«الوطن» فى قلب المدينة المنكوبة بالإرهاب
تحولت مدينة المنصورة فى الساعات الأولى من صباح أمس إلى مدينة أشباح يسودها الذعر ويغطيها الظلام وتعمّها الفوضى، بعد التفجير الإرهابى، الذى استهدف مبنى مديرية أمن الدقهلية، وأسفر عن سقوط 13 شهيداً، بينهم ضابطان، وإصابة 134 آخرين، بينهم مدير الأمن اللواء سامى الميهى، الذى أصيب فى عينيه، واللواء سعيد عمارة، مدير مباحث المديرية، الذى أصيب بجروح وكدمات فى أنحاء متفرقة من جسده.
وقع الانفجار فى محيط مديرية الأمن، وشعر به سكان مدينتى المنصورة وطلخا، بعد قيام إرهابيين بتفجير سيارة مفخخة فى الشارع الجانبى لمبنى المديرية، مسبباً انهيار أجزاء من مبنى المديرية، بداية من الدور الخامس حتى الدور الأرضى، وانهيار مسرح المنصورة القومى الأثرى المجاور للمبنى، علاوة على تصدّع مسجد الصالح أيوب الأثرى، ومسجد الصالح الصغير وبنك المصرف المتحد وتحطم نوافذ البنك الأهلى ومبنى مركز ومدينة المنصورة، وواجهات مبنى شركة بيع المصنوعات المصرية وزجاج نوافذ عشرات العمارات السكنية، وتحطيم أكثر من 100 محل تجارى فى شارع العباسى وشارع السكة الجديدة، مسبباً خسائر مادية فادحة تقدّر بملايين الجنيهات.
وقال مصدر أمنى إن سيارة مفخخة بمواد شديدة الانفجار انفجرت فى الثانية عشرة والنصف من صباح أمس، وأسهم توقيت الانفجار فى التقليل من أعداد القتلى والمصابين، حيث خلت الشوارع من المارة، مضيفاً: أن مديرية الأمن جرى تأمينها بوسائل تأمين مشدّدة، مشيراً إلى وجود حواجز تمنع دخول أى سيارة غير تابعة للمديرية، واستبعد دخول السيارة المفخخة إلى داخل المبنى. وهرع أهالى المنصورة إلى موقع الانفجار، لإنقاذ المصابين واستخراج الشهداء من تحت الأنقاض، ومساعدة قوات الدفاع المدنى والإسعاف، حيث جرى نقل المصابين والشهداء إلى مستشفى المنصورة الدولى، ومن شدة الضغط جرى فتح جميع مستشفيات المنصورة الحكومية، التى توافد إليها مئات المواطنين للتبرع بالدم.
التفجير الذى تم بسيارة مفخخة تحمل ما لا يقل عن 500 كيلوجرام من المواد المتفجرة تسبب على الفور فى انهيار الجانب الأيمن من مبنى المديرية بارتفاع طوابقها الخمسة، وانهيار شبه كامل لعقار البنك المتحد، وانهيارات مماثلة فى مبنى المسرح القومى المجاور لمبنى البنك، وهما مبنيان أثريان، ثم امتد أثر الموجة الانفجارية للسيارة المفخخة ليتسبب فى تحطم جميع واجهات المبانى والمحلات فى محيط يتجاوز الكيلومترين من كل الاتجاهات، ثم انقطع التيار الكهربائى وساد الظلام.[FirstQuote]
وأسفر الانفجار مباشرة عن مقتل 11 فى الحال: 7 من أفراد الشرطة كانوا داخل مدرعة لتأمين المديرية، والباقون تصادف وجودهم فى المكان، ومدنيون كانوا يستقلون سيارة تاكسى كانت تمر بالمصادفة، وتسبّبت الموجة الانفجارية فى حدوث تلفيات هائلة فى جوانب مبنى مديرية الأمن، وإصابة العشرات ممن كانوا بداخله، ومن بينهم مدير الأمن اللواء سامى الميهى، الذى يقع مكتبه فى الطابق الثانى من المبنى، واللواء سعيد عمارة، مدير المباحث، الذى يقع مكتبه فى نفس الطابق، واستشهاد العقيد سامح سعودى، مدير الرقابة الجنائية، والمقدم سيد رأفت، والرقيب محمد عبدالعزيز عبدالكريم و الرقيب سعد مصطفى، والمجند محمد صابر مطاوع، ويونس أبوالمعاطى محمد، وأحمد صبحى حرحش، ويوسف المغاورى عيسى، ومحمد لطفى حسانين زين الدين، بالإضافة إلى ثلاثة مجهولين، حوّل الانفجار أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى 134 مصاباً تم نقلهم إلى مستشفيات الطوارئ وطلخا والمستشفى الدولى والمنصورة العام.
