الصادرات.. نمو متواضع.. و«التعويم» لم ينجح بعد فى تحقيق المتوقع
الصادرات المصرية - صورة أرشيفية
قبل قرار تحرير سعر الصرف كان الدولار يساوى نحو 8 جنيهات، لكن بعده قفز سعر العملة الأجنبية إلى 18 جنيهاً، وهو أمر يعنى ببساطة شديدة أن المستورد الأجنبى لأى سلعة مصرية أصبحت لديه ميزة سعرية، فالدولار الذى كان يشترى منتجاً قيمته دولاراً أصبح بإمكانه شراء كمية أكثر من نفس السلعة بنفس الدولار. نظرياً فإن خفض قيمة العملة فى أى بلد يعنى أن هناك فرصاً كبيرة لزيادة صادرات هذا البلد من خلال زيادة الكميات المصدرة، نظراً لانخفاض سعرها، فهل حدث بالنسبة لصادرات مصر السلعية؟ ربما كانت الإجابة بالنفى.
فى كتابه «الليبرالة المستبدة» يرصد الاقتصادى الراحل رمزى زكى التأثير المتوقع نتيجة قرار تحرير سعر الصرف على بند الصادرات، فيقول إن الصادرات من المفترض -من الناحية النظرية على الأقل- أن ترتفع عند قيام دولة ما بخفض قيمة عملتها، لكن الرجل وفقاً لخلاصة رؤيته يرى أن هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق سوى من خلال عدة شروط أهمها أن يكون المعروض من السلع المنتجة محلياً القابلة للتصدير متمتعاً بدرجة عالية من المرونة، بمعنى أن تكون لدى الاقتصاد الذى قام بتخفيض قيمة عملته القدرة على زيادة الإنتاج المخصص للتصدير لمواجهة الطلب الخارجى المفترض أن يزيد عقب انخفاض أسعار السلع المصدرة عند تقويمها بالدولار.
كما يشترط «زكى» عدم وجود طاقات إنتاجية عاطلة، إذ إنه لا يمكن الحديث عن زيادة التصدير فى ظل وجود طاقات معطلة تواكب الطلب الخارجى المتوقع، ويؤكد أنه لا يمكن تصور زيادة الإنتاج والتصدير من هذه الطاقات بمجرد ظهور زيادة فى الطلب الخارجى دون أن يستعان فى ذلك بالآلات وقطع الغيار والسلع الوسيطة، فضلاً عن معالجة أوجه القصور الحقيقية التى تعترض الوصول بالإنتاج إلى طاقته القصوى، موضحاً أنه لن تتحسن صادرات الدولة بشكل ملموس إذا كانت هذه الطاقات «ضئيلة وتافهة».
«التجارة»: صادراتنا زادت 1.8 مليار دولار فى 7 شهور.. والواردات ارتفعت 5 مليارات.. و«المصرى للدراسات»: استيراد المكونات امتص الأثر الإيجابى
إذا طبقنا هذا الأمر على الحالة المصرية، فربما يمكن القول إن الصادرات المصرية -غير البترولية - كانت آخر المستفيدين من قرار تحرير سعر الصرف «التعويم»، وهذا الأمر تؤكده البيانات الصادرة عن وزارة التجارة وقطاع كبير من المصدرين أنفسهم، وعلى الرغم أن أغلب تلك البيانات يشير إلى وجود نمو فى أرقام التصدير، إلا أن البيانات ذاتها تؤكد «تواضع» النمو، وعدم الوصول إلى الهدف الذى كان يتوقعه صانعو القرار عقب خفض قيمة الجنيه بأكثر من النصف.
وفقاً لأحدث إحصاءات وزارة التجارة فإن الصادرات المصرية حققت خلال السبعة أشهر الأولى من العام الحالى (يناير حتى نهاية يوليو) نمواً نسبته 14.3% حيث بلغت 14 ملياراً و892 مليون دولار مقابل 13 ملياراً و25 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام الماضى، أى بزيادة نحو 1.8 مليار دولار، لكن الجانب الآخر من البيانات يقول إن تلك الزيادة تم ابتلاعها من خلال زيادة حركة الاستيراد، حيث حققت الواردات نسبة زيادة 15.2%، وبلغت قيمتها 38 ملياراً و156 مليون دولار مقارنة بـ33 ملياراً و97 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2017، أى بزيادة نحو 5 مليارات دولار.
