نور عز الدين تكتب: سكوت هنصور
نور عز الدين
لم يغِب هذا المشهد عن مخيلتى فى أول رحلة حطت بها قدماى مطار القاهرة الدولى، كنت فى مقتبل العشرينات، تعلق بذاكرتى العديد من الأفلام والمسلسلات التى نتشربها فى محيط الدول العربية، لتشعر بأن مصر تعيش بداخلك وتعرفها جيداً حتى وأنت لم تزُرها من قبل.
كنت أنتظر أن تأتى نبيلة عبيد راكضة فى أحد أروقة المطار، متخيلة بأنها تصور مشهداً سينمائياً وأخرج مصادفة فى هذا المشهد. قد تكون رواية جيدة أحدّث بها كل من أعرف عند عودتى.
«ليموزين» تنتظرك بالخارج، وأعداد كبيرة من البشر يتراكضون، كلهم يتحدثون المصرية «السينمائية» يختلجك شعور بتقبيل كل من تراه، فقط لأنه مصرى سينمائى.. لكن الحقيقة ليست كذلك.
تمعّنت فى كل التفاصيل، الشوارع المهترئة، أزقة الطرقات، زحمة القاهرة، عمارات شاهقة تحمل روح ساكنيها، سباق التكاتك، الكثير من «البحلقة» نحو أى لهجة مختلفة، والكثير من الألفة الغربية.
نيل يضيق يتسع لأحلام مائة مليون مصرى، كما روى لى أحد الأصدقاء عندما سألته عن آلة تعداد السكان فى عمارة التعداد السكانى: «المصريين دول أكتر بكتير من كده، إحنا بس بنحط الأرقام دى علشان الحسد».
الزمالك حيث يختبئ صعاليك المدينة، شوارع شجرية صفراء، تشبه روح المدينة، وروح الشقاوة تعتلى وسط البلد، حديث شيق مع بائع العصير والقصب، والكثير الكثير من الكشرى.
يحاصرك جرافيتى فى كل «حتة» مصرية يمكنك السير بها، تأتيك بملايين الحواديت والشواهد، عاصرتها قبل أن تسمح بعد عامين من زيارتى الثانية، فلقد غابت مساحات الجرافيتى لتمتلئ بشواخص مرورية ولوحات إعلانية، تبيع حواديت مصرية من نوع آخر.
بعد الكثير والكثير من الزيارات للقاهرة تحديداً، روح مصر بالنسبة لى، التى لا أبرحها رغم محاولات الكثير من أصدقائى بقمعى عن هذا الشعور، وإنما اعتلتنى «لعنة الفراعنة» جملة قالتها لى سيدة فى إحدى الجلسات التى كنا نقضيها احتفالاً برأس السنة فى الزمالك «إن لعنة الفراعنة سترافقك مدى العمر».. وها هى «تجرنى من ودنى» نحو مصر دائماً.
لا أعتقد بأن مصر بحاجة لكثير من الجمل الشعرية أو الإنشائية، ولكننا يمكننا تفسير هذه العلاقة الغريبة بيننا وبينها بمشهد سينمائى آخر من فيلم «عسل إسود» للفنان أحمد حلمى: «هى فيها حاجة حلوة، أنا مش عارف هىّ إيه بس فيها حاجة حلوة».