أستاذ «الاقتصاد والسياسة»: الضغوط قد تدفع «ترامب» للاستقالة.. والمجتمع الأمريكى منقسم بشكل غير مسبوق
الدكتور محمد كمال مدير مركز دراسات المناطق الدولية الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة
ينفى الدكتور محمد كمال، مدير مركز دراسات المناطق الدولية، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى جامعة القاهرة، وجود ما يسمى بالدولة العميقة داخل الإدارة الأمريكية، وأن ما يحدث حالياً نتيجة لافتقار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، لمعرفة أهمية ودور مؤسسات الأمن القومى الأمريكى.
يربط «كمال» فى حواره لـ«الوطن» تحقيق سحب الثقة من الرئيس الأمريكى بأمرين، أحدهما فوز الحزب الديمقراطى المنافس بأغلبية فى مجلسى الكونجرس الأمريكى، ونتائج تحقيقات المستشار الخاص روبرت موللر فيما يتعلق بالتدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016.
محمد كمال لـ«الوطن»: سياسة مصر الخارجية يجب أن تنفتح أكثر على القوى الكبرى.. وإسرائيل ترفض الوساطة الأوروبية أو الروسية فى القضية الفلسطينية
ويكشف أستاذ العلوم السياسية عن بعض قناعات «ترامب» فيما يتعلق بالتعامل مع الحلفاء على ركيزة المصالح الاقتصادية، وأن أوروبا كانت عبئاً على أمريكا لفترة طويلة، كما أن الحصار الأمريكى على دولة مثل إيران سيصل لحده الأقصى خلال الفترة المقبلة، باعتبار «طهران» السبب الرئيس فى الاضطراب بالمنطقة.
ورغم النفوذ الروسى فى سوريا، فإن ذلك لن يكون بمثابة عودة لموسكو فى النسق الدولى مثلما كان الحال وقت الحرب الباردة التى انتهت بانهيار جدار برلين، 1989، وتفكيك الاتحاد السوفيتى، أكتوبر 1991. وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية المصرية خلال الفترة المقبلة، يأمل أن تتنوع بين الدول الكبرى والإقليمية، ولا تقف عند السلة الأمريكية.
كيف ترى المؤشرات الأولى على وجود دولة عميقة أمريكية فى مقال الـ«نيويورك تايمز» الأخير أو ما أشار له كتاب «بوب وودورد» من وجود «بالغين» فى الإدارة الأمريكية؟
- فوز الرئيس الأمريكى دونالد ترامب كان بمثابة مفاجأة للعديد من المؤسسات الأمريكية ومن يعمل فيها، ولا يعتمد هذا الرئيس كثيراً على هذه المؤسسات فى عملية صنع القرار، ويدير السياسة الخارجية من داخل البيت الأبيض بالاعتماد على مجموعة محدودة من المستشارين، ما أدى لظهور مقاومة داخل العديد من المؤسسات، أبرزها مؤسسة الأمن القومى، التى شعرت أن الرئيس لا يعتمد عليها أو يستمع لوجهة نظرها، إلا أن هذه المقاومة لا يمكن تسميتها بمصطلح «الدولة العميقة»، ولكن الرئيس الأمريكى علاقاته ما زالت ضعيفة بهذه المؤسسات، والرئيس ليس ابناً لهذه المؤسسات على خلاف معظم رؤساء أمريكا السابقين الذين عملوا لفترة داخل هذه المؤسسات، فمثلاً باراك أوباما كان عضواً فى مجلس الشيوخ، وجورج بوش الابن كان حاكماً لولاية، وكذلك بيل كلينتون، إلا أن «ترامب» جاء من عالم العقارات وسوق المال، وقد لا يفهم حتى دور هذه المؤسسات.
