توثيق سينمائى: قبل «السوشيال ميديا»..وسائل الاتصال كما ظهرت فى أفلام «حياة أو موت» و«لن أعترف» و«شاطئ الغرام»
مشهد من فيلم «حياة أو موت»
ذاكرة السينما تزخر بأعمال فنية حُفرت فى الوجدان، ولا نزال نستمتع بمشاهدها البسيطة والبعيدة فى الوقت نفسه عن واقعنا المعيش، والتى ما كان لها أن تشهد النور لو ولدت فى زمن التكنولوجيا و«السوشيال ميديا».
«البوسطجى»، أحد أهم الأفلام التى عُرضت فى دور السينما عام 1968، عن رواية للكاتب الكبير يحيى حقى تحمل الاسم ذاته، وتعتمد أحداثه على مهنة تكاد تندثر فى العصر الحالى، وهى ساعى البريد، فالخطاب الذى لم تتسلمه البطلة «جميلة»، بعد أن أتلفه البوسطجى «عباس»، كان من الممكن أن يغير خط سير الأحداث إن وصلها، فلا ينتهى العمل بمقتلها على يد والدها.
«حياة أو موت»، فيلم آخر عُرض فى السينما عام 1954 من تأليف على الزرقانى، وإخراج كمال الشيخ، تعتمد أحداثه على محاولات بدائية للوصول إلى مريض بأزمة قلبية يدعى «أحمد إبراهيم»، قاطن فى منطقة دير النحاس، لمنعه من تناول دواء أرسل ابنته فى طلبه به سم قاتل.
فيلم «لن أعترف» بطولة الفنانة فاتن حمامة، والذى أنتج عام 1961، تمحور حول «ورقة البوسطة» التى وصلت متأخرة 6 أشهر، ما غير خط سير الأحداث، وفيلم «أغلى من حياتى»، إنتاج عام 1965، تغير مسار قصة الحب التى جمعت بين بطلى الفيلم المأخوذ عن قصة «الشارع الخلفى» للروائية الأمريكية فانى هيرست، تأليف محمد أبويوسف، وإخراج محمود ذو الفقار، بسبب تأخر تسلم البطل «أحمد» رسالة حبيبته «منى»، ما دفعه للسفر خارج البلاد ويتزوج هناك، وينجب طفلين، لكنه يقابل «منى» ثانية ويتزوجان رغم حياته الجديدة.
فيلم «شاطئ الغرام»، الذى أنتج عام 1950، بدأت أحداثه بقيام «عادل» بإرسال تليغراف إلى ابنة عمته يبلغها فيه بتعذر وصوله من مرسى مطروح بسبب عطل فى سيارته، فترد عليه بتليغراف آخر تطلب منه العودة فى أسرع وقت، فتتسلمه الراقصة «سهير»، صديقة عادل، ورفيقته فى مطروح، وتعدل كلماته، ليتسبب التليغراف فى أزمة بين الطرفين تستمر حتى نهاية الفيلم.
الناقد محمود عبدالشكور أوضح أن الأفلام كانت تعتمد على عصر «الورقة والقلم» دون استخدام وسائل التواصل الاجتماعى، معتبراً أن الأعمال التى قدمت وقتها استفادت من الوسائل المتاحة، و«نجحت فى نقل شفافية الكلمة المكتوبة وتأثيرها، وتقديم دراما قائمة على تفاصيل تلك الخطابات»، على حد تعبيره. وقال «عبدالشكور»: «عندما نشاهد تلك النوعية من الأفلام نشعر بالحنين إلى الماضى، فالأفلام أظهرت مدى إمكانية البشر وإيجادهم للوقت لكتابة الجوابات وإرسالها وانتظار الرد»، معتبراً أن «تلك الأفلام جيدة فنياً ومن كلاسيكيات فترة الخمسينات والستينات».
وتابع: «فكرة الجوابات استمرت من القرن 19 حتى الـ20، حتى حدوث ثورة تكنولوجية، وظهور التليفون ثم الراديو والتليفزيون، وأثر التطور على صناعة الأفلام، ومن المؤكد إذا استخدمنا تلك التكنولوجيا فى نوعية الأفلام المطروحة وقتها كان العمل انتهى قبل أن يبدأ، نظراً لاعتماد قصته بالكامل على استخدام الجوابات أو الهواتف المحمولة».
وقال الناقد محمود قاسم إن «الحضارة بالتأكيد تسهل الحياة، بمعنى أن الحياة دون استخدام موبايلات كانت فى غاية الصعوبة»، معتبراً أن السوشيال ميديا طورت الحياة بنظام «المتوالية الهندسية».
وأضاف «قاسم» أن السوشيال ميديا جعلت إيقاع قصص الأفلام أسرع وأكثر جدية، ما أدى إلى عدم وجود حميمية بين البشر، وابتعاد كثيرين عن صلة الرحم، وخلقت مسافات واضحة بين البشر، ومثال على ذلك فيلم «لن أعترف» للفنانة فاتن حمامة، التى تغيرت حياتها بسبب خطاب وصل متأخراً، لكن فى الوقت الحالى نحن لسنا بحاجة لمهنة البوسطجى «لأن مفيش حد بيراسل شخص بجوابات فى الأساس».