هل ينجح السيناريو الأمريكى فى حماية صناعة الحديد من غزو الاستيراد؟
أحد مصانع الحديد
ألقت السياسات الحمائية بقطاع الحديد التى تتبناها أغلب الدول والتكتلات السياسية والاقتصادية العالمية حالياً بظلالها على السوق المصرية، لتتصاعد وتيرة مطالب عدد كبير من شركات الحديد العاملة داخل السوق بضرورة المسارعة فى إصدار قرارات مماثلة تجاه واردات الحديد القادمة للسوق بنسب حمائية تصل لنحو 25%، وذلك خشية حدوث نتائج وتداعيات سلبية لتلك السياسات العالمية على السوق المصرية من خلال إغراقها بالمنتجات المستوردة التى وجدت عوائق كبيرة فى دخول الكثير من الأسواق الأخرى، وهو الأمر الذى يمثل تهديداً كبيراً للصناعة الوطنية ويبدد خطط الحكومة فى تحقيق الاستفادة المرجوة من برامج تعميق التصنيع المحلى وترشيد الاستيراد التى تنتهجها الدولة خلال المرحلة الراهنة، فعلى الرغم من الرسوم التى فرضتها الحكومة بنهاية العام الماضى على واردات الحديد التركى والأوكرانى والصينى، فإن الحديد المستورد لا يزال يمثل تهديداً كبيراً ومنافساً قوياً لشركات الحديد المحلية، خاصة فى ظل دخول وافد جديد للسوق وهو الحديد السعودى، الذى تنامت معدلات استيراده مؤخراً، بما دفع الشركات للتقدم لجهاز مكافحة الإغراق التابع لوزارة الصناعة والتجارة من أجل المسارعة نحو فرض رسوم حمائية على الواردات كافة، على غرار ما اتخذته كافة التكتلات الاقتصادية العالمية.
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية فى مقدمة الدول التى طبقت تلك السياسات الحمائية، حيث بدأت تحقيقاً فى أبريل 2017 فيما إذا كانت الواردات الأجنبية من الصلب تقوض الأمن القومى الأمريكى، وبعد قرابة 11 شهراً من التحقيقات اتخذ ترامب قراراً بفرض رسوم جمركية 25% على واردات أمريكا من الحديد والصلب، و10% على واردات الألومنيوم، وهو ما كان بادرة للحرب التجارية بين أمريكا واقتصاديات كبرى أخرى منها الصين وبعض الدول الأوروبية، وهو الأمر الذى دفع دول الاتحاد الأوروبى إلى فرض رسوم مماثلة، وتبعتها بعد ذلك تركيا أيضاً بنسبة 25%، ثم مؤخراً أعلنت دول الاتحاد الأوروبى عن بدء تحقيقات حماية لنفس الغرض.
جمال الجارحى: لدينا 7 ملايين طن طاقات فائضة بالمصانع.. ولا بديل عن رسوم الحماية لوقف الخسائر وتطبيق مبدأ «المعاملة بالمثل»
ومن ناحيته قال رجل الأعمال جمال الجارحى، رئيس غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، إن هناك أهمية حتمية لأن تسارع الحكومة نحو حماية صناعاتها المحلية، خاصة بقطاع الحديد من زحف حركة الواردات العالمية المتنامية للسوق المحلية، التى تهدد القطاع بتكبد خسائر فادحة فى ظل صعوبة المنافسة مع تلك المنتجات التى تمتلك عدداً من الإمكانات والمؤهلات غير المتوافرة فى صناعة الحديد المحلية، التى تعانى من الأساس من وجود ارتفاع بتكلفة الإنتاج الصناعى ومستلزماتها مثل الغاز والكهرباء، وأشار إلى أن الشهرين الماضيين شهدا نمواً فى حركة مبيعات عدد من منتجات الحديد خاصة الحديد السعودى، حيث بلغ قيمة فاتورة استيراد الحديد السعودى خلالهما نحو 300 ألف طن، منوهاً بأن نمو معدلات الاستيراد يأتى على الرغم من وجود فائض لدى شركات الحديد الوطنية يصل لنحو 7 ملايين طن، فى ظل وصول حجم الطاقات الإنتاجية المتاحة لدى المصانع إلى نحو 14 مليون طن، بما يعنى أن حجم المبيعات يبلغ نحو 7 ملايين طن فقط سنوياً، وأضاف الجارحى أن جهاز مكافحة الإغراق التابع لوزارة التجارة والصناعة يدرس حالياً المذكرة التى تقدمت بها الغرفة والتى تبرز حجم الخسائر والتهديدات التى تعانى منها صناعة الحديد المحلية بسبب تلك الواردات، التى زادت بشكل كبير منذ بداية العام الجارى، خاصة من دولتى السعودية واليونان، وتابع الجارحى أن الرسوم التى فرضتها الحكومة خلال العام الماضى لم تكن كافية لحماية الصناعة الوطنية، مشدداً على ضرورة العمل على حماية الاستثمارات العاملة بالقطاع، البالغة قيمتها نحو 150 مليار جنيه.