وما يشاهد حالياً هو مقاومة من هذه المؤسسات للرئيس، كما أن الأخير لم يتوقع فوزه فى الانتخابات الرئاسية عام 2016، فلم يكن لديه طاقم مستعد ليدير من خلاله أمور الدولة، وبالنظر للمساعدين والمستشارين الذين اختارهم «ترامب» نجد أنهم لا يمتلكون أى خبرة، ولا يوجد تجانس فيما بينهم، ما أدى إلى ظهور قدر كبير من الفوضى فى عملية صنع القرار، كما أن «ترامب» تخلص من عدد كبير من مساعديه خلال الفترة الماضية، أبرزهم مستشاره فى شئون الأمن القومى هيربرت ماكمستر، وجارى كوهين، مستشاره للشئون الاقتصادية، ما تسبب فى وجود «مرارة» عند بعض هؤلاء الأشخاص، وبالتالى بدأوا ينتقدون «ترامب»، ويسربون معلومات معينة عن الإدارة، وهى عوامل مسئولة عن المشهد السياسى الحالى.
«ترامب» مهتم بخصوم أمريكا أكثر من حلفائها ويرى أن الحلفاء استغلوا «الكرم الأمريكى» فى تقوية أنفسهم على حسابها.. وأمريكا استسلمت للأمر الواقع فى سوريا.. وتتعامل مع روسيا على أنها اللاعب الرئيسى فى الأزمة.. مؤيدو «ترامب» يعتقدون أنه يتعرض لـ«مؤامرة» ويصرون على التمسك به فى مواجهة «الديمقراطيين»
إلى أى مدى تؤثر هذه المقاومة داخل الإدارة الأمريكية فى تهديد مقاعد حزب «ترامب» فى الانتخابات المقبلة؟
- بالتأكيد هذا الصراع يؤثر على الانتخابات المقررة فى نوفمبر المقبل، وهو هدف الديمقراطيين، الحزب المنافس، وجزء من أحداث المشهد الحالى تمهيد لهذه الانتخابات، وبالتالى التيار الليبرالى يصعّد من حدة الانتقاد للرئيس الأمريكى بهدف فقدان الحزب الجمهورى، الذى ينتمى له الرئيس، الأغلبية فى الكونجرس أو على الأقل فى مجلس النواب، ما يتيح الفرصة لأن يبدأ الكونجرس إجراءات محاكمة وعزل الرئيس، وجزء كبير مما يحدث معركة سياسية، وانتخابية، لكن فى المقابل «ترامب» له قاعدة شعبية قوية فى عدد من الولايات، ويعتقد أصحابها بأن هناك مؤامرة ضده، ما يجعلهم يزدادون تمسكاً بالتصويت له، والمجتمع الأمريكى حالياً أصبح منقسماً بشكل غير مشهود فى التاريخ الأمريكى المعاصر، وتظل حالة الانقسام قائمة مع استمرار «ترامب» فى الحكم، وما يحدث حالياً هو تعبئة للناخبين من الحزبين، ومن يستطيع أن يخرج ناخبين أكثر للتصويت يستطيع الفوز، فمثلاً فى حال استطاع الحزب الديمقراطى تحقيق ذلك يمكنه إحراز مقاعد فى مجلس النواب وليس بالضرورة مجلس الشيوخ، وفى هذه الحالة ربما يبدأ «الديمقراطيون» سحب الثقة من الرئيس الأمريكى، ولكن لا أعتقد أنها يمكن أن تحقق أى ثمار، وذلك لعدة أسباب، أولها أن سحب الثقة يحتاج إلى أغلبية فى مجلسى النواب والشيوخ، لأن «النواب» يعرض القضية لكن «الشيوخ» بمثابة القاضى الذى يحكم فيها، ما يحتم وجود أغلبية فى المجلسين، ولدينا تجربة سابقة فى عهد الرئيس كلينتون، الذى شهد مجلس النواب حينها أغلبية جمهورية استطاعت أن تقدم عريضة اتهام ضده، إلا أن مجلس الشيوخ كانت به أغلبية ديمقراطية رفضت هذا الأمر، وفى السياق الأمريكى من الصعب عزل رئيس منتخب، لكن فى حالة زيادة الضغوط عليه ربما يقدم الرئيس استقالته مثلما حدث مع الرئيس نيكسون بعد فضيحة «ووترجيت»، وليس من السهل أن تلغى مؤسسة تشريعية قرار الأغلبية التى انتخبت الرئيس، ما يجعل فرص عزله من خلال الكونجرس محدودة، ولكن ربما لو زادت الضغوط، بوجود اتهام قوى قد يدفعه إلى الاستقالة، تحديداً نتائج التحقيقات التى يجريها المستشار الخاص، روبرت موللر، حالياً فيما يتعلق بالتدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الماضية، وفى حال توصلها لنتائج قبل الانتخابات سيكون لها تأثير سلبى وسياسى ضخم على الحزب الجمهورى، ويتوقف ذلك على طبيعة الاتهامات هل تدفع ببدء إجراءات عزل ومحاكمة الرئيس.
