المنوفية.. عجز العمالة المدربة يطال عشرات المصانع.. ونسبة عمال «السودان وبنجلاديش وباكستان» تجاوزت المسموح
أحد مصانع المنوفية توسع فى تشغيل العمالة الأجنبية فوق النسب التى أقرها قانون العمل
متناقضات كبيرة تحملها محافظة المنوفية، التى طالما اشتهرت لعقود بأنها أكثر المحافظات الطاردة للسكان، بسبب عدم توافر فرص عمل بها، فى الوقت الذى تشكو فيه عشرات المصانع بها معاناتها بسبب العجز فى وجود العمال المدربة، خاصةً المنطقة الصناعية بمدينة السادات، التى تتجاوز قيمة الاستثمارات بها أكثر من 200 مليار جنيه، وكذلك المنطقة الصناعية بمدينة قويسنا، والمنطقة الحرة بمدينة شبين الكوم، رغم أن الرواتب التى يحصل عليها العاملون فى معظم تلك المصانع يصعب الحصول عليها فى القطاع الحكومى، الذى يتهافت عليه مئات الآلاف من أبناء المحافظة مع كل مسابقة توظيف يتم الإعلان عنها، ونظراً لعزوف غالبية الشباب عن العمل فى القطاع الخاص، يضطر أصحاب المصانع إلى الاستعانة بالعمالة الأجنبية، التى بدأت تظهر بكثرة فى المناطق الصناعية بالمنوفية، من جنسيات مختلفة مثل السودان وبنجلاديش وباكستان، إضافة إلى أعداد كبيرة من السوريين، الذين لجأوا إلى مصر هرباً من ويلات الحرب التى دمرت بلدهم، وبالرغم من أن قانون العمل يلزم المستثمرين بعدم تجاوز العمالة الأجنبية نسبة 10% من إجمالى عدد العمال، فإن عدداً كبيراً من المصانع قد تجاوز النسبة المقررة، فى ظل ضعف إشراف وزارة القوى العاملة ومكاتب العمل، ووصل الأمر فى بعض المصانع إلى حد استبدال العمال الأجانب بالمصريين.
المهندس «ياسر مطر»، صاحب مصنع غزل ونسيج بمدينة السادات، أكد لـ«الوطن»، أن لجوء أصحاب المصانع والشركات للعمال الأجانب يرجع إلى عدة أسباب، أهمها أنه أقل أجراً من العمال المصريين، وبالرغم من أن العامل الأجنبى يتقاضى راتبه بالدولار، بمتوسط نحو 200 دولار، بينما يتراوح ما يتقاضاه العامل المتوسط فى مصنعه بين 4 آلاف و4500 جنيه، وأضاف أن تفضيل العامل الأجنبى ساهمت فيه عدة عوامل، منها أنه مغترب، وليست لديه أى ارتباطات اجتماعية، ولديه قابلية كبيرة للعمل لساعات إضافية لزيادة دخله الشهرى، وتكاد تكون نسبة الالتزام 100%، بعكس العامل المصرى الذى يكون أقل التزاماً، وتتعدد مرات غيابه عن العمل بأعذار مختلفة، مثل وجود «شبورة» على الطريق، أو مراعاة طفله المريض، وقد يكون العذر حقيقياً، ولكن الغيابات الكثيرة تزعج صاحب العمل، وأضاف «مطر» أن العامل المصرى يحرص على الحصول على حقوقه ومكاسبه كاملة، من إجازات ومكافآت، قبل أن يحرص على واجبات العمل والإنجاز، بينما العامل الأجنبى يكون كل حرصه على الحفاظ على مكانه، وإرضاء صاحب العمل للحفاظ على العمل لأطول فترة ممكنة قبل أن يعود لبلاده، وتابع بقوله: «لو أقدر أستبدل العمالة اللى عندى بعمالة أجنبية كنت عملتها»، معتبراً أن الوضع يمثل «مهزلة حقيقية»، حيث إن «الشباب مش لاقى شغل، والمصانع مش لاقية عمال»، مشيراً إلى أن الجنسيات المنتشرة بمدينة السادات أغلبهم من البنغال والباكستانيين والسوريين والسودانيين، يكونون مجموعات فيما بينهم، ويفوضون شخصاً منهم للتحدث مع صاحب العمل، لتوفير فرص عمل للباقين، وأضاف أن مشكلة أصحاب المصانع لم تعد أجور العمالة، بقدر ما أصبحت مشكلة توافر العمالة ذاتها، مطالباً الدولة بمساعدة المستثمرين، وتوفير مناخ جيد للاستثمار، مؤكداً أنه «بعد تحرير سعر الصرف وارتفاع سعر الدولار، أصبحت هناك فرصة للنهوض بالصناعة والتصدير، وتقليل الاستيراد».
