، هو حُرٌّ لوجه الله، فقال (أمَا لو لم تفعل للفحتْك النارُ، أو لمسَّتْك النار)، فقلت: والذي بعثك بالحقِّ، لا أضرب عبدًا بعده أبدًا، فما ضربت مملوكًا لي بعد ذلك اليوم".
ولفت إلى أنَّ رسول الله بُعث رفيقًا بالناس لذا نهى عن التشدد في الدين لكونه فتنة، قائلًا: "أفتان أنت يا معاذ!"؛ حينما أطال الصلاة على المأمومين، مبينًا أن رفقه بالناس بلغ أنه كره كثرة السؤال حتى لا يفرض أمر، أو يحرم شيء على الأمة.
وفى ختام الندوة، أكّد وزير الأوقاف "ضرورة فهم المعنى الأعمق للنصوص حتى يفهم أنَّ رسالة الإسلام العالمية جاءت بكل الخير للإنسانية التي هي رحم بين الناس جميعًا، إذ المقاصد العليا للأديان هي سعادة الإنسان وإقامة مصالحه، من البناء والتعمير والتشييد، وكذا دفع الأذى عن الناس بكل أشكاله"، مستشهدًا بقوله تعالى "طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى"، مؤكدًا أنَّه حيثما وُجدت المصلحة فثمَ شرع الله تعالى.
يشار إلى أنَّه حاضر في الندوة وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، والمستشار سعيد عبدالوهاب الزهوي نائب رئيس هيئة قضايا الدولة الأسبق، وعضو لجنة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والدكتور محمد سالم أبو عاصي العميد الأسبق لكلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر.
وشارك في الندوة، المستشار حسين عبده خليل رئيس هيئة قضايا الدولة، وعدد من مستشاري هيئة قضايا الدولة، وعدد من قيادات الدعوة بالوزارة، وعدد من الصحفيين والإعلاميين.