هل توافق على أن أمريكا تعيش سياسة عزلة فى العلاقات مع الدول الأخرى فى عهد «ترامب»؟
- الرئيس الأمريكى لديه قناعة أن الولايات المتحدة كانت كريمة بشكل كبير فى علاقاتها مع حلفائها فى الفترة الماضية، وأن الحلفاء استغلوا هذا الكرم بتقوية أنفسهم اقتصادياً على حساب أمريكا، فوجهة نظره حالياً أن الولايات المتحدة يجب أن تتخلى عن سياسة الكرم الزائد مع الحلفاء، وتطلب من الحلفاء المساهمة فى تحمل تكلفة الدفاع عن أنفسهم بشكل أكبر، أو يتيحون فرصاً أكبر للسلع الأمريكية أن تدخل أسواق هذه البلدان، أى تخفيض فجوة الميزان التجارى بين أمريكا وحلفائها.
وينظر «ترامب» للداخل أكثر منه للخارج، وهدفه إعادة بناء الاقتصاد من الداخل، وتجنب التورط فى نزاعات خارجية، وتخفيض المعونات التى تقدم للخارج، وهى أولوية للداخل على حساب الخارج، وبعبارة أخرى الولايات المتحدة لا يريدها «ترامب» أن تلعب دوراً قيادياً فى العالم بسبب أنه يعتقد أن هذا الدور له تكلفة اقتصادية عالية، و«ترامب» يفضل إنفاقها فى الداخل وليس فى الخارج، ما يجعلها أبعد من أن تكون عزلة أقرب إلى الاهتمام بالشئون الداخلية، واهتمام أقل بالحلفاء، وأعتقد أن العالم مقبل على مرحلة أقل استقراراً، ذلك لأن أمريكا تتخلى عن قيادتها للعديد من القضايا الدولية، أبرزها القضايا التى تتعلق بحرية التجارة، وحماية البيئة، وبالتالى عندما يختفى القائد يؤدى ذلك لحالة من عدم الاستقرار، ويفتح الفرص أمام دول أخرى لتحتل هذه المساحة من القيادة، فمثلاً الصين تحاول أن تملأ فراغ القيادة الأمريكية فى القضايا المتعلقة بالعولمة وتحرير التجارة، كما أن أمريكا ترفع يدها عن التدخل فى نزاعات دولية تؤدى لحالة من الاضطراب، وذلك لأن القوات الأمريكية تمثل إما ردعاً لبعض الدول من التدخل أو تتدخل بنفسها للقضاء على الصراعات، ولكن «ترامب» يرى أن الولايات المتحدة لا تتدخل بإرسال جنود على الأرض فى أى نزاع، ما يفسح المجال لقوات أخرى للتدخل، وأن النزاعات يمتد أمدها، وهذه مرتبطة بأن فكرة القوى الكبرى التى كانت مهيمنة على العالم فى حالة ضعف نسبى واهتمام بالداخل، ولا تريد دفع ثمن القيادة، فى الوقت الذى تصعد فيه قوى أخرى ولكنها لن تصل إلى المكانة الأولى فى العالم.