كما أسفر الانفجار عن انهيار واجهة المبنى الجانبية للمديرية وانهيار جزئى فى عدد من المبانى القريبة، من بينها مجلس مدينة المنصورة، والمسرح القومى، والمصرف المتحد، وإتلاف المئات من سيارات الشرطة والمواطنين وعدد لا يحصى من المحلات التجارية.
وفى نصف الساعة التالية لوقوع الانفجار كان الأهالى يتولون عمليات نقل الجرحى ورفع الأنقاض حتى وصلت قوات الحماية المدنية والإسعاف، بينما انتقل إلى موقع الحادث ما لا يقل عن 50 سيارة إطفاء وأكثر من 100 سيارة إسعاف، بالإضافة إلى لوادر وأوناش لرفع الأنقاض، وأثار الانفجار حالة من الفوضى والذعر، فى غياب كامل للقيادات الأمنية.
واستمرت عمليات رفع الأنقاض ونقل المصابين حتى الثالثة فجراً، وانتهت برفع كتلة هائلة من الخرسانة، سقطت من أعلى بنك المصرف المتحد على مدرعة الشرطة، وانتشال جثة لأحد المجندين ممن كانوا داخل المدرعة. فيما تحوّل محيط مبنى المديرية إلى ساحة هائلة من الأنقاض والخراب فى مساحة لا تقل عن الكيلومترين، حيث غطت برك المياه بعض الشوارع، وحوّلتها إلى مستنقعات، بينما غطت طبقة سميكة من زجاج المحلات وفاترينات العرض المنتشرة بكثرة فى تلك المنطقة أرضيات كل الشوارع تقريباً، وتناثرت على معظمها شظايا الزجاج وبقايا فاترينات العرض والبضائع، بينما ظل أصحاب المحلات يهرولون فى كل اتجاه لجمع بضاعتهم التى بعثرها الانفجار فى الشوارع، وعلى الجانبين سيارات مدمرة بشكل كامل.
وسارع الأهالى إلى صب غضبهم على جماعة الإخوان وتوعّدوا بالثأر بأنفسهم من أى شخص يثبت انتماؤه إلى الجماعة، وحمدوا الله أن المدينة نجت من كارثة أكبر، حيث توجد فى الجهة الخلفية لمبنى مديرية الأمن محطة وقود على بعد 10 أمتار فقط من موقع الانفجار الذى دمّر المحطة بشكل كامل، دون أن يمتد إلى خزانات الوقود تحت الأرض.
محمد نبيل أحد أصحاب المحلات المدمّرة قال إنه كان فى مدينة نبروه التى تبعد عن المنصورة مسافة 9 كيلومترات، وسمع من هناك صوت الانفجار، ولم يعرف مصدره فى البداية، واعتقد أنه تفجير فى مركز نبروه، فسارع بالعودة إلى منزله فى المنصورة، وفى الطريق علم بوقوع الانفجار فى مبنى مديرية الأمن الذى يقع على مقربة من محله، ولدى وصوله فوجئ بأن الباب المعدنى قد تحطم، كما شاهد كومة من الزجاج تحت قدميه، بينما وجد بضاعته مبعثرة فى كل اتجاه.
وقال إيهاب عبدالمحسن إنه يمتلك محلاً لبيع الهواتف، وإنه كان بشقته فى شارع جيهان السادات على بعد 3 كيلومترات من مديرية الأمن، حين وقوع الانفجار: «كنت نايم وصحيت على الصوت، وأنا متأكد أن الهزة دى بسبب زلزال، لكن واحد زميلى كلمنى وقال لى إن المديرية اتفجرت، جريت على المحل لقيته كوم تراب والبضاعة غرقانة فى الميه قدّام المحل».
أما على حسنين صاحب محل عطارة، ففقد بضاعته جراء الانفجار. وقال: «البضاعة طارت فى الهوا، بقت تراب، الناس ماشية عليه، مش عاوز تعويض، بس عاوز الحكومة تحمى نفسها عشان تعرف تحمينا بعد كده». وأضاف: «الإخوان هم اللى ورا الموضوع ده واحنا من النهارده اللى هنشوفه منهم هنقتله».
