أحمد دومة يروي تجربته عن "محمد محمود".. 28 إصابة خرطوش واعتقال بمعسكر أمن مركزي
"أحداث محمد محمود ربما تكون الجزء الأهم في أحداث الثورة". بهذه الكلمات بدأ الناشط السياسي أحمد دومة حديث الذكريات، التي اختلطت فيها ملامح الألم بالحماس، ومشاعر الغضب بالضحك.. تجربة عاشها منذ أولى ساعاتها وحتى النهاية.
البداية كانت عند فض قوات الأمن اعتصام مصابي وأهالي شهداء الثورة صباح 19 نوفمبر 2011. يقول دومة: "أنا كنت موجود في الميدان وشُفت الخيام وهي بتتكسر. حاولت أتكلم مع حد من اللواءات اللي كانوا واقفين، قاللي يا دومة مالكش دعوة بالموضوع ده، وخدوني على جنب وعملوا عليا كردون أمني عشان يشلوا حركتي، وفي وسط كل ده لقيت واحد من أفراد الأمن بيمسك حديدة، وبيخلع بيها عين واحد من المصابين اللي حاولوا يمنعوه من كسر الخيام".[FirstQuote]
مشاهد رصدها دومة خلال تواجده داخل الأحداث.. قوات الأمن تستخدم الرصاص الحي وتطلقه مباشرة في وجوه المتظاهرين بغرض القتل، والخرطوش بغرض الإصابة المباشرة أو التعجيز أو القتل، فضلا عن استخدام الغاز لتفريق المظاهرات، وإحداث حالات إغماء بينهم، وقتلهم على المدى البعيد، وإطلاق قنابل الغاز على الرأس مباشرة من مسافات قريبة، لأن "تأثيرها لو انفجرت في دماغ حد أقوى من الرصاص الحي مرتين".
كانت مشاهد تعذيب المتظاهرين حاضرة لديه، حيث تم القبض على دومة بعد إحاطته بكردون أمني، وتم نقله إلى معسكر الأمن بالدراسة: "الأمن كان بينتهز أي فرصة عشان يسحب المتظاهرين من الكردون في ثانية ويدخلهم في المدرعة، ولما رُحت هناك لقيت أبشع أنواع التعذيب؛ ضرب بالعصيان والهراوات، كل أنواع السب والإهانة للمتظاهرين، وماكانش بينجى منهم غير ناشط سياسي أو صحفي ممكن يعمل قلق بعد ما يخرج، عشان كده خرجت بعد ساعات من احتجازي، والباقيين فضلوا".
ورغم كثرة المشاهد الدموية التي عاشها، إلا أن الأكثر تأثيرا خلالها لا علاقة له بالدماء، فبحسب قوله: "في مرة من مرات الاشتباكات، كنت بحاول أتقدم للصفوف الأولى في المواجهة مع الداخلية، لقيت طفل مايتعداش عمره 15 سنة بيشدني ويقوللي ارجع، إنت ليك حد يخاف عليك، وسبنا إحنا نواجههم، لو رُحنا مافيش حد هايزعل علينا".
"صائدو الفراشات" كانت مجموعة تزعمها أحمد خلال أحداث محمد محمود، وكانت مهمتها صيد قنابل الغاز التي تلقيها قوات الأمن المركزي على المتظاهرين، ثم إعادة إلقائها عليهم. يقول دومة: "أصعب مشهد عمري ما هنساه، لما كنت باجري مع واحد ماعرفوش عشان نصد قنبلة غاز، وهو شاف واحد من الداخلية بيضرب خرطوش ناحيتي، فجري يخبطني عشان ياخذ الطلقة مكاني، كإنه بيسابقني على الموت".
28 إصابة خرطوش هي محصلة الناشط السياسي، إلى جانب فتحة عميقة في الرأس لم تتسبب فيها الشرطة، بل "كانت حالة كر وفر بيننا وبين الداخلية، وأنا قدرت أعدِّي المتظاهرين لحد ما دخلت في وسط قيادات الأمن، وكانوا بيضربوا غاز بكل قوة، ناس من أصدقائي قرروا يلحقوني من وسطهم بإنهم يجيبوا قالب طوب ويحدفوني بيه في دماغي عشان يفتحوها، أحسن من الموت بخرطوش الأمن".
أبى الناشط أحمد دومة أن ينهي حديثه لـ"الوطن" قبل أن يدق جرس الإنذار: "مؤسسات دولة مبارك لم تتغير. تم إعطاء مساحة من التسلط والقمع للقبضة الأمنية، وعلى السلطة الحالية أن تختار، بين المشاركة في إجرام كل المجازر اللي قبل كده بسكوتها عن مرتكبيها، أو تثبت ولاءها للثورة وتعرَّفنا أسماء كل منفذيها تحاسبهم".