التعاون المصرى السعودى الإماراتى فى صالح المنطقة.. والبيت الأبيض يرى إيران سبب اضطراب العالم
فى رأيك من المنتصر فى الحرب التجارية العالمية الدائرة حالياً.. «واشنطن» أم «بكين»؟
- لن ينتصر أى طرف، والولايات المتحدة بدأت تخسر بالفعل، لأن فرض رسوم جمركية على سلع ومنتجات يتسبب فى زيادة سعرها لدى المستهلك، والمواطن الأمريكى حالياً يحصل على سلع بسعر أعلى، كما أن هذا الصراع قلل من القيمة التنافسية لبعض المنتجات الأمريكية، لأن بعض هذه المنتجات كانت تحصل على مدخلات من الخارج، وبفرض رسوم على هذه المدخلات أدى لزيادة سعر هذه المنتجات، وفقدانها للميزة النسبية لها.
وخسرت الصين بسبب أن صادراتها لأمريكا تنخفض، ما يجعل الطرفين يخسران، كما أن النظام الدولى نفسه يخسر لأن القواعد المستقرة المتعلقة بتحرير التجارة تعرضت إلى هزة عنيفة، والدولة التى كانت تقود عملية تحرير التجارة أصبحت تقود السياسات الحمائية والانغلاقية، ما يؤثر على النظام الاقتصادى العالمى القائم على فكرة التجارة الحرة، وقد نجد دولاً أخرى تلجأ لاستخدام نفس المنطق الأمريكى فى فرض سياسات حمائية على منتجات الدول الأخرى.
كيف تفسر دخول «واشنطن» فى صراعات مع حليفها الأوروبى؟
- لأن «ترامب» لا يؤمن بمنطق الحلفاء، ويرى أن العلاقات بين أمريكا والدول الأخرى يجب أن تكون على أساس العدالة التجارية، وليس حرية التجارة. بمعنى أن يكون هناك توازن بين الميزان التجارى بين البلدين وليس حرية تجارة تتيح لأى دولة تصدير أية منتجات إليها. كما أنه يعتقد أن أوروبا كانت عبئاً على أمريكا لفترة طويلة، وأنها تكفلت بحمايتها من خلال حلف شمال الأطلنطى، وأن إنفاق الدول الأوروبية على الدفاع محدود، وبالتالى تفرغت لعملية التنمية الاقتصادية، والتقدم الاقتصادى، فى حين أن أمريكا هى التى كانت تسدد ميزانية الدفاع من أجل حماية أوروبا، ما تسبب فى دعوة «ترامب» لزيادة إنفاق أوروبا على الدفاع، وتتيح فرصة أكبر للمنتجات الأمريكية أن تدخل الأسواق الأوروبية. ويعتقد «ترامب» أنه حان الوقت أن يعيد الحلفاء تسديد ثمن الخدمات التى قدمتها الولايات المتحدة لهم.
إلى أى مدى يمكن أن تستفيد روسيا من هذا الخلاف بين أمريكا والدول الأوروبية؟
- لا أعتقد أن هناك فرصة لعودة النظام ثنائى القطبية، الذى كان موجوداً خلال فترة الحرب الباردة حتى انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991، ولكن روسيا لها علاقة بأوروبا من خلال صفقات تصدير الغاز باعتبارها شريكاً تجارياً، ولكن ليست عودة لروسيا تجعلها تملأ الفراغ الأمريكى، ولكن قد نشهد حالة ملء الفراغ الاقتصادى من خلال الصين الذى أوجدته أمريكا بسبب دعوتها المتكررة للعولمة وحرية التجارة، وفى حال انخفاض المعونات التى تقدمها «واشنطن» للدول الأفريقية سنجد أن الصين تدخل وتحل محل أمريكا فى هذه المنطقة، كما أن التحرك الروسى فى المنطقة مرتبط بالأزمة السورية، وروسيا بتدخلها حوّلت مسار الأزمة تماماً، وأصبحت هى اللاعب الرئيسى فيها، وأمريكا استسلمت لهذا الأمر ولكن هذا السيناريو لا أعتقد أنه قابل للتكرار فى مناطق أخرى، وذلك لأن روسيا ليس لديها إمكانيات أن تحل محل أمريكا أو تملأ الفراغ الذى يمكن أن تتركه.