وعلى مدى الساعات التالية للانفجار، كانت مكبرات الصوت فى مساجد المدينة تحث الأهالى على التوجه إلى المستشفيات للتبرع بالدم، بينما تجوّلت فى الشوارع سيارات ملاكى وأجرة لنقل المواطنين الراغبين فى التبرع مجاناً.
وبحلول الرابعة فجراً، بدأت القيادات الأمنية تصل إلى موقع الحادث، واستمرت عمليات رفع الأنقاض حتى السابعة صباحاً. وبدأت النيابة العامة التحقيق فى الحادث الإرهابى، وقرر المستشار أحمد نصر، المحامى العام لنيابات جنوب الدقهلية، تشكيل فريق من النيابة العامة، برئاسة شريف عون، ومشاركة 14 وكيل نيابة، وانتداب لجنة من مصلحة الطب الشرعى لتشريح جثامين الشهداء، وتقديم تقرير مفصّل عن أسباب وفاة كل جثة، وسرعة إصدار تصاريح الدفن بعد التشريح وندب خبراء مفرقعات لبيان المادة المسبّبة للانفجار، بالإضافة إلى خبراء من البحث الجنائى لتفريغ كاميرات المراقبة الخاصة بالمصرف المتحد ومبنى مديرية الأمن ولجنة من الإدارة الهندسية وبيان التلفيات التى لحقت بالمنشآت العامة والخاصة، وتقدير قيمة الخسائر الناجمة عن الحادث وتشكيل لجنة من إدارة مرور الدقهلية لفحص السيارات الحكومية والخاصة التالفة وتحديد قيمة الخسائر الموجودة بها، وانتداب مصور جنائى لتصوير مكان الواقعة وجميع المحلات التجارية التى لحقت بها أضرار جراء الانفجار. وتولى فريق من البحث الجنائى مهمة جمع الأدلة من مسرح الجريمة، حيث وضعوا جميع الأدلة فى أكياس بلاستيكية، لتحليلها للوصول إلى المواد المستخدمة فى الانفجار وطريقة التفجير. واستبعد مصدر أمنى أن يكون الحادث ناتجاً عن دخول سيارة مفخخة إلى داخل مديرية الأمن، مؤكداً على تأمين المبنى بأعلى درجات التأمين، التى تجعل من دخول سيارة غير تابعة لسيارات الشرطة أمراً بالغ الصعوبة، بسبب وجود حواجز أمنية متعددة قبل المدخل الرئيسى، علاوة على الانتشار الأمنى المكثّف لعناصر تأمين المبنى ومحيطه.
أخبار متعلقة:
أشلاء تحت الأنقاض.. ورأس دون جسد
النيابة: انتحارى «ملثم» اقتحم جراج المديرية بسيارة نصف نقل «مفخخة»
النائب العام يعاين مكان الحادث ويطلب تحريات الأمن الوطنى
وزير الداخلية: الإخوان يسعون لخراب مصر.. ومصادر: لدينا 4 سيناريوهات للانفجار
التفجير على مواقع التواصل: «وما أدراك ما التسعينات؟»
مصادر سيادية: معلومات أولية تكشف تورط 5 من «بيت المقدس» فى الحادث
«الوطن» كشفت خلية المنصورة الإرهابية ومجند إخوانى صور مبنى المديرية قبل أسبوع من تفجيرها
إرهاب المنصورة يبدأ من «ذبح السائق» وتفجير المديرية
«الطيب»: لا بد من تعقب الإرهابيين والقصاص منهم و«جمعة»: المحرضون والصامتون والشامتون شركاء
تعزيزات أمنية حول مديريات الأمن وأقسام الشرطة فى المحافظات.. وانتشار أكمنة وعناصر قتالية لمحاصرة الإرهابيين
بعد التفجير.. إخوان الإسكندرية يثيرون الرعب بين الأهالى
المصابون: جثامين الشهداء تطايرت وسقطت فوق رؤوسنا
بيوت المنصورة وطلخا تتوحد لدعم المصابين والمستشفيات بـ«الدم والبطاطين»
قائد المدرعة «الناجى»: «نجوت بسبب عزومة على كوباية شاى»
مجند «الأسانسير»: أطالب بعلاجى فى الخارج حتى أعود للقضاء على الإرهاب
جنود مصابون لـ«الوطن»: مجهولون سرقوا أسلحة بعض المجندين أثناء فقدانهم الوعى
6 مشاهد فى ليلة الدم والدمار