صحيح أنه حال تحقق ثبات معدلات النمو المذكورة فإن الصادرات قد تصل إلى 25 مليار دولار، بنهاية العام الحالى، وتلك ستكون أكبر قيمة لبند التصدير منذ عام 2010، حيث سجلت قيمة الصادرات عام 2011 نحو 23.3 مليار دولار، وانخفضت فى 2012 إلى 22.8 مليار دولار، ثم 22.1 مليار دولار فى 2013، وسجلت 22.3 مليار دولار فى 2014، لكنها تعرضت لكبوة شديدة فى 2015 لتصبح 18.7 مليار دولار، غير أن هناك من يرى أنه حتى حال الوصول إلى تلك الزيادة، فإنها لا تتناسب مع الانخفاض الحالى فى قيمة الجنيه المصرى.
وبحسب ورقة عمل أعدها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية فإن النمو الأخير فى الصادرات يأتى نتيجة تحرير سعر الصرف، حيث إن انخفاض قيمة الجنيه المصرى مقابل الدولار قد أكسب السلع المصرية ميزة تنافسية فى السوق العالمية، كونها قد أصبحت أرخص من ذى قبل، ومن ثم يستطيع المستورد الأجنبى بعد التعويم أن يحصل على كمية من السلع أكبر من تلك التى كان يمكنه الحصول عليها بنفس المبلغ قبل التعويم.
ويرى المركز المصرى أن تحرير سعر الصرف أدى إلى زيادة الصادرات التى يعتمد التنافس فيها على السعر، وهى المنتجات الأساسية التى تقع فى بداية سلسلة القيمة، كالخضراوات والفاكهة المثلجة على سبيل المثال، لكنه يعود للتأكيد على أن الجزء الأكبر من الأثر الإيجابى لتحرير سعر الصرف على الصادرات يتم إهداره فى استيراد مكونات الإنتاج التى ارتفع سعرها بعد التعويم.
إذاً ما الذى يمكن أن تفعله الحكومة من أجل زيادة صادراتها بالقدر الذى يناسب حدثاً مثل «التعويم»؟.. الإجابة التى يرى المركز المصرى أنها الأكثر مناسبةً لحال الاقتصاد المصرى حالياً تكمن فى ضرورة تشجيع الاستثمارات الموجهة نحو إنتاج المكونات المستوردة، بهدف الاستفادة من الميزة التنافسية التى خلقها القرار، ويشير المركز إلى أن هذه الاستثمارات، وتلك النوعية من المشروعات تواجه مشكلات كثيرة معظمها ذات طابع مؤسسى كإصدار التراخيص والحصول على الأراضى.
ويشدد المركز على ضرورة انتهاج سياسة أكثر حكمة للتصنيع عن تلك التى تم انتهاجها خلال فترة الخمسينات والستينات، بحيث تنتج مصر السلع التى تزيد تكلفة استيرادها من الخارج، ويضع المركز ما يشبه «روشتة» لإنعاش الصادرات المصرية، تتمثل فى ضرورة الاهتمام بجودة المنتج من ناحية، وتيسير الحصول على التمويل اللازم للصناعات الصغيرة والمتوسطة من ناحية أخرى، والاهتمام ببرامج التدريب المهنى، وتيسير الحصول على التراخيص، وتذليل العقبات البيروقراطية أمام المستثمرين، وإحلال وتجديد المصانع وإعادة تشغيل المصانع المتوقفة عن العمل، بالإضافة إلى دمج القطاع غير الرسمى فى الاقتصاد، نظراً لكون أن النسبة العظمى من القطاع غير الرسمى هى مشروعات صغيرة ومتوسطة.
وحسبما يرى مجدى طلبة، عضو المجلس التصديرى للملابس الجاهزة، فإن الزيادة السنوية فى الصادرات بعد تحرير أسعار الصرف فى العام 2016 كانت «ضعيفة»، ولا تمثل قيمة الاقتصاد المصرى، مشدداً على أهمية دراسة الوضع الحالى والعثور على حلول جادة للتخلص من الأزمة، لافتاً إلى أن الحكومة عليها أن تبحث أسباب عدم استفادة الصادرات من تحرير العملة، من خلال الوصول إلى جذور المشكلة ودراسة مشكلات الصناعة الحقيقية.