العالم مقبل على مرحلة أقل استقراراً بسبب تخلى واشنطن عن قيادتها لعدد من القضايا الدولية.. ونتائج تحقيقات «موللر» لها تأثير سياسى ضخم يمكن أن يدفع إلى محاكمة وعزل «ترامب».. ولن يكسب أى طرف الحرب التجارية العالمية والاقتصاد العالمى الخاسر الأكبر
ما تفسيرك للقمم التاريخية التى عقدها «ترامب» مع الرئيس الروسى، والزعيم الكورى الشمالى ونتائجها؟
- من الواضح أن الرئيس الأمريكى يهتم بشكل أكبر بخصوم الولايات المتحدة وليس بحلفائها، وجزء من سبب انعقاد هذه القمم أنه متخصص فى إثارة الجدل حول نفسه، ويرى أن مثل هذه اللقاءات تجعل الرأى العام الأمريكى يهتم به بشكل أكبر بوضعه مثاراً للحديث، وتغطى على بعض المشاكل الداخلية التى يعانى منها مقارنة بالتأثير فى حال عقده لقاءات مع الحلفاء، التى لن يكون لها تأثير كبير. وجزء من أسباب انعقاد هذه القمم وضع حلول لبعض الأزمات الكبرى التى فشلت فيها الإدارات السابقة مثل الأزمة الكورية، ويرى أن ذلك يمكن أن يضع اسمه فى سجل التاريخ، ومن المبكر الوصول لنتيجة بشأن هذه القمم لأنها تحتاج لقدر كبير من التفاوض بين البلدين.
تقييمك لاستخدام «ترامب» العقوبات الاقتصادية لردع بعض خصومه بالمنطقة؟
- استخدام العقوبات ضد إيران يأتى من قناعة «ترامب» بأنها المصدر الرئيسى لعدم الاستقرار فى العالم، ويرى أنه كان من الخطأ توقيع الاتفاق النووى الإيرانى عام 2015، أو رفع العقوبات الاقتصادية عنها، وأعتقد أنه سيستمر فى التصعيد ضدها خلال الفترة المقبلة، ولا توجد أى مساحة للوصول إلى اتفاق بينهما فى عهد «ترامب»، ولكنه لن يصل لمواجهة عسكرية ولكن زيادة فى العقوبات، والحصار الاقتصادى بالأساس، ويستمر فى ذلك إلى حده الأقصى. وفى تركيا الوضع مختلف، لأنها عضو فى حلف شمال الأطلنطى، و«ترامب» يركز بالأساس على قاعدته الانتخابية الداخلية التى من الممكن أن تساعده فى الحفاظ على وجوده فى البيت الأبيض، والخلاف تصاعد بينهما مثل كرة الثلج بسبب أخطاء «أردوغان»، بعد رفضه الإفراج عن القس الأمريكى الذى ينتمى للطائفة الانجيلية التى تعد داعماً رئيسياً لـ«ترامب»، وسبباً رئيسياً فى وصوله البيت الأبيض، وقراره بشأن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس كان يهدف بالأساس لإرضاء هذه الطائفة، ما يجعل المسألة برمتها مرتبطة بالداخل الأمريكى. وفى حال حدوث مرونة فى القرار التركى بخصوص هذا القس، أعتقد أن العلاقات بين البلدين قد تشهد قدراً من التحسن، ولكن ذلك غير وارد مع إيران لأنها مسألة عقيدة بالنسبة للرئيس الأمريكى.
