«الوطن» تدق ناقوس الخطر.. «أكشاك» الكهرباء القديمة «قنابل موقوتة» وسط التجمعات السكنية
أبراج الضغط العالى وسط التجمعات السكنية
عشرات الآلاف من محولات الكهرباء القديمة تنتشر بين التجمعات السكنية فى مختلف المدن والقرى بمعظم أنحاء الجمهورية، بمثابة «قنابل موقوتة» وسط منازل المواطنين. لا يلتفت كثيرون إلى الخطر الذى قد ينجم عن هذه «الأكشاك» الصغيرة إلا بعد وقوع الكارثة، حتى إن محطات المحولات الكبيرة وأبراج الضغط العالى أصبحت محاطة بالمنازل من كل اتجاه، دون أى اعتبار لمسافات الأمان التى تفرضها اللوائح والقوانين، التى أصبحت مجرد «حبر على ورق»، فى ظل غياب واضح لدور الأجهزة المحلية، وغيرها من الهيئات المعنية، فى حماية المواطنين من خطر الموت، الذى أصبح يحيط بهم من جميع الجوانب.
ففى مدخل قرية «شرويدة»، التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، توجد محطة شبكات كهرباء جنوب الشرقية، تمتد على مساحة كبيرة تبلغ أكثر من 10 أفدنة، يتوسطها عدد من أبراج الضغط العالى ومحولات الكهرباء، جنباً إلى جنب مع المبنى المخصص لإقامة مئات العاملين بالمحطة وأسرهم، كما تمتد أبراج الضغط العالى إلى الأراضى الزراعية وفى الشوارع القريبة، تحيط بها البيوت على الجانبين. وتضم المحطة عدداً من المبانى المخصصة للإداريين والمهندسين والفنيين. وعند اقترابنا للتحدث إليهم، بدأت علامات غاضبة ترتسم على وجوههم، معبرين عن أنهم يعملون فى «بيئة غير آمنة».
«ن. أ»، إحدى الموظفات بالمحطة، بادرت «الوطن» بقولها إن عدداً كبيراً من الموظفين يعملون داخل المبنى الذى يفتقد أدنى عوامل الأمان والسلامة، تحيط بهم شبكة الضغط العالى من جميع الجوانب، مما يسبب لهم العديد من الأمراض، وفى مقدمتها «الصداع والزهايمر»، وصولاً إلى «السرطان». وأشارت إلى أن المحطة تضم عدداً كبيراً من المحولات التى تحيط بالمبنى، منها 5 محولات جهد 220 فولت. وأضافت أنه «إذا حدثت أى مشكلة فى أى محول وتسببت بانفجاره، سيؤدى ذلك إلى إلحاق أضرار واسعة بالمحطة والعاملين الموجودين بالقرب منه، وربما تمتد الخسائر للأرواح»، مشيرة إلى مصرع أحد العمال داخل شبكة كهرباء الإسماعيلية نتيجة انفجار أحد المحولات قبل سنة.
وتابعت الموظفة بقولها إنه ليس هناك ضرورة لوجود الإداريين داخل المحطة، وإنما يجب أن يقتصر الوجود على الفنيين والمهندسين فقط، للتعامل مع أى عطل أو مشكلة طارئة، وهؤلاء مخصص لهم مكان يبعد عن أسلاك وأبراج الضغط العالى، بعكس الإداريين. وأوضحت أن المكان المخصص للموظفين الإداريين كان عبارة عن «عنبر تشغيل»، ممنوع الاقتراب منه، تم نقلهم إليه قبل نحو 5 سنوات، مشيرة إلى أنها عند بداية عملها فى المحطة قبل 18 سنة تم تخصيص مكان لهم بعيداً عن شبكة الضغط، ثم تم نقلهم إلى مدينة القنايات، ثم عادوا مرة أخرى إلى قرية «شرويدة»، ثم تم نقلهم إلى قرية «هرية رزنة»، وعادوا إلى محطة الكهرباء بـ«شرويدة» للمرة الثالثة، حيث يوجدون بها على مدار الـ5 سنوات الأخيرة وحتى الآن. وأشارت نفس الموظفة إلى أن المحطة يوجد بها مبنى مخصص للعاملين بإدارة الخطوط، يبعد قليلاً عن أبراج الضغط العالى. وطالبت بإنشاء طابق إضافى فوق المبنى، ليتم نقل الموظفين الإداريين إليه، حفاظاً على أرواحهم، خاصة