"حسن فريد".. أصيب في ثورة يناير وشارك في إسقاط "الإخوان" فأدارت له الدولة ظهرها
في العاشر من يوليو، وبعد أيام قليلة من مشاركته في إسقاط نظام الإخوان المسلمين من السلطة، خرج حسن فريد من مستشفى القاهرة التخصصي، واستقل إحدى سيارات الأجرة في اتجاه بلدته المنصورة، وجلس بجوار السائق ووضع على رجليه حقائب مملوءة بزجاجات العلاج والأشعة، وأمسك بـ"عكاز" يعينه على إصابته التي تعرّض لها قبل عامين في ثورة يناير 2011.
وعند مشارف محافظة الدقهلية، توقفت السيارة بكمين "سهرات"، وتقدم أحد ضباط القوات المسلحة المشاركة في الكمين، ليطالب الركاب بالترجّل خارجها، ولمح حسن وعكازه، فبادره قائلاً: "خليك مستريح إديني بس إثبات شخصية"، فأخرج حسن على الفور بطاقة "مصابي الثورة"، نظر إليه الضابط، ووجّه له التحية وغادر للجهة الأخرى.
دقائق وتقدم أحد ضباط الشرطة، كان واقفًا على الجانب الآخر من الطريق، ونظر لحسن قائلاً: "سلامتك، ممكن إثبات شخصية"، فأخرج حسن بطاقة مصابي الثورة مرة أخرى، تفحّصها الضابط وتجهم وجهه وقال لحسن: "إيه ده مصابي ثورة.. ثورة إيه وقرف إيه! انزل لي انزل لي".
ترك حسن السيارة متكئًا على عكازه، فتقدم نحوه الضابط وجذب العكاز بقوة، فسقط حسن على الأرض، وأخذ الضابط في تفكيك العكاز ثم ألقاه واستدار على حقيبة الأدوية، وأخذ يبعثر في محتوياتها هنا وهناك بجوار السيارة، يبحث عن شيء ما بغضب، ثم تنفس الصعداء حين وجد "قطرة"، فابتسم وأمسك بها واتجه لحسن الملقى على الأرض، قائلاً: "وتعمل بيها إيه دي طبعًا عشان بعد ما تشرب المخدرات تحطها في عينك".[FirstQuote]
وبوجه لم يفارقه ابتسامة التشفي، يتهم الضابط حسن بتعاطي المخدرات، ويقول: "القطرة دي جدول يبقى إنت بتشرب حشيش وتستخدم القطرة، وأنا هعملك القطرة دي قضية"، وتصادف وجود أحد الأطباء بين الركاب، والذي تدخّل ليشرح للضباط حالات أخرى لاستخدام القطرة ولكن دون جدوى.
ومرّ الوقت وما زال الضابط يحتجز حسن، حتى تدخّل ضابط الجيش، وأعاد حسن للسيارة وأخذ القطرة من يد الشرطي وألقى بها بعيدًا وعنّفه، وأمر السائق بالانصراف بعد الاعتذار لحسن والركاب.
حسن، الذي ملأ الحزن والغضب وجهه، حين كان يروى لـ"الوطن" تلك الواقعة، يقول: "معاملة غير آدمية وغير إنسانية بها وحشية وقسوة"، ويشير إلى أن واقعة الاعتداء عليه بالكمين تمثل أسلوب معاملة الداخلية لمصابي ثورة 25 يناير، بعد 30 يونيو، حيث استعادت سطوتها مرة أخرى.
ورغم ذلك يرفض حسن أن يوجّه اللوم للشرطة، لافتًا إلى أن "الداخلية" لم يتم تطهيرها حتى الآن، وعدم تطبيق عقاب رادع لقتلة الثوار خلق ثأرًا مبيتًا بين الثوار ومصابي الثورة والداخلية، والقوي يحاول الانتقام من الآخر، وخاصة بعد "مهرجان البراءة للجميع"، بحسب تعبيره.
وبعد 30 يونيو وإسقاط نظام الإخوان، ظهر لحسن ورفاقه بارقة أمل، وبدا الأمر وكأنه "تنحي المخلوع حسني مبارك من جديد"، ولكن.. جاء لقاء بعض مصابي الثورة مع رئيس الوزراء دون جدوى، فيما اتجّه آخرون لوزارة الصحة ومنها للمجالس الطبية المتخصصة، وكان دائمًا التهاون والاستهتار هما السمتان السائدتان للتعامل مع المصابين، وفي النهاية العودة للنقطة صفر بالتحويل للمجلس القومي لمصابي الثورة، والذي بات مغلقًا دون رئيس.