«عبدالوهاب»: يجب إعادة الثقة للقطاع الخاص وتعديل قوانين العمل والتأمينات لحماية العمال من «الفصل التعسفى»
أحد العمال بشركة للملابس الجاهزة فى المنطقة الحرة بمدينة شبين الكوم، طلب من «الوطن» عدم ذكر اسمه، أكد أنه «غير صحيح أن أجور العمالة الأجنبية أقل من العمال المصريين»، مشيراً إلى أن العامل فى الشركة يتقاضى راتباً يتراوح بين 1000 و2000 جنيه شهرياً، بينما يتراوح أجر العامل الأجنبى بين 300 و400 دولار، وأوضح أن معظم أصحاب المصانع يلجأون للعمالة الأجنبية لسببين، أولهما أنه يعمل عدد ساعات أكثر، حيث إن وردية الأجنبى من الممكن أن تصل إلى 12 ساعة يومياً، بالإضافة إلى استخدامهم لتقليل آثار إضرابات العمال المصريين، الذين يطالبون بالحصول على مستحقاتهم المشروعة، ولضمان عدم توقف العمل، وأشار العامل نفسه إلى أن عدد عمال المصنع يبلغ نحو 600 عامل، من بينهم 100 أجنبى، مؤكداً أن المصنع يتجاوز النسبة القانونية، وفى أكثر من مرة تقوم إدارة المصنع بإخراج عدد كبير من العمال الأجانب فى حالة وجود تفتيش من مكتب العمل، وأضاف أن طبيعة العمل فى نفس المدينة أو المحافظة، يفرض على العامل المصرى أسلوباً اجتماعياً، وتكون عليه التزامات مثل رعاية الأسرة، وحضور المناسبات المختلفة، مشيراً إلى أنه لو كان يعمل خارج مصر سيتحرر من هذه الالتزامات، التى يشكو منها أصحاب الأعمال، الذين يتهمون العمال المصريين بعدم الالتزام، وأضاف أنه بحكم عمله فى صناعة الملابس الجاهزة لسنوات طويلة، يرى أن العامل المصرى أكثر كفاءة فى العمل، ولكن ما يميز العامل الأجنبى أنه تكون لديه مرونة وقابلية كبيرة لتنفيذ ما يطلب منه، وتغيير مهام عمله إذا وُجد عجز بأقسام أخرى غير التى يعمل بها، بعكس العامل المصرى، الذى يحرص على العمل فى تخصصه.
وبينما أكد رئيس اتحاد نقابات العمال بالمنوفية، على عبدالوهاب، أن ظاهرة انتشار العمالة الأجنبية تؤثر بالسلب على العمالة المصرية، حتى لو كانوا يعملون عدد ساعات أكثر، أو أجورهم أقل، ففى النهاية يؤدى ذلك إلى الإضرار بالاقتصاد الوطنى، لأن جزءاً كبيراً من رواتبهم يتم تحويله إلى بلادهم بالعملة الصعبة، وأضاف أن أهداف التصنيع الوطنى فى مصر هى توفير عملة صعبة، من خلال الحد من الاستيراد، وفتح مجال للتصدير، بالإضافة إلى توفير فرص عمل حقيقية للشباب المتعطل عن العمل، وقال إنه «إذا كان هناك ادعاء من جانب بعض أصحاب المصانع بأن العمالة المصرية غير مدربة وتفتقد الخبرة، فلا بد عليهم توجيه جزء من استثماراتهم للتدريب فى المصانع، حتى لو كانت ورشة صغيرة، تهتم بالتدريب التحويلى، للمساعدة على تأقلم العمال على ماكينات المصنع»، مشيراً إلى أن هناك مثالاً واضحاً على أرض المنوفية، يتمثل فى قيام شركة «العربى» بإنشاء مدرسة فى مدينة قويسنا، لتدريب الطلاب وتوفير فرص عمل حقيقية لهم بمصانع الشركة، واعتبر أنه «للأسف الشديد، غالبية المستثمرين ينظرون إلى المكسب السريع، والمصلحة الفردية للمصنع أو الشركة».
وعن مراقبة النسبة المقررة للعمالة الأجنبية، أكد «عبدالوهاب» أن هذه العملية منوط بها وزارة القوى العاملة ومكاتب العمل، وأضاف: «ولكن للأسف، هناك بعض الأماكن فى قويسنا ومدينة السادات والمنطقة الحرة بشبين الكوم، تجاوزت النسبة المسموح بها»، وأضاف أن أزمة الرقابة على المصانع ليست فقط فى ضعف إشراف مكاتب العمل، ولكن بسبب محدودية إمكانياتها، وقلة عدد الموظفين، بسبب خروج موظفين على المعاش، وعدم دخول تعيينات جديدة، وأشار إلى أنه فى حالة وجود شكوى جماعية أو فردية، يتم التواصل مع القوى العاملة لفحصها والتحقيق فيها.
وعن الفجوة الكبيرة بين القطاع الخاص والشباب المتعطل، أكد رئيس اتحاد نقابات العمال بالمنوفية أن هناك حالة من «انعدام الثقة» لدى كثير من الشباب للعمل فى القطاع الخاص، وكذلك تشكك الشباب فى أصحاب المبادرات التى تهدف إلى توفير فرص تدريب وتشغيل فى مصانع وشركات القطاع الخاص، بالإضافة إلى عدم تعديل قوانين العمل والتأمينات والمعاشات، بما يحفظ حقوق العمال، وشدد على أن القوانين الحالية تعطى الفرصة للفصل التعسفى، وتضييع حقوق العمال، وكل ذلك يقدم صورة سلبية للشباب عن القطاع الخاص، ما يدفعهم للعزوف عن المخاطرة بالعمل فى المصانع والشركات الخاصة، واختتم تصريحاته لـ«الوطن» بالمطالبة بتعديل هذه القوانين، بما يحفظ حقوق العمال، بالإضافة إلى ضرورة تعظيم فكرة الانتماء للاقتصاد الوطنى لدى كل من أصحاب المصانع والعمال، الأمر الذى من شأنه أن يحقق استفادة كبيرة للاقتصاد الوطنى.