أن عدد الإداريين الذين تتنوع أعمالهم ما بين الإدارة والمحاسبة، يبلغ نحو 100 موظف وموظفة، ولفتت موظفة أخرى، رفضت ذكر اسمها، إلى أن هناك عدداً كبيراً من الموظفين على المعاش يترددون على القسم الطبى بالمحطة، وهو عبارة عن مكتب يوجد فيه اثنان من الأطباء، للكشف على أى موظف يشعر بالمرض، وتحويله إلى المستشفى المتعاقد مع الشركة. وقال «محمود زكى»، أحد أهالى قرية «شرويدة»، حاصل على بكالوريوس خدمة اجتماعية، إن أسلاك الكهرباء تمر على مستوى منخفض فى شوارع القرية، مشيراً إلى أنه اضطر، قبل عدة أيام، لربط هذه الأسلاك بحبل فى بلكونة أحد المنازل، بدلاً من تركها تتدلى فى منتصف الشارع، حيث كانت تعوق حركة السيارات، خاصة المحملة بالمفروشات أو البضائع، تجنباً لحدوث أى قطع بها، مما قد ينتج عنه حدوث إصابات أو وفيات، حال سقوطها على المارة. وأضاف أن بعض الأهالى اضطروا إلى بناء منازلهم بالقرب من أبراج الضغط العالى، فى ظل زيادة السكان والزحف العمرانى على الأراضى الزراعية، مشيراً إلى أن عدداً قليلاً منهم يلتزمون بترك مسافات الأمان، بينما لم يهتم كثيرون بالأمر.
الزحف العمرانى يحيط بأبراج الضغط العالى ومحولات الكهرباء.. ومسافة الأمان «حبر على ورق» وموظفو شبكات «جنوب الشرقية»: انقلونا إلى مكان آخر.. ومدير القطاع: جميع المحطات بها خطورة
ومن جانبه، أكد مدير عام شبكات محطات جنوب الشرقية، المهندس ياسر العزازى، أن العاملين بالمحطة فى وظائف إدارية أو محاسبات وغيرها، تنقّلوا بين أكثر من مكان، بين «القنايات» و«هرية رزنة» و«شرويدة»، مشيراً إلى أن رئيس القطاع الأسبق قرر إنشاء وحدة محاسبية مجمّعة للقطاع بمحطة «شرويدة»، وذلك بناء على اقتراح وافق عليه الموظفون آنذاك. وأضاف أنه تم تجهيز المكان بالمكاتب والمراوح وفواصل «الألوميتال» وغيرها، وتم نقل الموظفين إليه منذ أكثر من 5 سنوات، وشدد على قوله: «لا يوجد مكان خال حالياً لنقل الموظفين إليه، خاصة أن المكان السابق بقرية هرية تم تخصيصه لإدارة المحطة 66»، كما أكد أن «جميع محطات الكهرباء فى مختلف محافظات الجمهورية بها خطورة، وليست محطة شرويدة فقط»، على حسب تعبيره.
وفى محافظة قنا، تمثل مشكلة محولات الكهرباء القديمة، التى يتم تعليق معظمها على أعمدة ضغط جهد متوسط بين بيوت المواطنين فى القرى، خطراً داهماً على المارة والمقيمين بجوار تلك «الأكشاك»، حيث يصفها الأهالى بأنها بمثابة «قنابل موقوتة» تنذر بالانفجار فى أى وقت. وقال «عبدالناصر محمد»، أحد أبناء قرية «القمبرة»، التابعة لمركز دشنا، إن القرية شهدت حريقاً مروعاً فى الفترة الأخيرة، نتيجة اشتعال النيران فى أحد المحولات القديمة والمتهالكة.
وفى القليوبية، تحولت محولات الكهرباء وسط وخارج الكتلة السكنية إلى «مصائد للموت»، تتسبب فى إزهاق الأرواح، وسقوط العديد من المصابين، بسبب حالتها السيئة، وعدم توافر وسائل الأمان بها، فضلاً عن تعدد حوادث الحرائق التى تتسبب فيها، خاصة فى فصل الشتاء، كان آخرها قبل عدة أيام، حيث أصيب شاب بعزبة «أبوباشا»، التابعة لمركز بنها، بالصعق الكهربائى، عند قيامه بلمس أحد أعمدة الكهرباء بجوار المدرسة، وتم نقله إلى وحدة العناية المركزة بمستشفى بنها الجامعى، الذى ما زال محتجزاً به حتى الآن.