ساعات قليلة تفصل بين حوار حسن مع "الوطن"، ورحلته إلى ألمانيا لإجراء فحوصات على قدمه اليسرى، التي أُصيبت بشلل تام خلال مشاركته في ثورة 25 يناير، ولم تتحمل الدولة مليمًا واحدًا من نفقات رحلة العلاج، في حين تنازل بعض الأطباء الألمان عن أجرهم، احترامًا لإصابة ثائر مصري.
وبغضب يقول حسن: "تم تفريغ كلمة مطالب الثورة من مضمونها لتصبح كلمة ليس لها أي مفهوم أو معنى، وإلهاء المصابين ومن تبقوا من الذين ضحوا بدمائهم بمشاكلهم وعلاجهم"، لافتًا إلى أن "هذا كان هدفًا اتجهت له جميع الأنظمة التي تعاقبت على البلاد منذ ثورة يناير حتى الآن، والذي يشير إلى التحولات في معاملة المصابين واستغلال المجلس الأعلى لمصابي الثورة من أجل تلميع الأنظمة وكسب تأييد الثوار لها من خلال هذا المجلس".
وأُصيب حسن بـ240 بلية خرطوش في جميع أنحاء الجسم، وطلقتي رصاص حي، ما أدى لكسر فقرتين في العمود الفقري وشلل تام في القدم اليسرى، وذلك يوم 29 يناير عندما تقدّم الصفوف الأولى في المنصورة للفصل بين الشرطة والمتظاهرين، وعند انسحاب الشرطة فتحوا النار عليه وعلى زملائه، ما أدى لإصابته المذكورة.[SecondQuote]
ويتذكر حسن حالة المجلس القومي لمصابي وشهداء الثورة، قائلاً إنه "تابع لأي سلطة تأتي للحكم، ويعمل لتلميع النظام من خلال إعلانه كممثل عن المصابين وأهالي الشهداء تأييده للنظام وبالتالي تأييد المصابين بالتبعية له"، مشيرًا إلى أن "اللواء الفنجري أدخل بعض المصابين الذي لم يصابوا في الثورة من أجل إعلان تأييدهم كمصابين للثورة لنظام المجلس العسكري خلال الفترة الانتقالية".
ويروي حسن أنه خرج في 29 فبراير 2013 خلال مظاهرات لإسقاط الإخوان في المنصورة خلال واقعة الاعتداء على السيدات من جانب شباب الجماعة، ووقف الإخوان حينئذ بجوار الشرطة عندما كان وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، وهو نفسه وزير الداخلية الحالي، وهو نفسه من قال عن المتظاهرين: "بلطجية وعملاء والأهالي والشرطة تتصدى لهم".
ومن جانب آخر، أكد حسن رفضه قتل أنصار مرسي والإخوان خلال فض اعتصامي رابعة والنهضة، رغم أنهم من شاركوا في تعذيبه خلال مظاهرات المنصورة، وسلموه للشرطة حينئذ، ويحاكم رئيسهم الآن بتهمة التحريض على قتل الثوار، وهو نفسه من عيّن المحامي الإخواني" خالد بدوي"، رئيسًا للمجلس، وكان عمله قائمًا على جملة واحدة "المجلس الأعلى لمصابي وشهداء الثورة يعلن تأييده لكل قرارات الرئيس محمد مرسي".
ويرى حسن أن عصر "الإخوان" استخدم "المسكّنات" تجاه مطالب المصابين بالعلاج على نفقة الدولة، من خلال التحويل إلى المركز الطبي العالمي الذي يعالج فيه مبارك، ولا يكمل المصاب داخله يومًا واحدًا، ويتم طرده بشكل "ظريف"، ويتهم "حسن" الدولة، سواء في عصر الإخوان أو قبله أو بعد رحيله، بمحاولة ترك مصابي الثورة دون علاج ليصبحوا "عبرة لكل صاحب قضية يطالب بالحرية والكرامة والعدل".
حسن كان يتابع عن قرب تعيين محمد مرسي ممثلين لمصابي الثورة في مجلس الشورى، أحدهم إخواني تنظيميًا وآخر موالٍ للإخوان، ولم يتحدثوا مطلقًا عن مصابي الثورة ومشاكلهم ومطالبهم المشروعة، ولم يقم المجلس بأي خدمات للمصابين أو الدفاع عنهم أو عن الشهداء، وكل الأهداف التي قام عليها هو دعم النظام، وبعد 30 يونيو هرب خالد بدوي والمجلس مفتوح دون عمل يذكر.