كيف ترى انتعاش مصالح اللوبى الإسرائيلى فى عهد «ترامب» وانعكاسات ذلك على قراراته بالمنطقة؟
- هناك قناعات لدى «ترامب» بأهمية إسرائيل حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة يمكن الاعتماد عليه، ويتعامل مع الشخصيات اليهودية المؤثرة، ولا ننكر أن صهره يهودى، وابنته تحولت للديانة اليهودية، لهم تأثير فيما يتعلق برؤية «ترامب» لإسرائيل وتعاطفه معهم، منها اعتبارات عقائدية أو شخصية، ولكن جزءاً منها يرتبط بالقاعدة الانتخابية، تحديداً الطائفة الإنجيلية المسيحية، التى تعتبر أكثر تأييداً لإسرائيل أكثر من اليهود الأمريكيين، ويعتقدون بأن وجود دولة إسرائيل وعاصمتها القدس يؤدى إلى الإسراع بعودة المسيح فى نهاية العالم وتخليص هذا العالم من الشرور. ومساندة «ترامب» لإسرائيل ترجع لفكرة أنه يحاول الحفاظ على هذه القاعدة الانتخابية، ما يلقى بظلال سيئة على القضية الفلسطينية لأن هذا التحالف بين الإنجيليين و«ترامب» فى مصلحة إسرائيل بالأساس وضد فكرة أن «تل أبيب» تقدم تنازلات فى الأراضى المحتلة، وبالتالى لا أعتقد أن يلقى بتأثير إيجابى على عملية السلام. كما أن البحث عن بديل للوساطة الأمريكية فى اتفاقات السلام لن يكون مجدياً، وفى رأيى البديل أن تكون هناك قناعة لدى الرأى العام الإسرائيلى والقيادة الإسرائيلية بصعوبة استمرار الأوضاع الحالية المتعلقة باحتلال شعب آخر، ولا يمكن الاستمرار فى سياسة الاحتلال أو دمج الفلسطينيين داخل إسرائيل، وذلك لأن الأخيرة تقوم على فكرة أنها دولة يهودية ووجود عدد كبير من الفلسطينيين يؤدى لتحولهم لأغلبية فى المستقبل، وبالتالى لا حل إلا الانفصال وأن تكون هناك دولة فلسطينية بجانب دولة إسرائيل، ومن المهم أن تكون هناك قناعة لدى الرأى العام الإسرائيلى، وقياداته. والمشكلة أيضاً فى أن إسرائيل ترفض وساطة أوروبية أو روسية ولا تقبل إلا بالوساطة الأمريكية، إلا فى حال اقتناع إسرائيل بأن الحل هو التفاوض المباشر مع الفلسطينيين دون الحاجة لأى وساطة. ومفتاح انفراج هذه الأزمة داخل إسرائيل، والقناعة بصعوبة استمرار هذا الوضع، وأن الشعب الفلسطينى لن يختفى بل هو موجود على أرض ويتكاثر عليها، وهى حقائق لا بد من التعامل معها آجلاً أفضل من عاجلاً.
روسيا لن تعود كما كانت حتى فى ظل انتصارها على «الحلف الأمريكى» فى سوريا
ما رؤيتك لخطوط السياسة الخارجية المصرية خلال الفترة المقبلة فى ظل تعقد المشهد السياسى الدولى؟
- فى رأيى أن السياسة الخارجية المصرية لا بد أن تنفتح على كافة القوى الكبرى الموجودة، ولا يجب أن نضع كل البيض فى السلة الأمريكية، بل نوثق العلاقات مع الصين وروسيا، والاتحاد الأوروبى سواء كانت العلاقات العسكرية أو الاقتصادية. ومن المهم أيضاً التعاون مع دول المنطقة على رأسها السعودية والإمارات، واستمرار هذا التعاون الثلاثى الذى يصب فى مصلحة المنطقة ككل، ويمكن أن يسهم فى حل عدد كبير من المشاكل مثل سوريا أو اليمن.
