«عالمة نابغة».. سامية التمتامى مؤسسة علم الوراثة البشرية: مُخطئ من يدعى أن مصر بلد متخلف علمياً
سامية التمتامى
التفرد حليفها، والتميز مبتغاها، تبحث عنه أينما ذهبت، تطبقه فى كافة مهامها حتى البسيطة منها.
بعد تخرجها فى كلية الطب بجامعة القاهرة، عُينت نائبة أطفال بمستشفى قصر العينى ثم أبوالريش، لكن ذلك لم يكن يرضى طموحها الجامح، عزمت على السفر فى بعثة دراسية إلى أمريكا، لتحصل هناك على درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد، لتعود بعدها إلى مصر وتؤسس علم الوراثة البشرية بالمعهد القومى للبحوث فى ستينات القرن الماضى.
حصلت على جوائز كثيرة لكن التكريم فى مصر كان له طعم مختلف
اشتعل شغف الدكتورة سامية التمتامى، مؤسسة علم الوراثة البشرية فى مصر، بذلك العلم منذ سنوات دراستها الجامعية الأولى: «غرقت وسط مكتبة كلية الطب، وفى بداية عملى فى مستشفى أبوالريش كنت أرى حالات كثيرة مصابة بأمراض لم تكن أسبابها معروفة. من هنا بدأت أتعرف أكثر على خلل الكروموسومات ودور علم الوراثة البشرية وأهميته فى كثير من الأمراض». تصف هندسة الوراثة البشرية بعلم الحياة: «هو العلم الأكثر ارتباطاً بالصحة والمرض، ومسئول عن كل صفات الإنسان وشكله وشخصيته وتفكيره ومستوى ذكائه، وأى مرض يهاجم الإنسان أساسه الجينات الوراثية التى وُلد بها، بالإضافة للبيئة المحيطة».
ساعدها سفرها فى الاطلاع على آخر ما وصل إليه الغرب: «رأيت مدى اهتمام العالم بذلك العلم، ودُهشت من توافر الكتب المتخصصة والدوريات العلمية ذات الثقل، عكس ما كان متاحاً فى مصر فى تلك الفترة، بالإضافة للجاهزية المستمرة لتلقى العلم منذ التاسعة صباحاً وحتى الخامسة مساء، الجميع يعملون كخلية نحل».
أحترم السيدات اللاتى يفضلن رعاية الأطفال عن خوض تجربتهن فى العلوم
تطلّب عملها ودراستها الكثير من وقتها، بجانب دورها الرئيسى كأم وزوجة فى المقام الأول: «التعاون العائلى هو كلمة السر، كنت أهتم كثيراً بالعلم والدراسة، وتغمرنى رغبة ملحة فى تحقيق إنجازات لافتة، ووافقنى زوجى على ذلك، واستمر فى دعمى دوماً». تجد أن زمام الأمور بيد السيدات أنفسهن، وتسوق دليلاً على صحة حديثها: «ماذا لو أنجبت خمسة أطفال؟! لن أجد بالطبع وقتاً للعلم أو المذاكرة أو العمل». تنصح الباحثين والطلبة المبتدئين فى المجال بضرورة تركيزهم على ميولهم وأهدافهم الشخصية، وما يثير حماسهم فى العمل ويرغبون فى تحقيقه: «قابلت سيدات عالمات بطبيعة شخصياتهن، يفضّلن المكوث بالمنزل ورعاية الأطفال عن خوض تجربتهن الخاصة فى العلوم، وأكنّ لهن كامل الاحترام، لأنهن على وعى بما يرغبنه».
للنشأة دورها القاطع فى تشكيل وعى ونضج شخصية «التمتامى»: «والدى كان مديراً للجهاز المركزى للمحاسبات، ووالدتى كانت مدرسة، نشأنا أنا وإخوتى الأربعة على إعطاء الأولوية فى الحياة للعلم وليس للمادة، وأنه ليس هناك فروق بين ولد وبنت فى الدراسة والنجاح والإنجاز»، وهو ما دفعها للرجوع إلى مصر والعزوف عن إكمال مشوارها بالخارج: «كان باستطاعتى افتتاح مركز أو عيادة فى أمريكا، والتركيز على كسب المال، لكننى عدت لأنى محبة لوطنى وحريصة على إفادته». وهنا تظهر أمامها صورتها جلية وهى فى حفل تخرجها من الجامعة، الأولى على دفعتها، وتتسلم شهادتها من الرئيس جمال عبدالناصر: «لن أقدر على نسيان تلك اللحظة، لأنها كانت نقطة التحول الأولى فى حياتى، ومصدر فخر لوالدى بى».
لحظات التكريم تنسيها كل ما تكبدته من عناء فى البحث والدراسة المستمرين: «حصلت على العديد من الجوائز العالمية والمحلية، منها وسام الجمهورية للعلوم والفنون عام 2013، وجائزة مؤسسة هوجو للجينوم البشرى لقارة أفريقيا عام 2017 من ألمانيا، لكن التكريم فى مصر بالأخص له طعم مختلف، يُشعرنى أن بلادنا تقدّر العلم الذى بذلت فيه حياتى، وأتأكد حينها أننى قضيت عمرى فى إفادة بلدى والعلم والبشرية».
تدين ما يروجه البعض من وصف مصر ببلد متخلف أو متأخر علمياً: «انطباعات مغلوطة، لأننا فى مصر ننظم مؤتمرات دولية كثيرة، ولدينا أساتذة كبار فى مختلف العلوم وبالأخص الوراثة البشرية، نحرز فيها تقدماً ملحوظاً، رغم ذلك فنحن فى حاجة إلى بعض المتطلبات والأجهزة والكيماويات، فلا ينقصنا سوى بعض الإمكانيات الإضافية، لكن مستوانا فى التشخيص يضاهى ما يحدث بالخارج».
لم يخلُ مشوارها من المضايقات، ومحاولات متكررة لتعطيل مسيرتها لمجرد كونها امرأة: «النجاح دوماً له أعداء، لكن دوماً القافلة تسير، كنت أشارك زوجى يومياً ما أتعرض له من إزعاج، ويساندنى بالدعم المعنوى، وكنت أحدّث نفسى أننى لن أتأثر وسأكمل طريقى، حتى تخلصت منهم وتفوقت عليهم بهذه الطريقة». وتدافع بحزم عن إيمانها بقدرة المرأة الفائقة فى كافة المجالات، وأنه لا عوائق أمامها ولا مبرر للتقليل من شأنها: «أتذكر جيداً أننى أخذت شهراً واحداً فقط كإجازة وضع، لم أضيّع أى وقت فى الإجازات، ولم أكتفِ بما حققته إلى الآن، بل لدىّ مزيد من الأهداف التى أريد تحقيقها، لأن العلم يجرى فى دمائى».