وأكد المهندس طارق الجيوشى، رئيس شركة الجيوشى للصلب، أن العامل الرئيسى وراء مطالب شركات الحديد هو توفير الحماية العاجلة لصناعة الحديد المحلية، فى ظل قيام كافة الأسواق الرئيسية للصناعة بدعم منتجاتها لغزو الأسواق المفتوحة مثل السوق المصرية، مشيراً إلى أن شركات الحديد المحلية تعانى من صعوبات كبيرة للمنافسة أمام تلك الواردات فى ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج فى مصر، التى يبلغ متوسط الزيادة بها نحو 25% مقارنة بمختلف الأسواق الأخرى، ونوه بأن أبرز التكاليف المرتفعة تأتى من ارتفاع تكلفة أسعار الغاز المورد للمصانع، والتكلفة الاستثمارية لبناء محطات توليد الكهرباء والمفروضة على المصانع، ما يفقد المزايا التنافسية للصناعة الوطنية فى الأسواق الداخلية والخارجية، وأشار الجيوشى إلى أن ما يتردد حول إمكانية أن تدفع تلك السياسات لوقوع أية ممارسات احتكارية بالسوق يعد غير منطقى، فى ظل اقتصار السوق على نحو 30 مصنعاً فقط فى مجال الصلب.
سمير نعمان: 1000 قضية لفرض رسوم حماية عالمياً.. و«الجيوشى»: ارتفاع التكاليف يصعب من المنافسة مع الحديد المستورد
واتفق معه سمير نعمان، رئيس قطاع المبيعات بمجموعة حديد عز، مشيراً إلى أنه فى الوقت الحالى يوجد أكثر من 1000 قضية لفرض رسوم حماية فى العالم أجمع، والدولة حتى الآن ما زالت منتظرة ولا نعلم السبب، مطالباً الحكومة بحماية صناعة الحديد لأن كل دول العالم تحمى صناعاتها بما يخالف أحكام وقواعد منظمة التجارة العالمية، سواء الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبى أو تركيا، ونوه بأن كافة دول العالم تقوم حالياً بإجراءات من أجل حماية صناعتها، مثل أمريكا التى فرضت 25% على واردات الصلب وقامت برفعها لنحو 50%، وكذلك تركيا وغيرها من الدول الأخرى، مشيراً إلى أبرز الدول التى نستورد منها الحديد وتشكل خطورة على الصناعة المحلية وهى تركيا والسعودية وأوكرانيا وروسيا، مضيفاً أن العالم كله يسير على نفس منهج «ترامب» لحماية صناعته المحلية، ولفت إلى أنه يوجد خلط بين رسوم الإغراق ورسم الحماية، مضيفاً أن العام الماضى الدولة فرضت رسوماً نهائية لمكافحة الإغراق على الواردات من صنف حديد التسليح المصدرة من أو ذات منشأ الصين وتركيا وأوكرانيا لمدة 5 سنوات.
حسن المراكبى: السياسات الحمائية العالمية بدأت تنعكس على نتائج أعمال الشركات.. و40% حجم الطاقات المباعة منذ بداية العام
وقال حسن المراكبى، رئيس شركة المراكبى للصلب، إن تداعيات السياسات الحمائية المتبعة فى أغلب الأسواق الرئيسية لصناعة الصلب، بدأت تنعكس سلباً على مؤشرات ونتائج أعمال شركات الحديد المحلية خلال الربع الثالث من العام الجارى، منوهاً بأن هناك انكماشاً فى معدلات الطلب على منتجات الحديد المحلية، حيث لم تتجاوز مبيعات الشركات 40% من مستهدفاتها البيعية للعام الجارى، وأضاف أن استمرار الوضع الراهن ينذر بدخول صناعة الحديد فى مصر فى أزمة كبيرة، خاصة أن أغلب الموردين واللاعبين الرئيسيين فى الصناعة عالمياً اتجهوا للتوسع والتصدير للأسواق المفتوحة مثل مصر.