تقييمك لمدى تحجيم مقاطعة الرباعى العربى للدور القطرى فى المنطقة؟
- أعتقد أن المقاطعة العربية لقطر حدّت من تدخلها فى العديد من القضايا، هذا أثر إيجابى، ولا أعتقد أن الخلافات مع قطر ستنتهى فى المستقبل القريب، بل سوف تستمر بسبب أن قطر لا تريد تغيير سياستها، وتعتقد أنها يمكن أن تعتمد على الولايات المتحدة، وتركيا بديلاً لدول مجلس التعاون الخليجى، وأعتقد أنه خطأ فى التقدير القطرى، لأن الاستمرار فى العناد القطرى يؤدى لاستمرار الخلاف مع الدول الأعضاء، ولا أرى أى آفاق لمصالحة مع قطر، أو إعادة دمجها مرة ثانية، إلا من خلال الامتثال للشروط التى أعلنها الرباعى العربى، ولكن الممانعة القطرية فى تنفيذها يقف وراءها قناعة داخل قطر بضرورة تصدير أنها دولة محاصرة، تؤدى لالتفاف الرأى العام حول القيادة، وأن هناك مساندة أمريكية، ما يجعلها تتمادى فى هذا الأمر، كما أن الثروة التى تملكها تجعلها تستطيع أن تتغلب على الآثار السلبية للمقاطعة لسنوات مقبلة. ووجود القاعدة الأمريكية العسكرية فى قطر، تعد الأكبر فى المنطقة، يجعلها الداعم لها فى الوقت الحالى، والولايات المتحدة تعتقد بأن حربها على الإرهاب تتطلب أن تقف دول مجلس التعاون الخليجى صفاً واحداً، وبالتالى لا أعتقد أن أمريكا تضغط على قطر لتغيير سلوكها فى المستقبل، ولكنها تسعى للتقريب بين وجهات نظر الطرفين، ولكن فى ظل المشهد الحالى لن تكلل هذه الجهود بالنجاح، وستظل الأزمة القطرية قائمة.
الشعار الأمريكى لمكافحة الإرهاب.. كيف ترى استمرار وجوده؟
- هذا الشعار موجود لكن بصورة أقل عما كان بسبب اعتقاد أمريكا أنها انتصرت بشكل كبير على الإرهاب بسبب هزيمتها على يد «داعش» فى العراق وسوريا، واختزلت هذا الكفاح فى «داعش».
الحرب غير المسبوقة بين وسائل الإعلام الأمريكية و«ترامب».. من يمتلك الصوت الأعلى فى رأيك؟
- لا أعتقد أن الحرب الدائرة تستمر لفترة، جزء منها قناعة «ترامب» بأنه يستطيع أن يصل إلى الرأى العام دون الحاجة لوسائل الإعلام التقليدية (الصحافة والتليفزيون)، وأن استخدام مواقع التواصل الاجتماعى مثل «تويتر» يمكن أن ينقل للرأى العام ما يريد، وبالتالى تجرأ على الدخول فى معركة ضد الإعلام، وهجومه على الإعلام قد يؤثر فى التغطية السلبية التى يقوم بها الإعلام لسياساته.
بل أصبح الإعلام ينقل حالياً عن «تويتر»، ويرى أن هذه الطريقة هى التى أوصلته للبيت الأبيض، ويمكن أن تجعله يحتفظ بالبقاء، خصوصاً أنه نجح فى ظل حرب إعلامية، ما يجعله لا يفكر فى تغيير سياسته مع الإعلام.