"تيار الاستقلال".. قضاة سقطوا في فخ الإخوان
الفكر مشغول بقضيته.. يدافع عنها حتى الرمق الأخير، بصرف النظر عما سيلاقي من عنت، وما يوصله تشبثه بوجهة نظره إلي نهايات الجحيم.. حياة على حد السكين وموت من آثار طعنات السكين.. دائمًا الحقيقة مهرها غال تطير من أجل عيونها الرقاب، ويكبل المغرم بها بالأصفاد، فتحفرها أظافر العشق إن لم يكن علي صفحات كتاب فعلى جدران الزنازين .. الحقيقة التي خاطر من أجلها قضاة تيار الاستقلال، ورفعوا شعار "استقلال القضاء" في وجه السلطان الجائر مبارك قبل 25 يناير.
لمع اسمهم وعلا نجمهم، بفضل مواقفهم المناهضة لتغوُّل السلطة التنفيذية فى شئون القضاة، وتحولا من السير في ركاب الدفاع عن القضاء إلى السير في فخ الإخوان والسلطة، وصار منطق "للسلطة حسابات أخرى" هو المتعارف عليه عقب صعود قيادات تيار الاستقلال صعودا كبيرا، سواء فى مؤسسة الرئاسة أو على صعيد الجمعية التأسيسية أو مؤسسات رقابية وقضائية بعد فوز الرئيس السابق محمد مرسى بالانتخابات الرئاسية، حيث احتل المستشار محمود مكي منصب نائب رئيس الجمهورية، وعين شقيقه المستشار أحمد مكي، وزيرا للعدل، وأصبح المستشار هشام جنينة رئيسا للجهاز المركزي للمحاسبات، واختير المستشار حسام الغرياني رئيسا للجمعية التأسيسية لوضع الدستور، ورئيسا للمجلس القومي لحقوق الإنسان، وكان المستشار محمود الخضيري رئيسا للجنة التشريعية بمجلس الشعب، الذى تم حله بحكم قضائي.
"السيطرة والتمكين" التي سعت إليها الجماعة ومؤسسة الرئاسة في عهد المعزول، جعل الزخم الذي راكمه التيار طوال سنوات عملهم ونضالهم مدافعين عن "استقلال القضاء"، بدأ يتأثر بالطبع بأدائهما المدافع عن "مؤسسة الرئاسة والحكومة"، فى ظل حكم الرئيس السابق محمد مرسى والإخوان، بل والانحياز إليه فى بعض المواقف.
ظهور تيار الاستقلال بقوة فى عهد الدكتور محمد مرسى ترجع جذوره الواضحة أمام المجتمع إلى نهاية عام 2005، أثناء دعم الإخوان مع تيارات وحركات وطنية تيار الاستقلال فى مظاهرات حاشدة، عندما طالب أعضاء التيار بتعديل قانون السلطة القضائية للحد من تدخل السلطة التنفيذية فى العدالة، وكشف عدد من رموزه عن قيام جهاز مباحث أمن الدولة بعمليات تزوير واسعة فى انتخابات مجلس الشعب آنذاك خلال المرحلتين الثانية والثالثة من الانتخابات.
بعد ثورة 25 يناير، خاض التيار عددا من المعارك لبسط سيطرته الكاملة على المؤسسات القائمة والمتماسكة فى الدولة، كانت البداية بأزمة النائب العام السابق المستشار عبدالمجيد محمود عندما أصدر الرئيس المعزول محمد مرسي قرارا جمهوريا بإقالة النائب العام وتعيينه سفيرا للفاتيكان، وما تبعه هذا القرار من أزمة بين مؤسسة القضاء والرئاسة ليبقى النائب العام فى منصبه بعد أحاديث عن دور المستشار حسام الغرياني فى إقناع المستشار عبدالمجيد محمود بقبول المنصب الجديد، مخالفا ما دافع عنه من تدخل السلطة التنفيذية فى عمل القضاء.
مواقف التيار قبل وصوله إلى السلطة اختلفت تمامًا عن ما بعدها، فقد أيد قانون الطوارئ الذي أصدره المعزول، وصمت على الإعلان الدستوري، رغم ما يحمله من انتهاك للسلطة القضائية، فضلا عن تحصين قرارات الرئيس، وإقالة النائب العام من منصبه، وتعيين بديل عنه، بالمخالفة لقانون السلطة القضائية.
"تذكر يا إسماعيل بيه أنهم فى سن أبنائك".. كلمات قالها المستشار محمود مكي، أحد قضاة تيار الاستقلال في وجه اللواء إسماعيل الشاعر، مدير أمن القاهرة وقتها، بشكل مباشر بسبب تعديه على المعتصمين المتضامنين مع القضاة، ولكن المواقف تباينت حينما أصبح في السلطة، فيرفض أن يكررها في وجه الرئيس المعزول محمد مرسي بعد ملاحقته للثوار خلال فترة حكمه، والاعتداء والقتل لمتظاهري الاتحادية.
كل تلك الأحداث تسببت فى صدمة كبيرة لدى قطاع كبير من القضاة، الذين كانوا يرون فيهما قِبلة للاستقلال وسندا للسلطة القضائية فى مواجهة تغوُّل السلطة التنفيذية، وهكذا انتهى مسلسل قضاة الاستقلال بعد سقوط الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعته، وصار رموز ذلك التيار مطلوبين للعدالة.. تحول غريب لهؤلاء القضاة من الحكم على المتهمين إلى مدانين في عدد من القضايا، بعدما أمر المستشار محمد شيرين فهمي قاضي التحقيق المنتدب من وزارة العدل، بمنع عدد من قضاة "تيار الاستقلال" من السفر.